ينشطر العراق إلى جمهوريات كثيرة تتوزع على جهات الأرض كلها. وأطرفها أن العراقيين الساكنون في ولاية الاسكيمو شمال الولايات المتحدة حيث الثلج معاطف وقمصان سكان تلك الأرض أسسوا جمعية صغيرة تعتني بهمومهم الثلجية بعد أن فقدوا هموم الفصول العراقية (البرد، الحر، الحروب، الكهرباء المفقودة وتوزيع مواد البطاقة التموينية)..
جمهوريات توزعت على أكثر من تلك الأقاليم التي جابتها بغلة ابن بطوطة وسفينة ماجلان وطائرات الكونكورد. غير أن اكبر هذه الجمهوريات تقبع على الأرض الشامية الطيبة…
حيث مازال أهل الشام الكرماء يرفعون قبعة التحية لدمعة العراقي الهارب من جنون الذبح والمفخخات والمحاصصة التي شملت حتى ألوان ربطات العنق، وغاب عنها الشعور التاريخي بأن الذي يحدث ربما تجاوز مسببات النظام.
لااريد أن انقل دعوات الحلم التي تتهدج بها أفئدة زائرات قبر السيدة زينب (عليها السلام) ولا نذور الشوق بالعودة القريبة إلى العراق لزوار قبر نبي المندائيين يحيى (ع). ولا أريد أن أنقل عاطفة الحسرة في نظرة عجوز وهي تمسك ضريح قبر رقية بنت الحسين (ع) وتتمنى موتاً في العراق وليست في جمهوريات المنفى المتحدة….
جمهوريات العوز والفقر والبطالة والانحدار إلى هاجس بيع الجسد وهذا أبخس قدر لمعاناة أمة من الأمم، ولكنه يحصل وأمام العيون وعلى أرصفة الشوارع المبلطة بالألم ونشرات أخبار الموت العراقي عبر مرحلتين تبدأ بالكدية، وحين تصاب هذه المهنة بالكساد يتم البدء بيع الجسد..
تتحمل الجمهورية العربية السورية الوزر الكبير في تحمل الهم العراقي ومعاناته، وربما يتمنى السوريون من الأمم المتحدة والمنظمات الدولية التي تعتني بمآسي اللاجئين عوناً أكبر في تحقيق إيواء جيد لهذه الملايين المهاجرة كما طيور السنونو في رحلاتها الشتوية (من ثلج استكهولم إلى دفء أهوار الجبايش) ، وتثقف شعبها بضرورة احترام هذا المنفي من خوف فقدان فرد أو كل أفراد عائلته أو يقتل لأنه صاحب قلم أو محل لتحويل العملة أو حلاق مودرن أو كل شيء. المهم أن تموت أو تقتل في ارض العراق وتلك واحدة من رؤى تاريخ مستعاد من زمن المغول ذوي السيف والقصيرة ومروراً بشهداء بحيرة الأسماك وجبهة بنجوين وزرباطية.
المهم أن العراقي يموت ليكتب أغنية حزينة أو قصة مأساوية أو يرسم دمعة تجري على خد طفل مثلما يجري فرات إلى أرض العراق قادماً من مراد صو وفرات صو…
بعض الدول بدأت تضيق ذرعاً بالعراقيين لأسباب كثيرة ومنها ماكان للعراق فضل في نهضتها الحديثة، وعمارتها العالية وفنادقها تسعة النجوم بنيت بنفط العراق، ولكنها الآن تعيد ثلاثة أرباع ركاب الطائرة القادمة من العراق إلى العراق بحجج تمتد من المذهبية إلى تقدير العمر وتنتهي بمزاج ضابط الجوازات…
أترك كل هذه الجمهوريات، التي تبدأ بجمهورية الاسكيمو العراقية وتنتهي بجمهورية الصين الشطرية أو لاهور البعشيقية، وأتحدث لكم عن جمهورية السيدة زينب وعن شريحة واحدة من شرائحها..
شريحة خرسان العراق وأقصد المواطنين العراقيين الذين أصيبوا بعاهة فقدان السمع والنطق وأتعجب من الدافع الذي دفعهم للهجرة عن العراق وتأسيس بقعة تواجد يومي لهم في شارع بالسيدة زينب يسمى (شارع العراقيون)….
سألت أحدهم بالإشارة: ما دمت لا تسمع كل شيء، ولا تعرف ما الذي يحدث بالعراق سوى من خلال بعينيك. الذي جعلك تهاجر..؟!
قال بصوت قوي: بم..بم..بم….
وهو يعني القنابل والمفخخات. ثم أشار إلى رقبته بحركة تشبه حركة ذبح الشاة بسكين، وهو يعني خوفه من الموت ذبحاً…
آخر أضحكني جوابه عندما ترجمه لي عِريفٌ بلغة الخرسان:
قال: إن سينمات بغداد أغلقت كلها وهو يحب الأفلام الهندية. ومادامت لا تعرض أفلاما هندية في العراق. فماذا تبقى فيه…؟