23 ديسمبر، 2024 8:42 ص

في ذكرى احتلالها.. الموصل مدينتي

في ذكرى احتلالها.. الموصل مدينتي

(أنا هادي حسن عليوي).. لأول مرة يعرف أصدقائي الآن إنني من مدينة النجف الاشرف.. وجدي الأكبر الحسين بن علي (عليه السلام).. ولا احد يعرف من أية عشيرة أنا.. لأنني تربيتُ إنني عراقي فقط.. وعشتُ ولم أفرق يوماً بين عراقي وعراقي أبداً.. حتى عندما كنتُ مسؤولاً لم أعين احد من أبناء مدينتي.. أو من أقربائي.. أو من أبنائي على حساب الآخرين.. ولم أعامل أبنائي بمعاملة تختلف عن بقية طلابي أبداً.. بل على العكس كنتُ أتشدد مع أبنائي.. وأتساهل في بعض الأمور بأعذارٍ مشروعة عن الطلبة الآخرين.
في بداية العام 1970 عينتُ رئيساً لمؤسسة الثقافة العمالية في الموصل.. ومشرفاً عاماً عن الثقافة العمالية في شمال العراق (أي في محافظتي السليمانية وأربيل).. وذهبتُ الى الموصل لأول مرة في 19 / 1 / 1970.. لأجد أناساً أكثر من كونهم طيبون.. كانوا يقدمون ليً كل مساعدة من دون طلب.. ومن دون منية.. بل كان يعتبرون ذلك واجباً.. لأنني ضيفُ عليهم.
الموصليون أيها الأصدقاء عراقيون أصلاء.. ولولاهم لذهبت الموصل الى تركيا العام 1925.. لموقفهم العراقي الأصيل.. فجميعهم صوتوا الى عراقية الموصل باستثناء بيتين أو ثلاثة بيوت فقط (يعرفهم الموصليون جيداً).. الموصليون يحاسبون أنفسهم قبل غيرهم.. يوزنون بالقسطاط كما أمر الله.. لا يغشون في معاملاتهم.. صادقين.. لم يكذب احدهم معي.. ولم يساومني في قضية.. وعندما أطلب شيئاً اشعر بالخجل حيث يأتيني بأقرب وقت.. بلا منية.
في شهر رمضان تشعر إنكً في وسط مدينة السلام.. والمحبة.. والدين.. والغفران.. في رمضان تجد في كل مكان من الموصل.. الخشوع.. آداب رمضان مجسدة في كل ممارساتهم.. يقدمون الفطور للمحتاج قبل أنفسهم.
لا تجد متسولاً في الشارع.. (عيب.. فالجيران والأقرباء يتكفلون به وعائلته).. والله إنهم يمارسون أخلاق وسلوك محمد وعلي بكل تفاصيلها.. سنتان لم اشعر بها سوى بالراحة.. وصدق الكلام.. والعلاقات الطيبة.. شعب طيب يعتزُ بدينه.. ويعتزُ بعروبته.. ويعتزُ بعراقيته.. ويعتزُ بموصليته..
بكيتُ الموصل خلال السنوات الأخيرة أكثر من مرة.. وأنا أجد بعض مسؤوليها ينفخون في جراب مثقوب.. مثلما ينفخ بعض مسؤولي بغداد بالطائفية المقيتة.. حتى إنني أسأل أهل الموصل على هؤلاء المسؤولين فيقولون: (هؤلاء أناس نستحي أن نقول أنهم موصليون).
اليوم.. والموصل تمر في ذكرى احتلالها من قبل الانجاس الدواعش.. ومرت في محنتها الكبيرة.. بعد أن حررتها أيدي قواتنا بكل صنوفه.. فإنني وطيد الثقة بأنها ستمر.. وستنتهي المحنة بأسرع مما تتصورون.. فأهل الموصل أناس صابرون.. شجعان.. لا يطأطؤون رؤوسهم لأحد.. ولن يقبلوا بهؤلاء الجهلة أعداء الإسلام في صفوفهم.. وسوف يلفظوهم.. مثلما لفضوا غيرهم من أعداء العراق.
نحن معكم أيها الموصليون الأباة.. دماءُ أبناء العراقيين اختلطت بدمائكم على ارض الرسل والأنبياء.. دفاعاً عن الموصل العراقية.. شمروا أيها الموصليون عن سواعدكم.. وأعيدوا بناء الموصل أحسن مما كانت عليه.. ولا تتأثروا من بعض ردات الفعل من بعض الجهلة والمتخلفين.. نحن نعتز بعراقيتنا.. وبديننا.. وبمذهبنا.. ونسير على نهج مرجعيتنا التي قالت: (السنة أنفسنا).
بقيً أن أقول: زرت الموصل قبل 2003 عشرات المرات بل كل صيف كنتُ فيها ..ووجدتها تتغير نحو الأفضل ثقافة وعمراناً.. أما بعد 2003 فالتغيير حاصل ليس في الموصل فحسب.. بل في كل المدن العراقية.. فالبصرة التي لا تعرف الطائفية .. ضربتها الطائفية بإطنابها.. صحيح الموصل تغيرت بعد 2003.. لكن بمسؤوليها من البيتين أو الثلاثة بيوت التي ذكرتها في مقالتي هذه وتسلموا المسؤولية فيها.. وبقيً أكثر الموصليين عوائل أصيلة.. ومثلما الطائفية المقيتة ضربت الجنوب فقد ضربت الشمال .. وألان انقشعت الغمة.. وسوف يعود الموصليون الى أصلهم الشريف.. فلكل قاعدة استثناء.. لكن الاستثناء في المحافظات ذات الجذور الإسلامية والعربية الأصيلة قليلة جداً.. والموصل احد هذه المحافظات.