مساعي جديدة لتكرار سيناريوهات مظلمة في المنطقة
لا شيء جديد اكثر مما قيل من قبل عن جرائم أمريكا وحلفائها في العراق، ولا شيء جديد يحكى عن تحويل العراق الى بلد فاشل ودولة فاشلة بالمعنى المطلق للكلمة، ولا شيء جديد نضيف الى الذكر من عمليات نهب وفساد وسرقة التي دشنها الرئيس المدني للاحتلال بول بريمر في مقابلة مع احدى القنوات الامريكية ، عندما سئل عن اختفاء ١٢ مليار دولار في الاشهر الأولى من استلامه لوظيفته في العراق، وجاء جوابه بشكل غاضب، لا اعرف (I don’t know)، ولا إضافة لنا اذا قلنا وعلى لسان الاحياء المخضرمين او الذين لم يكونوا في مكان خطأ وزمن خاطئ كي تقتنصهم حروب الامة العربية او مقاصل الاعدامات، ان العراق في ظل الدولة البعثية الفاشية والاستبدادية هو اقل سوءا مما نعيشه اليوم وليس كما يروج له اعلام الأحزاب الإسلامية التي وصلت الى السلطة في غفلة من الزمن وبفضل الغزو والاحتلال، بأن العراق يعيش في واحة الديمقراطية، والتي قولبت كل معاني الحياة في العراق بصناديق الاقتراع، وهي من تفتتحها وهي من تغلقها، وعندما يتم التحقيق عن التزوير فيها، تقوم بحرقها، وفضلا على كل ذلك تٌحَمَلَنّا منة بأنها سليلة الحسب والنسب للديمقراطية، واكثر ما تعني في فلسفتهم ونظريتهم في الحكم، التداول السلمي لعمليات النهب والسلب ومحاولة لقمع كل اشكال الحريات مثلما حدث تحت يافطات نشر “الفديوهات الهابطة” ومنع المشروبات الكحولية وتغليفها بهالة من العناوين الفارغة من المحتوى التي انتهت موضتها مثل خدش الحياء والذوق العام وتقاليد المجتمع، لطمس ماهيتها الاستبدادية، ولكن بشكلها الناعم!!! ويجدر بالذكر أن حيائها لا يُخدش عندما تروج لنظريتها أي نظرية الأحزاب الإسلامية لتبريرها لكل سنوات السلب والنهب، بأنه من الحلال (سرقة الأرض، ما فوقها من عقارات، وما فيها من موارد طبيعية، فهي مشاعة ولا حق لاحد فيها)، اما المواطن العادي فله قسمته بالأرض كما يقرر له الله وليس من حقه الشكوى والتذمر والغضب، واجره في السماء، والله لا يحب الا المحسنيّن أي الصامتين والخانعين وكل من لا يفكر بانتزاع رغيف الخبز الذي سرق من فمه وفم أسرته.
تلك النظرية الجهنمية هي من تستند عليها الأحزاب الإسلامية التي استحوذت على السلطة السياسية كي تغتني وتنتفخ جيوبها وبطونها، وتمول ميليشياتها كي تحميها، فإذا كانت تلك النظرية هي جزء من نضالها الفكري بالاعتناء وتشكيل أكثر الأجنحة الطبقة البرجوازية حثالة في المجتمع، فعلى الصعيد السياسي ابتكرت عنوان جديد لها وهو محور المقاومة، والنضال ضد الاستعمار وسن القرارات ضد التطبيع مع إسرائيل، وكل من خرج للمطالبة بالحرية والمساواة، اتهم بأنه أولاد السفارات وعميل أمريكا لتقتنصها ميليشياتها من اعلى البنايات أيام انتفاضة اكتوبر، في حين هي من كانت مطية أمريكا بامتياز، وهي من كانت تستجدي أمام أبواب السفارات الغربية عشية غزو واحتلال العراق كي تنال رضى الإدارة الامريكية، وهي من كانت تتوسل للحصول على مباركة مهندسي احتلال العراق بوش وتشيني ورامسفيلد، وتتملق لزلماي خليل زادة كي يشكلوا اقطاعيتهم في العراق.
