23 ديسمبر، 2024 2:20 م

في ذكرى ولادتها.. فاطمة الزهراء والأسوة الحسنة

في ذكرى ولادتها.. فاطمة الزهراء والأسوة الحسنة

في تاريخنا العربي والإسلامي توجد الكثير من المحطات المشرقة التي تتطلب منا التوقف عندها ،لأخذ العبر والدروس واستلهام القيم والمبادئ السامية والاقتداء بها ، قولا وفعلا كونها تركت لنا بصمتها في تراث وضمير الأمة ، ومن هذه المنارات المشرقة امرأة نشأت في أحضان النبوة وتراتيل الوحي حتى تسامت فوق أدميتنا ، فسماها نبي هذه الأمة..(الحوراء الإنسية)، كما في حديث أم المؤمنين عائشة (رض)،الذي رواه الطبراني في المعجم الكبير .إنها فاطمة بنت محمد (ص)..سليلة الرسالة ومهبط الوحي وحاملة ارثها الإنساني والحضاري وأم سبطا هذه الأمة وريحانتا رسولها الكريم .ولدت السيدة فاطمة (ع) ..في اغلب الروايات السنة الخامسة للبعثة النبوية ، وما أن أصبح عمرها ستة أعوام حتى فقدت أمها السيدة خديجة بنت خويلد، في عام أطلق عليه النبي (ص) عام الحزن ، لأنه فقد فيه عضدين وركزيتين أساسيتين لدعوته ، هما زوجته خديجة وعمه أبي طالب ..حتى أصبحت بعد وفاة أمها بالنسبة لرسول الله مصدرا للحب والمواساة التي افتقدهما بوفاة زوجته فلقبها (بأم أبيها) ..كما ذكر الطبراني في المعجم الكبير وابن عبد البر في الاستيعاب وابن الأثير في أسد الغابة .. وما أعظم هذه اللقب وهذا الوسام الذي منحته السماء لها لتصبح اما للنبوة وملاذاً له، في عام ثلاثة عشر للبعثة هاجرت خلف أبيها النبي (ص) إلى المدينة المنورة بصحبة علي بن أبي طالب وبعض الهاشميات ، وأطلق بعض المؤرخين على هذه الرحلة (بهجرة الفواطم ) ،لأنه كان معها فاطمة بنت أسد زوجة أبي طالب وأم علي بن أبي طالب وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب وفاطمة بنت الحمزة بن عبد المطلب كما جاء في السيرة الحلبية ..وبعد الهجرة بعام تزوجها بطل العروبة والإسلام علي بن ابي طالب ، فولدت له الحسن والحسين وزينب الكبرى وفي روايات أم كلثوم ..عاشت السيدة فاطمة عمرها القصير زاهدة عابدة تجاوزت فيه حدود الزمان والمكان من خلال السر الذي أودعته في ذريتها المباركة ،فأنتجت للأمة رموزا بقيت على مدى الأيام والسنين تشكل علامة مشرقة في جبينها .. الإمام الحسن بكل علمه وصبره وحلمه وكرمه ، والإمام الحسين أسطورة الشهادة التي سطرت على ارض كربلاء والتي أعادت لضمير الأمة جذوة كانت قد خبت ، وابنتها زينب بطلة كربلاء وصوتها المدوي عبر الزمان الرافض لكل أشكال الظلم والجور …كان دار فاطمة الزهراء محط رحال جلال النبوة ومهبط الوحي ، يقف أبيها كل صباح على بابه مناديا ..(السلام عليكم أهل البيت ، الصلاة الصلاة يرحمكم الله ).. كما جاء في تفسير القمي الجزء الثاني رواية الحسن بن علي ..ليؤكد للأمة على قداسة هذا البيت وأهله .على هذا النداء المبارك نداء السماء وصيرورتها الإنسانية على هذه الأرض ،كانت تصلي فاطمة حاملة طهر الرسالة في كيانها..بإقرار السماء وشهادتها لها بهذا الطهر، بقوله تعالى في سورة النساء (إنما يريد الله أن يذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا).وبابها مستوقف الأيتام والفقراء والمستضعفين ورجائهم الذي لا ينقطع من هذا المنهل الثر ، حتى اختصها الله تعالى بسورة الإنسان ،حين آثرا هي وزوجها علي ابن أبي طالب على نفسيهما أن يفطرا على الماء والملح لثلاث أيام من اجل إطعام مسكين ويتيم وأسير بقوله تعالى (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا)..كما ذكر السيوطي في الدر المنثور وأبن مردويه عن عبد الله ابن العباس ، وابن الأثير في أسد الغابة حديث فضة النوبية جارية فاطمة الزهراء ، ان هذه السورة نزلت بحق علي وفاطمة .لقبها أبيها النبي (ص)..بعدة ألقاب منها (البتول)..وقد فسر هذا الاسم ابن حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري فقال ..(سميت فاطمة بالبتول لأنها انقطعت عن نظرائها من النساء بالحسن والشرف ).. وقال النووي في شرح صحيح مسلم (سميت فاطمة بالبتول لانقطاعها عن نساء زمانها دينا وفضلا ورغبة بالآخرة).توفيت الزهراء في أشهر الروايات بعد رحيل الرسول الأعظم (ص)..بخمسة وتسعون يوما أي في السنة الحادية عشر للهجرة ، عن عمر ثمانية عشر عام ..لتترك لنا إرثا حضاريا وإنسانيا نحن بأمس الحاجة إليه اليوم  ، وسط هذا الكم الهائل من الثقافات المحيطة بنا والغزو الإعلامي المضاد الذي تتعرض اليه أخلاقنا وقيمنا وموروثنا الحضاري .. فهي دعوة لفتياتنا للتمسك ولو بجزء بسيط بهذه السيرة العطرة والاقتداء بها منهجا وسلوكا بغض النظر عن الانتماء العقائدي والمذهبي ، فهي الأسوة الحسنة التي دعت إليها السماء بقوله تعالى (ولكم في رسول الله أسوة حسنة)..وفاطمة الزهراء من مصاديق هذه الآية الكريمة ، كونها ربيبة الرسالة ومستودع علمها وحكمتها،وهي بضعة الرسول كما في الحديث النبوي الذي يرويه مسلم في صحيحة بالرقم (1903) ..(فاطمة بضعة مني) .. وهي سيدة نساء العالمين كما في حديث أم المؤمنين السيدة عائشة الذي نقله عنها البخاري ومسلم في صحيحيهما .. (أقبلت فاطمة فأجلسها النبي(ص) بقربه فأسر لها حديثا ثم قال اما ترضين أن تكوني سيدة نساء العامين) .
إن الاقتداء بفاطمة الزهراء (ع).. سوف يوفر لفتياتنا حصانة ذاتية تساعدهن في الوقوف بوجه تحديات هذا العصر لأنهن المادة الأساس في صناعة الإنسان ، وأمهات الحاضر والمستقبل وكقول شاعر النيل حافظ إبراهيم ..الأم مدرسة إذا أعدتها .. أعدت شعب طيب الأعراق.