23 ديسمبر، 2024 9:40 ص

في ذكرى استشهاده، احمد قوجا الانسان المتواضع والقيادي النقي

في ذكرى استشهاده، احمد قوجا الانسان المتواضع والقيادي النقي

شامخا بمواقفه البطولية، مخلصا لوطنه الذي احبه، وفيا لشعبه الذي عمل كل ما يستطيع من اجل حقوقه المسلوبة ومستقبله، ترك الشهيد احمد قوجا اهله ووطنه واحبته، حاملا شرف الشهادة التي ختم بها مسيرة حياته المشرفة.
أحمد قوجا ترك الدنيا شامخا، فهو الذي تشرفت به المناصب والمسئوليات التي تقلدها، وبقي حبه يتجدد عند الناس لما خلف من ارث كبير من الاخلاص والتواضع.
لم يكن يوم 25 حزيران 2013 يوما عابرا في طوزخورماتو، فليس من السهولة لاهل المدينة التركمان نسيانه وبه استبيحت دماء كوكبة جديدة من خيرة ابناء المدينة، أمام صمت مخزي للحكومة وبعض الاطراف المتاجرة بحياة ابناء طوزخورماتو في سبيل اهداف مشبوهة تهدد مستقبل هذه المدينة التركمانية العراقية الاصيلة.
احمد قوجا ابن طوزخورماتو البار الذي اغتالته يد الارهاب في مثل هذا، ترك فراغا في الساحة السياسية التركمانية والعراقية لا يمكن ملئه بسهولة. فأخلاصه وصدقه في العمل والابتعاد عن المصالح الشخصية كانت ميزه يتصف بها وتميزه عن الاخرين. تقديس الامانة والتعامل بصدق مع كافة القضايا التي واجهته، واحترام القانون في اداء كل واجب وطني وانساني كلف به، كانت مما اتصف به احمد قوجا طوال مسيرة حياته. كان ميزانه الوجدان ونكران الذات رافقه واصبح منهجا لحياته، واستشهاده في موقع للاعتصام الى جانب ابناء طوزخورماتو خير دليل.
قبل ذلك من استشهاده وتحديدا يوم الاحد 23 حزيران استهدفت سيارة مفخخة مدينتنا فجرا. لم يكن مكان الانفجار بعيد عنا، ستعيد ذاكرتي تلك اللحظات كل يوم التي فيها غادر الشهيد مسرعا البيت منفردا دون ان يابه بمخاطر الارهاب الذي كان يجول في طوزخورماتو ليل نهار حرا طليقا بعد ان احتضن في بيوت كنا نعتقدها امنة، ليرى ماذا حدث. عاد بعد زيارة موقع الانفجار متألما مرددا كلمات تحصر قلبه لازالت ترن في مسامعي، وهو منزعج ويقول علينا ان نعمل بكل الوسائل لوقف هذا النزيف.. والحيرة والتعجب يرسمان ملامح وجهه الغاضب.. كيف؟ ومن؟ واين؟ ومتى؟ اسئلة لم يستطيع الاجابة عليها، فالدولة ومؤسساتها تركت المدينة تبحر في امواج الارهاب العاتية والرياح الصفراء القادمة من شرق المدينة تارة وغربها تارة اخرى، وهي عاجزة والمؤسسات العسكرية مشلولة، والجهات الامنية لاحول لها ولاقوة..
عصر ذات اليوم عاد من تكريت التي توجه اليها بعد التفجير، ليشارك بنصب خيمة اعتصام وعزاء في الوقت نفسه قرب جسر اق صو في طوزخورماتو. لينضم الى اهالي المدينة الذين اتخذوا قرارا بالاعتصام ليعبروا عن سخطهم لما تناله مدينتهم التي اصبحت هدفا يوميا للارهاب، لعل الدولة والحكومة تنتبه الى مايجري. لقد قرر اهالي طوزخورماتو الاصلاء قطع طريق بغداد – كركوك وكان احمد قوجا معهم والى جانبهم يشاركهم في الاعتصام حتى يوم 25 حزيران، حيث استهدف ارهابي جبان خيمة الاعتصام، فوقع ومعه كوكبة من النجباء من المواطنين شهيدا الى جانب ولده الشاب (اره ن)، قبل ان تلتفت الحكومة لمطالبهم ..