في ذكرى غزو واحتلال العراق، لابد من القول والتذكير بان ما حدث للعراق جراء السياسة الامريكية لم يكن محض صدفة، ولم يكن خطأ أمريكا وساساتها بأنهم لم يفهموا بتاريخ العراق، أو اخطأوا بحل الجيش العراقي كما روج ويروج له عرابو الاحتلال المحليين امثال اياد علاوي ولفيف من العروبيين الذين تنكروا بالزي الطائفي، كي يحصلوا على مقعد في مجلس الحكم او السلطة، فاذا لم تسنح لهم الفرصة لهم بدراسة المجتمع العراقي، والتتلمذ على يد علي الوردي الباحث في علم الاجتماع وهو قبلة المثقفين الليبراليين الجدد الذين ظهروا بعد الغزو، وهم لا يمكنهم ان يروا اكثر من وقع اقدامهم، فما هو تفسير ما حدث في أفغانستان بعد عشرين عام من الاحتلال، الم يكن لديهم (علي وردي بشتوني) كي لا يفهموا بتاريخ المجتمع الافغاني وبالتالي ليتم تسليم نساء أفغانستان على طبق من ذهب الى الطالبان، الوحوش الذين قدموا من خارج التاريخ الانساني؟
ان تسليم العراق الى الأحزاب الإسلامية التي تحكم العراق اليوم، وكتابة دستور مشوه لا يمكن أن يفسره إلا اولي الالباب وحسب توازن القوى في الصراعات السياسية على السلطة، وأحيانا يتم التفسير أي بنود الدستور على أساس قواعد (المعنى بقلب الشاعر)، ثم بعد ذلك عندما مالت كفة تلك الأحزاب الى خارج الفلك الأمريكي، صنعوا عصابات داعش وسلموا لهم ثلث مساحة العراق بفضل الأسس التي بنيت عليها السلطة في العراق، لكي يتأدب المختفين وراء أبواب المنطقة الخضراء، ويتعلموا قبل كل شيء آداب المائدة، ويأخذوا درسا بالتاريخ بأنهم ليسوا اكثر جماعات ليس لها جذر اجتماعي يمكن لها الصمود إلا بالسلطة والمال الذي نهبوها.
فما حدث في أفغانستان أعد له في العراق عندما كشف مستشار الأمن القومي الأمريكي بريجنسكي في عام ٢٠٠٣ بعد غزو العراق في لقاء مع صحيفة روسية، ان إيصال الأحزاب الإسلامية ومنها الموالية لإيران الى السلطة هي من مصلحة الأمن القومي الأمريكي.
وما يحدث اليوم في أوكرانيا، هي امتداد لسياسة أمريكا، فبعد تكسير عظام الأوكرانيين وتحويلها الى وقود لوقف التمدد الروسي الامبريالي في اوروبا، سيتخلى البيت الأبيض اجلا او عاجلا عن زيلنسكي وجوقته الفاسدة، ويسلم اوكرانيا الى روسيا على طبق اقل من ثمن تقديم طبق أفغانستان الى طالبان، بعد اذلال شعبه وتحطيم معنوياته وارادته بالحرب والدمار ونهب ثرواته، كما عشنا واختبرنا سنوات السياسة الامريكية في نشر الديمقراطية والرفاه في العراق.
ولن تتوقف السياسة الامريكية عند حدود تلك البلدان، فها هي تعد نفس السيناريو لإيران، كما أعدته من قبل مع حلفائها الغربيين أثناء اندلاع ثورة ١٩٧٩، فوأد الثورة في إيران هي من أولويات مراكز الدراسات وصناع القرار في العمق الأمريكي، فالرياح القادمة من ايران، ستعصف بكل الأسس التي تستند عليها السياسة الامريكية والغربية، وهي تقلع جذور الإسلام السياسي او على الأقل تدفعه الى الانزواء، وتصبح السياسة الامريكية حينها عارية وليس لها من مطية او عراب او بلطجي لتمرير قرارات مؤسساتها الاقتصادية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، أنها أي تلك الرياح ستغير وجه العالم، وتحاول أمريكا جاهدة الوقوف بوجهها وتفريغها من محتواها الثوري والتحرري.
في ذكرى غزو واحتلال العراق، على المتوهمين بالسياسة الأمريكية بعد، الاستيقاظ من اوهامهم، فالوهم لا يضلل المتورطين به فحسب ويضيع بوصلتهم، ففي الكثير من الأحيان يقتلهم.