على ما يبدو ، بوصول ترامب الى الرئاسة وسيطرة الحزب الجمهوري على الكونغرس بمجلسيه: النواب والشيوغ، انتهت سياسة الإحتواء الديمقراطية التي تجسدت في اوضح صورها بإدارة أوباما، تلك السياسة السلبية التي تقضي بالعمل على محاصرة الخطر في محله، بعيدا عن الولايات المتحدة وعدم اللجوء الى التدخل المباشر ما كان ذلك ممكنا، دون الإهتمام بمعاناة الرازحين تحت نير الخطر ، وقد تجسدت سياسة الإحتواء بأبشع صورها في إحجام إدارة أوباما عن ضرب بشار الأسد عندما لجأ إلى استخدام غاز الأعصاب في منطقة الغوطة، شرقي دمشق وقتل المئات من الأهالي، متجاوزا الخطوط الحمر التي رسمها الرئيس أوباما في هذا الخصوص وذهب الى إبرم صفقة براغماتية تقضي بتجريد النظام السوري من الأسلحة الكيمياوية بتوسط من غريمه الروسي مقابل عدم الرد على الهجومية الكيمياوي.
هكذا سوف نرى في الأيام، وربما الأسابيع والشهور القادمة على أبعد تقدير ، المزيد من التدخل العسكري الأمريكي في شؤون المنطقة والعالم، ودورا أكبر لأمريكا في عموم القضايا الدولية وعلى رأسها محاربة الإرهاب وإجراء مراجعة شاملة لتفاصيل الإستراتيجية العقيمة التي اعتمدتها إدارة أوباما لمدة ثمان سنوات وأدت إلى تفاقم الأوضاع إلى الحد الذي أصبحت السلم العالمي نفسه تحت المحك.
ضمن جلسة حوارية في واشنطن أمس الخميس، أطلق جنرال البحرية جوزيف دانفورد، رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، العديد من التلميحات التي تشير إلى أن الخطة الأولية ستكون أوسع بكثير في نطاقها من الخطة التي تم التفكير فيها منذ البداية من قبل إدارة ترامب وجرى التركيز خلالها على سوريا والعراق فقط تقريباً، رغم ذلك فإنها “أي الخطة” ربما تتجاهل في مراحلها الأولىً المزيد من التفاصيل التكتيكية مثل الحاجة إلى جنود إضافيين من القوات الخاصة، وذكر دانفورد أن مسودة خطة وزارة الدفاع الأمريكية المطلوبة لهزيمة الدولة الإسلامية ستكتمل بحلول يوم الإثنين القادم ، وقال أن الخطة تنظر إلى ما بعد العراق وسوريا لتشمل التهديد الذي تمثله الجماعات الجهادية في كل أنحاء العالم، الأمر الذي سيساهم في تذكية الصراع المستعر اساساً مع هذه الجماعات.
خاطب دانفورد الحضور قائلاً :”هذه الخطة لا تتعلق بسوريا والعراق فحسب، وإنما تخص التهديد القادم من مختلف الجهات عبر العالم كله”، وذكر جماعات جهادية أخرى مثل القاعدة، وأضاف دانفورد:” عندما نذهب إلى الرئيس بالمقترحات فإنها ستكون في سياق يغطي مختلف مناطق العالم”. واعترف بأن تقديرات الجيش الأمريكي تقول أن الدولة الإسلامية تمكنت من جذب 45 الف مقاتل أجنبي إلى صفوفها، ينتسبون الى أكثر من 100 جنسية، ومن كافة أنحاء العالم، ثم قال:”لكي تنجح خطتنا هذه فإنها بحاجة ، بالدرجة الأولى، إلى قطع النسيج الرابط بين الجماعات الإقليمية التي تتواصل وتشكل اليوم تهديدا عبر مختلف الجهات”.