ابنه (اره ن) كان الى جانبه في الكثير من جولاته، يأبى الا ان يبقى مع والده رغم اصرار الاب لمعرفته المخاطر التي تلاحقه بسبب مواقفه الشجاعة ضد الارهابيين والانتهازيين بنفس الوقت. اسجل هنا للتاريخ بعض اللحظات عن الليلة التي سبقت استشهادهما، والتي لن انساها ماحييت، حيث اجتمعت بهما ليلة الثلاثاء 24/25 حزيران في بيت الوالد رحمه الله، ناقشنا الكثير من الامور، قص لي مجموعة من الامور اتركها للتاريخ، ودعنا الشهيد في ساعة متاخرة من الليل متوجها الى عائلته، بقي الشهيد اره ن معنا في بيت الجد وعندما ساله والده اجاب بانه سيمكث هذه الليلة معنا، اول مرة يبيت معنا دون والده وكأن القدر قد ابلغه بانها الليلة الاخيرة في حياته، اراد ان يقضيها معنا قبل ان يرحل مصاحبا والده الى دار الخلد..تاركا مدرسته وتفوقه الدراسي واصدقاءه واساتذه دون ان يودعهم.
لقد قدم الشهيد احمد قوجا لطوزخورماتو مالم يقدمه أي مسؤول ، خاصة فيما يخص اعادة الكثير من الاراضي الزراعية وبالاف الدونمات الى اصحابها التركمان بعدما صودرت من قبل النظام البائد وبقرار هيئة دعاوي الملكية، محملا الشهيد كافة المسؤولية، بشهادة المسؤولين اذ قال له مدير املاك المحافظة محذرا اياه فيما يخص مصير تلك الاراضي (ان ماتقوم به له عواقب وخيمة ستتحملها) اجابه الشهيد (لتعود الاراضي لاصحابها الاصليين من ابناء مدينتي.. وليصدر حكم الاعدام بحقي بعده)..المسؤولية التي تحملها الشهيد من اجل استعادة الاراضي لاصحابها كانت عملية بغاية التعقيد، اجراء لم يحصل لحد الان في أي بقعة في محافظات العراق عامة والمناطق المحاذية لنا مثل كركوك او ديالى تحديدا.
كم ينتابني من الفخر والاعتزاز عندما ازور دائرة او مؤسسة ويكون الحديث كل من التقي بهم عن الشهيد وما يحمله اهالي محافظة صلاح الدين من حب واحترام له. لا استيطع ان اصف مشاعري تجاه احد المواطنين في ناحية العلم عندما طلب تقبيلي احتفاءا وحبا للشهيد احمد قوجا. اتمالك نفسي بصعوبة عندما وارى احدهم يبكي امامي مستذكرا
الشهيد رحمه الله وما قدمه له من من يد العون في حادثة المت بها. تلك المواقف شهادة اعتز بها من قصبات صلاح الدين واهلها الاكارم وموظفي ديوان المحافظة ممن عمل معهم الشهيد وعرفوه عن قرب، فهم لا زالوا يحتفظون بذكرى تلك المواقف الانسانية والذكريات الجميلة النابعة من المحبة التي زرعها في دواخلهم تروى بوجدانهم لتبقى حاضرة ابد الدهر.
سيذكر التاريخ دوما وباحرف من نور تلك المواقف التي اصبحت استثنائية في عراق يديره مجموعة من الفاشلين والفاسدين من القياديين المتاجرين بدماء الشهداء.