استيقظت في العاشر من حزيران على دماء أغرقت سريري وعلى صوت الدموع،الذي خضب وجنتي أمي.الموصل أم الربيعين بكامل بهائها ونقائها وتاريخها الفكري والحضاري سقطت بيد مجموعة من المجرمين ومن مأجوري المخابرات العالمية.هكذا وبهذه البساطة والسذاجة تسقط ثاني أكبر وأهم المدن العراقية،ليس سهلا ً أن تستيقظ في صباح اليوم التالي؛لتجد كل أحلامك قد أغتيلت على يد مجموعة من الحشرات والكائنات الظلامية.مئات الآلاف من المهاجرين حملوا أحلامهم وذكرياتهم،شيعوها ودفنوها في ركن منسي في هذه الأرض الجريحة،كيف لي وأنا الشاب الصغير الذي لم يتلوث بعد بأدران السياسة والمهاترات الحزبية الضيقة أن أكتب عن هذه الخيانة والمؤامرة والتجارة الموبوءة،نعم إنه سقوط مدوي،سقوط الإنسانية بكامل تجلياتها ومعانيها وتساميها في وحل معتم لن تخرج منه أبدا.في هذه البلاد التي يديرها مجموعة من التجارالذين يتقنون فن افتعال الأزمات الوجودية والطائفية لا نستطيع أن نواجه كل هذا القبح المستشري وكل هذا الشر الذي يؤسس لجمهورية الخوف إلا بما نملكه من ثقافة جمالية،أن نؤنسن خطابنا الثقافي والسياسي بعيدا ً عن كل الموروثات والعقائد التي تربينا عليها وتشربنا بها حد البلل،فالمعركة معركة وطن وليست معركة عقائد وانتماءات.الحقيقة التي يمكن اختصارها بكلمة أقوى من الرصاصة تيبست وعلا حروفها الصدأ،وصاحبها المسلح بالقلم البتار والفكر المضيء محاصر ومهدد بالفناء في كل لحظة يحاول أن يكون فيها حرا.
نحن الآن أمام كارثة إنسانية كبرى أمام بلد مهدد بالويلات والمآسي والإنقسامات، مقبلون على حرب ضروس شعواء لا تبقي ولا تذر،نيران تأكل الأخضر واليابس وتحول البلاد إلى هشيم ورماد.ترى هل يئن الرماد ويصرخ؟؟ هل ينتفض التراب من سكونه على رائحة الخيانة الكبرى التي تزكم الأنوف ؟؟ آلا تتمزق ضمائركم وقلوبكم وأنتم تسمعون هذا الصوت المدوي الذي ينوح تحت سماء العراق،هذا الصوت البعيد القادم من أعماق سومر وبابل :(يريدون ليطفئوا نور العراق بأفواههم والعراق متم نوره ولو كره الخائنون)؟ كلها أسئلة متناقضة ومتعاكسة تتصارع في داخلي،تمزقني أشلاء وترميني بعيدا ً خارج حدود العالم،لا أريد أن
أذكر شيئا ً أو أحكي لكم شيئا ًبعد هذا الزمن الذي قد يصيب ذاكرتي بالعفن والمرض المزمن،لا أريد لإنسانيتنا المتبقية أن تتآكل بعد هذه الذاكرة المعتمة،لا أريد أن أذكر شيئا سوى أنني وفي العاشر من حزيران افقت على سريري الغارق في الدماء،أفقت على عشرين عراق يئن في قلبي،على منارة الحدباء التي أراها من بعيد،على الأرض المستباحة في كل لحظة،على تاريخ يكرر اخطاءه وانكساراته ودماءه،أفقت على نهرين بلون القلب،على الجبال التي حزمت حقائب الرحيل وغادرت عشاقها،على صلاة النخيل وتراتيل المظلومين،على حكايا الجدات الإسطورية التي رحلت صوب الإله منذ ألف لعنة ولعنة،على الخطيئة المسكونة بالوهم والغرور الأزلي،أفقت على كابوس مرعب،وعلى وطن مسكون بالصمت والضياع،يلملم خساراته وأحلامه المؤجلة،وطن عانق قصائدي،قبلني ثم ودعني بحرارة.وطن يشبه نبض القلب وموسيقى الكون،وطن كان يسمى العراق قد يعود يوما ً وقد لا يعود…