23 ديسمبر، 2024 9:29 ص

في داخلنا عالم آخر .. يتجاوز الاضداد

في داخلنا عالم آخر .. يتجاوز الاضداد

ان جميع عواطفنا و ردود افعالنا هي تأتي اساساً كنتيجة طبيعية لتفاعلاتنا مع مجموعة من المفاهيم التي كوناها عن الاحداث، لا نتيجة تفاعلنا مع الاحداث نفسها، هذه المفاهيم تتغير بتغير البيئات العائلية والمجتمعية التي نشأنا فيها. فتفاعلاتنا تجاه الاحداث هي ما تكون بشكل رئيسي احاسيسنا وليست الاحداث بعينها، فالموقف هو نفسه، اذا ما فصلنا افكارنا المتمثلة بجيد او سيء عنه، بكلمات اخرى، يمكن لحدث معين ان يكون مشكلة لشخص بينما يمر مرور الكرام لشخص آخر، الفرق بين الشخصين هو بأفكارهما عن الحدث وهو ما كون التباين في ردود الافعال وليس الحدث نفسه.
ان العيش ضمن منظور الاضداد، أي بتصنيف الافعال والاحداث بجيد وسيء، مفرح ومحزن، جميل وقبيح، خير وشر، يدعونا وان طالت مدة تفاعل احد الجوانب، الى تذوق مرارة الجانب الآخر، بوصفنا نعيش ضمن عالم الشكل، فهذا يعني ان علينا ان نختبر ولادة الشكل وموته، بوصفنا متماهين مع عالم الشكل بالتالي بعيدين عن الاتصال بالكينونة، أي عالم اللاتماهي مع الشكل.
اذاً، فالمعاناة هي لصيقة لكل الاضداد، ولادة او موت، فرح وحزن، جيد وسيئ. اذا ما صنفنا الاشكال والاحداث والمواقف بهذه التسميات، فالنجاح بعد ان يكمل دورته ويصل الى ذروته سيتحول الى فشل، والحدث الجيد بعد تحقيق غايته سيتحول الى سيئ بالتالي سنكون اسرى عواطفنا التي تتماهى مع شكلية الاشكال، غير متنبهين لحقيقتها بوصفها حدث سيولد ويموت مايجعلنا نخلق من موته وولادته مشكلة.
الحل بسيط جداً، وهو ماتصفه الديانات بالخلاص، التحرر من العذاب القائم على ديمومة واستمرارية الاعتماد على عالم الشكل كركيزة اساسية في حياتنا وللاحساس بذواتنا. الحل يأتي عبر ادراكنا لحقيقة اللحظة الحالية، بحقيقة الحدث الحالي بوصفه حدثاً فقط من غير تسميته، باختبار الحدث على حقيقته بعيداً عن تصنيفات العقل كجيد او سيء، بالتالي سنستمتع بالحدث من غير تعلق، فالتعلق يأتي عندما نرى ان هذا الحدث هو سبب السعادة وبالتالي نضيع فيه ونحن نختبر مرحلة السعادة التي يختبرها هذا الحدث والذي سرعان ما ينتهي او يفقد، بالتالي – وبما اننا متماهين معه – فسنجد انفسنا حزينين لفقدانه، لكن، اذا ما رأينا الحدث على حقيقته بوصفه حدث سيزول فهنا نستطيع اختباره والاستمتاع به والتخلي عنه عندما يموت، من دون ان نتأثر.
هذا الادراك – ان حصل وهو عادة مايحصل بصورة متقطعة حتى يستقر كحالة طبيعية – سينقل ادراكات بعض المفاهيم التي تربينا عليها، كالاله والموت والعذاب الى مستوى اعلى، بالتالي، الاستقرار في عالم لا يعتمد على الشكل للاحساس بالحياة، لان كل الاشكال في زوال، وما الآية (( كل من عليها فان )) الا تذكير بعدم ديمومة الحالات والاوضاع بمختلف اشكالها، اذا ما ادركنا هذه الآية وادراك حقيقة ما تشير اليه، فهناك احساس بالخفة سيضيء في الخلفية، هناك حيث المكان الوحيد الذي نستطيع ان نختبر فيه حقيقة تفاعلنا مع الاحداث بعيداً عن تصنيفات العقل.