وجهة النظر التي يتبناه الجيش الأمريكي لها مدخلات من وزير الخارجية ريكس تيلليرسون وكذلك من وزارة الخزانة ومجتمع الإستخبارات الأمريكي، وقال دانفورد في محضر حديثه أن الخطة تستهدف موارد الدولة الإسلامية، غير أن أخطر ما قاله دانفورد دون أن يثير الإنتباه ، ربما لأنه لم يبادر الى اي شرح او توضيح ولم يعرج عليه مرة أخرى في حديثه. قال دانفورد:”الخطة تستهدف السياق الذي سمح للدولة الإسلامية بإعلان الخلافة من منظورها الخاص”. وهو ما غفلت عنه الوكالات المختلفة اليوم بقصد أو غير قصد.
ماذا يعني دانفورد بالسياق الذي أدى إلى إعلان الخلافة؟ ببساطة يعني استهداف الإسلام السياسي ومحاربة التوجهات الدينية للنخبة والجمهور على السواء، وقد تجلت بوادر هذا الهدف في الشائعات التي تدور بين الفينة والأخرى حول رغبة الولايات المتحدة في إدراج جماعة الإخوان المصرية على لائحة المنظمات الإرهابية وهو مسعى خطير سيعمق شرخ العداء مع الشعوب المسلمة وربما كانت ردود الأفعال على المدى المتوسط وليس البعيد أكثر عنفاً وصلابة لسببين: الأول: الإسلام قبل أن يكون دينا وعبادة، مورد هذه الأمة ومصدرها، منه بدأت وبه انطلقت وعليه موئلها ومآلها والأساس الذي نشأت عليه والعمود الذي قامت به واي استهداف سوف يستجلب مقاومة جمعية لا تنكسر. الثاني: القاعدة العامة المعروفة أن كل ممنوع مرغوب، وبالتالي فإن مثل هذه الخطة لو طبقت فعلا سوف تدفع الإسلاميين إلى النكوص بشكل أعمق الى الوراء واللجوء إلى الحركات الباطنية السرية والعلنية المتطرفة بدلا من الوسطية والاعتدال الذي تمثله جماعة الإخوان المسلمين والأحزاب التي انبثقت من رحمها في تركيا وتونس والمغرب وبقية الدول العربية والإسلامية .
الملفت للنظر ان هذه المراجعة لاستراتيجية الولايات المتحدة تأتي في وقت يساعد على اتخاذ القرار، وعجالة الحماس، في مثل هذه الأحوال، عادة ما تحجب الكثير من الحقائق وترفع مستوى المجازفة والتهور، وتأتي المراجعة كذلك في وقت تسير فيه الإدارة باتجاه محافظ واحد تقريباً ينهي الجدل حول كيفية تنظيم جهود التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد الدولة الإسلامية في سوريا والعراق، ويرخي زمام بعض سياسات إدارة أوباما السابقة مثل وضع القيود على عدد الجنود.
كان قائد القوات الأمريكية المرابطة في العراق ، الجنرال ستيفن تاونسيند قد عبر عن اعتقاده أن القوات المدعومة من الولايات المتحدة سوف تحكم قبضتها على المعاقل الكبرى للدولة الإسلامية في مدينتي الموصل والرقة خلال ستة أشهر .
بهذا الصدد، في الوقت الذي تتوقع فيه القوات العراقية قتالا شرسا لإستعادة الموصل، يرى المراقبون ان على الولايات المتحدة أن تقرر بسرعة فيما إذا كانت ستسلح مقاتلي وحدات حماية الشعب التي يغلب عليها الأكراد السوريون المعارضون لتركيا بغض النظر عن اعتراضات حليف الناتو التركي الذي يصنف حزب الإتحاد الديمقراطي الذي يقود هذه القوات فعلياً، منظمة إرهابية.
من جانب آخر، أخبر الجنرال الأمريكي جوزيف فوتل، رئيس قيادة الجيش المركزية التي تشرف وتراقب عمل القوات الأمريكية في الشرق الأوسط المراسلين المسافرين معه إلى المنطقة، أن الولايات المتحدة الأمريكية ستحتاج في النهاية إلى المزيد من القوات لتسريع وتيرة الحملة في سوريا، وهذا عود على بدء مرحلة جديدة من الإحتلال والمقاومة.