في مثل هذا اليوم من عام 2003، دخلت القوات الأميركية بغداد عاصة الرشيد، وسقطت الدولة العراقية بكل مؤسساتها وهياكلها. لم يكن ما جرى مجرد إسقاط لنظام حكم، بل كان اجتثاثًا لدولة كاملة، وتفكيكًا ممنهجًا لبُنيتها السياسية، الإدارية، الأمنية، والاجتماعية.
العراق الذي عرف بكونه أحد أعمدة الاستقرار في المنطقة، وأحد أهم مراكز الحضارة والعلوم في الشرق الأوسط، تحوّل بعد الاحتلال إلى ساحة مفتوحة للفوضى والدمار.
لم تكن الكارثة في دخول قوات أجنبية فحسب، بل في مَن جاؤوا معها أو على دباباتها. وجوهٌ مغمورة، كانت تتسكّع في حارات دمشق المحررة، وأزقّة طهران المظلمة وحانات عواصم الغرب، وُضِعَت فجأة في سدة الحكم، لا تاريخ نضاليًا لها، ولا كفاءة إدارية، ولا مشروعًا وطنيًا، كل ما كانت تملكه هو ولاءٌ أعمى للخارج، وحقد دفين على العراق وشعبه.
وبدلًا من بناء نظام ديمقراطي حقيقي، اختار هؤلاء أن يُقيموا سلطة قمع وفساد. نُهِبت الثروات، تراجعت الخدمات، انهارت المنظومات التعليمية والصحية، وتفككت الدولة إلى كيانات طائفية ومناطق نفوذ تتحكم بها ميليشيات، باتت اليوم أقوى من الدولة نفسها، بل هي الدولة فعليًا.
لم يكن التغيير الذي بُشّر به العراقيون سوى وهم، فقد خُدِع الشعب بشعارات “الحرية” و”العدالة”، ليجد نفسه تحت سلطات طائفية متعاقبة تُقصي وتُهمّش وتُهجّر شركاء الوطن. أُفرغت المدن من أهلها، وبيعت مقدرات البلاد لإيران، التي أصبحت اللاعب الأول في القرار العراقي أمنيًا واقتصاديًا وسياسيًا.
وامتدّ الأذى إلى المحيط العربي. فالعراق الذي كان جسرًا للتواصل بين المشرق والمغرب العربي، تحوّل إلى منصة تهديد، تُطلق منها تصريحات عدائية وتهديدات جوفاء تجاه دول الجوار، مدفوعة بعقائد طائفية وأجندات إيرانية لا علاقة لها بمصلحة العراق أو استقراره.
ولكن، رغم هذا المشهد القاتم، لم تنطفئ جذوة الأمل لدى العراقيين، إذ ما زال في هذا الشعب من يؤمن بقدرته على استعادة وطنه من أيدي الفاسدين والمتسلطين. ما زال هناك من يُراهن على الوعي الشعبي، وعلى لحظة مفصلية يعيد فيها العراقيون بناء دولتهم من جديد، دولة وطن لا طائفة، وعدالة لا انتقام، وسيادة لا تبعية.
سيأتي يوم.. يُكتب فيه للعراق أن ينهض من تحت الركام، وأن يعود كما كان: قويًا، مستقلًا، عزيزًا.
أليس الصبح بقريب .. !؟