شكلت ثورة الرابع عشر من تموز 1958 التي قادها مجموعة من الضباط الأحرار والوطنيين بقيادة الزعيم عبدالكريم قاسم، والذي حول نظام الحكم في العراق من النظام الملكي الى الجمهوري، انعطافة كبيرة في تأريخ العراق المعاصر،فضلا عن ارتداداتها وانعكاساتها على مجمل الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط وبالأخص على الدول المحيطة بالعراق.
كانت لتلك الثورة تأثيرات مباشرة على القضية الكوردية التي تعد احدى اهم قضايا المنطقة، وذلك بأعتراف الدستور المؤقت في المادة الثالثة منه بحقوق الشعب الكوردي في العراق وضرورة حل قضيته وفق القانون والدستور، لكن بنود الدستور كانت مجرد حبر على ورق دون تنفيذ، إذ رفضت حكومة قاسم المذكرة التي قدمها الحزب الديمقراطي الكوردستاني والتي تضمنت مطالب الشعب الكوردي في تلك الفترة خيردليل على عدم وجود ارادة من قبل بغداد لتنفيذ مواد الدستور،كما هو حال الدستور الحالي الذي كتب بعد التغييرفي عام 2003 وصوت عليه اكثر من 80% من ابناء الشعب العراقي من دون تنفيذ.
وتلخصت المذكرة المذكورة بثلاث عشر نقطة وهي:
1- سحب قوات الجيش ، التي أرسلت إلى كوردستان، وعدم إجراء أية تحركات عسكرية، غير عادية، في غير الأماكن المعتادة لها، في السنين السابقة.
2- سحب الموظفين العموميين، الذين لهم دور بارز في الأحداث الأخيرة، ومحاكمتهم.
3- إعادة الموظفين المبعَدين من كوردستان إلى أماكنهم السابقة، وتعيين قيادات من الكورد المخلصين، في الوظائف الرئيسية .
4- تطبيق المادة الثالثة من الدستور تطبيقاً كاملاً.
5- تطهير جهاز الحكومة من العناصر المعادية لروح انقلاب 14 تموز.
6- إطلاق الحريات الديمقراطية للشعب، والأسراع في تحويل البلاد إلى النظام الديمقراطي .
7- تنفيذ مقررات مؤتمر المعلمين الكورد، لسنة 1960، لتطوير الثقافة الكوردية.
8- جعل اللغة الكوردية لغة رسمية في جميع الدوائر الرسمية، في كوردستان.
9- إزالة آثار التفرقة العنصرية، المتبعة بحق الكورد، ومعاقبة الداعين إليها بين أبناء شعب العراق الواحـد.
10- إطلاق زراعة التبغ، في الأماكن الصالحة لزراعته.
11- تعديل قانون ضريبة الأرض، بما يرفع العبء عن كاهل الفلاحين.
12 إنشاء مشاريع في كوردستان ، بما يقضي على البطالة المتفشية.
13- القضاء على الغلاء الفاحش، والضرب على أيدي المتَّاجِرين بقوت الشعب.
ورغم بساطة المطالب الكوردية، الا ان حكومة قاسم رفضتها، وسرعان ماتغير نهجها وسياستها الى حالة انفعالية و قامت بضرب خصومها من القوى الوطنية والديمقراطية العراقية ومنها الحزب الديمقراطي الكوردستاني ،عندما قامت وحدات من الجيش بأستخدام الدبابات والمدفعية والطائرات بأجتياح القرى والقصبات الكوردية وبالاخص القرى التابعة لمنطقة بارزان بغية السيطرة عليها.
هذا التغير المفاجئ،ارغم قيادة الحزب الديمقراطي على اعلان النفير العام والتصدي للقوات الغازية في 11 ايلول 1961والتي كانت انطلاقة ثورة شعبية عارمة شارك فيها جميع شرائح المجتمع الكوردستاني ومكوناته و استمرت بما يقارب 14 عاماً.
هنا لابد من الأشارة الى امر مهم للغاية وهو ان الحزب الديمقراطي الكوردستاني ومنذ تأسيسه وما يزال يرفض العنف كوسيلة لنيل اهدافه القومية ولم يكن الكفاح المسلح ضمن برنامجه ونهجه،بل اعلن من خلال ادبياته عند التأسيس، انه يؤمن بترسيخ الديمقراطية في العراق و الحوار كأفضل وسيلة لحل قضيته، هذا النهج السلمي الحضاري، منح ثورة ايلول ميزة خاصة لإستقطاب اعداد لا يستهان بها من ابناء المكونات العراقية غيركوردية من الألتحاق بالثورة و ديمومتها لأجل مصالح الشعب العراقي في نظام حر ديمقراطي، يضمن مصالح الجميع على اساس حقوق المواطنة وترسيخ العدالة الإجتماعية لبناء دولة مدنية حضارية يحكمها القانون والدستور ويتمتع الجميع بحقوقهم.
واليوم وبعد مضي 63 عاماً على ثورة ايلول العظيمة، وماشهده العراق من حروب ودمار نتيجة رفض منح الشعب الكوردي حقوقه المشروعة، ما تزال العقلية ذاتها تتحكم بمصير العراق والعراقيين وتسعى لفرض ارادتها بشق صفوف الشعب الكوردي بتقديم اغراءات لجهة او جهات معينة على حساب الحقوق المثبتة في الدستو او استخدام الضغوطات السياسية، كسياسة التجويع وقطع رواتب الموظفين وتجريد الأقليم من صلاحياته الدستورية ككيان فدرالي ، والسعي لإعادة عقارب الساعة الى الوراء، ناسين ان الأوضاع الداخلية والإقليمية و الدولية في المنطقة طرأت عليها متغيرات كبيرة نتيجة صراع القوى العظمى على مناطق النفوذ في المنطقة لتامين مصالحها.
هنا لابد من تذكيرالقوى السياسية الكوردستانية، ان تكون بمستوى المسؤولية لمجابهة تحديات المرحلة بروح وطنية عالية وعدم الإنجزار الى مشاريع تمزيق الصف الكوردي التي يعمل عليها خصومنا، والعمل معاً من اجل قضيتنا العادلة اولا، مع الإحتفاظ بحقهم في السعي لنيل اهدافهم ومصالحهم الحزبية، وان تجارب التناحر والخلافات الماضية اثرت كثيراً عليهم كاحزاب سياسية كما الحقت اضراراً كبيرة بالقضية الكوردية.
عليه تجارب العقود الماضية في رفض حقوق الشعب الكوردي بالقوة والعنف اثبتت فشلها ،وعلى القوى والأحزاب السياسية العراقية المشاركة في العملية السياسية و السلطة ان تتخلى عن نهجها السابق وان تعي الحقيقة الآتية، ان من دون حل عادل للقضية الكوردية وفقاً لما جاء في الدستور العراقي، لايمكن ان نرى عراقاً مستقراً سياسياً وامنياً ومزدهراً اقتصاديا، لأن الأزدهار الأقتصادي وتوفير حياة حرة للمواطنين يتطلب استقراراً سياسياً وانسجاماً وطنياً بين القوى السياسية.