الاقتراب من علي عليه السلام وتناول حياته أمر مرعب حقيقة, فهذا الرجل العملاق عندما نأتي إلى جروف بحره, هل من الممكن أن نفيه حقه إذا أردنا أن نصفه أو نستذكر حياته.
الإمام علي عليه السلام, الرجل السهل السمح والشديد القوي, حياته قد كحلت عين التاريخ بصور العظمة والرفعة والسمو, وبكل معاني الفضيلة.
إن استذكار أمير المؤمنين علي عليه السلام, والانتهال من خصاله, يبعث في النفس الغبطة والسرور, رغم ما اشرنا إليه من حذر الاقتراب خشية التقصير, فالكلام في خصاله عليه السلام هو كلام في المعاني السامية للإنسانية, هذه الانسانية التي اختفت وانعدمت من الوجود, بسبب المادية والأنا والتباغض والتحاسد.
لقد كان علي عليه السلام رئيس القوم, إلا أنه كان كأحدهم فيهم, يحذو حذو النبي الكريم محمد صلى الله عليه واله وسلم في التواضع والرفق, لقد كان ينصف الناس من نفسه, لا يهادن الظلمة ولا يجامل القريب بل كان الناس عنده سواء.
لم يكُ لأحد في علي عليه السلام مطمع في مال عام, أو انتفاع على حساب المسلمين, اذ إن سيرته عليه السلام كانت سيرة العدل والقسمة بالسوية, لا تفضيل لسابق على لاحق, ولا لقريب على بعيد, ولا لعربي على أعجمي, فالكل سواء ماداموا يعيشون تحت ظل دولته الإسلامية.
في السياسة كانت أخلاق علي عليه السلام واضحة المعالم, فهي ترفض الغدر والخديعة والمكر, ولم يستخدم سلام الله عليه امكانيات دولته لخدمة احد معين, بل جعلها كلها لخدمة الاسلام والمسلمين, وحين ولّى الولاة, لم يتركهم يتحكمون في أمصارهم بمزاجهم, بل كان حريص أشد الحرص على متابعتهم, وتفقد شؤونهم, وتتبع سيرتهم مع الرعية, وكان يحثهم على العدل والانصاف, وأن لا يكونوا عونا للظالم, بل يوصيهم بضعاف الرعية, ممن لا يملكون الحيلة والقدرة على مواجهة الحياة.
سيرة مولانا أمير المؤمنين هي سيرة اعجازية بما تعنيه الكلمة, منذ ولادته داخل حرم الإله, إلى استشهاده في بيت الإله, سيرته هي سيرة العطاء والخير والرفق واللين والرحمة, ومهما كتبنا عنه عليه السلام لن نفيه عشر معشار حقه, لا والله! وكيف نفيه ورسول الله صلى الله عليه واله يقول له ” يا علي لا يعرفك إلا الله وأنا” فالسلام عليك يا ابا الحسن, أيها النقي الهمام, وعذرا إليك من تقصيري وقصوري عن أن أفيك حقك أو أًبين منزلتك.