سنحصر الحديث هنا عن الإعتقالات الأخيرة التي جرت لأعدادٍ عديدة من المتظاهرين المحتجّين طوال ايام الأسبوع الماضي ولغاية الجمعة , ونعزل او نفصل هذا الحديث عن الأعتقالات الأخرى لدى اجهزة الحكومات التي اعقبت غزو العراق ولغاية الآن .
عمليات الإعتقال قد جرت في معظم مدن ومحافظات العراق الوسطى والجنوبية وبضمنها العاصمة , وهذ اوّل القواسم المشتركة بالضد من المتظاهرين , ولعلّ القاسم المشترك الثاني هو أنّ الإعتقال قد جرى على ايدي او عصي عدة اجهزة أمنية مختلفة , وهذا قد يدلّ على وحدة القوات المسلحة او قوى الأمن الداخلي بتعبيرٍ أدقّ ! ولربما مضماين وفحاوى ” النظرية الأشتراكية ” جرى تطبيقها عبر هذه الأجهزة الأمنيّة خلافاً لأقتصاد السوق , حيث السوق اضحى كعملية سَوق !
من المفارقات الفارقة أنّ المتظاهرين وعموم الجماهير والقوات الأمنيّة برمّتها على درايةٍ وادراكٍ مسبقين أنّ مجاميع المواطنين المعتقلين مؤخراً سوف يجري اطلاق سراحهم لاحقاً ” والبعض جرى الأفراج عنهم فعلاً ” , وسوف لن يجري حبسهم بالسجن المؤبد .! , ثمَّ من زاويةٍ شديدة الضيق ولا يمكن النظر عبرها إلاّ ربما ميكروسكوبيّاً او لا يمكن النظر من خلالها ابداً او بتاتاً , فقد يمكن التفهّم البسيط والساذج عن لجوء الأجهزة الأمنيّة الى ضرب المتظاهرين المعتقلين او الموقوفين بالعصي او بوسائل اخرى ايضاً , لكنّ اللجوء الى العنف الشديد والضرب المبرح والمؤذي تجاههم فهذا ما لايمكن استيعابه .! كما قد اظهرت الفيديوهات الموثقة والمسربة التي عرضتها العديد من وسائل التواصل الأجتماعي مدى حالات الأنفعال والغضب البادية على وجوه رجال الأمن او سواهم اثناء ممارستهم لتعذيب وضرب الموقوفين , والتأمّل في ملامح وتقاسيم وجوه هؤلاء الرجال قد يوحي ” تحليلياً ” وكأنّ عداواتٍ شخصية ومصلحيّة بينهم وبين المعتقلين .! بل وكأنّ هؤلاء المساكين هم المسؤولون المباشرون على كافة التظاهرات في كلّ المحافظات وكأنهم هم الذين اقتحموا مطار النجف وقاموا بتكسير وتخريب بعض اجهزته , وهم ذاتهم الذين اقتحموا الحقول والشركات النفطية وليس سواهم .!
علامَ كلّ ذلك .؟ وما مبرراته ومسوّغاته ! ولماذا يتسببون رجال الأمن هؤلاء في زرع ونثر بذور الكراهيّة ضد الدولة وكافة احزابها , فكم عدد عوائل واقارب واصدقاء هؤلاء الموقوفين ” بالأضافة الى جماهير مشاهدي فيديوهات التعذيب ” الذين ستمتلئ صدورهم بمشاعر الضد والغضب تجاه احزاب السلطة واجهزتها , وقد تتحوّل تلكم المشاعر الى مواقفٍ اخرى .! , وحتى في الدراسات التحليلية لعلم النفس فأنّ الأنفعال والتفاعل في تعذيب المعتقلين بدرجةٍ توحي وكأنّ وراءها احقادٌ وضغينة , فلذلك معانٍ وتفسيراتٍ عميقةٍ اخرى .!
ما جرى ” ولربما يجري لغاية الآن ” في مقرّات الأعتقال هو ليس بمراهقة سياسية وأمنيّة , ولا حتى بجهلِ جهلاءٍ إنما هو الأميّة الفكرية والأخلاقية وسواها , والى ذلك ايضاً فلابدّ أنّ المسؤولين في الدولة وقياديي الأحزاب قد شاهدوا تلك الأفلام الوثائقية المنشورة , فهل يتجرّأ احدهم لتقديم اعتذارٍ ” ولو كاذبٍ ” الى السادة المعتقلين والى كلّ الشعب العراقي .! , والى ذلك كذلك فمن المشكوك فيه الى اقصى درجات الشكّ والريبة أن يجري محاسبة الذين اصدوا الأوامر بالضرب المبرح والأعتداء على الموقوفين او الذين مارسوه فعلاً .!
في كلّ دول العالم المتحضّرة والمتخلفة والتي لم تحدث فيها تظاهرة حول كهرباء وماء بسبب توفرهما , وفي كلّ تظاهرةٍ حدثت بالضد من حكومات تلك الدول سواءً لأسبابٍ سياسية او سواها , فأنّ اقصى ما تأمله وتعمل عليه تلكنّ الحكومات هو تفريق التظاهرات او إقناع قادتها على فضّ التظاهرات ولا اكثر من ذلك , ليس لأنّ حقّ التظاهر مكفول في الدستور فحسب , وانما وفي ابعد الأحتمالات ” خيالاً او افتراضاً ” فهل يمكن معاقبة عشرات ومئات الآلاف من المواطنين ارغمتهم الظروف للتظاهر لنيل حقوقهم المشروعة وفق شريعة القانون .! , وهذا الموضوع يدفعنا ويجرّنا معاً الى اللجوء الى كافة علامات التعجّب والأستفهام والإبهام , للإستعلامِ عن تفسيرٍ عسيرٍ واحد : –
< لماذا الضرب المبرح وتعذيب معتقلي التظاهرات وكأنه او كأنهم بالنيابة عن جموع الألاف المؤلفة الأخرين في كل العراق .! > اليس من المفترض ” وفق هذا المفهوم الأمني ” ضرب الجميع ! او عدم التعرّض لأيّ متظاهر او حتى معتقل .!
المنجز الوحيد الذي قدّمته الأجهزة الأمنيّة بأيذاء المتظاهرين وسيّما المعتقلين منهم , فأنّ هذه الأجهزة وقياداتها جعلت كلّ الشعب العراقي < معارضة > أمامَ حكومةِ احزابٍ دينية تعتمد على تشكيلاتها المسلحة .. وما الأنتخابات البرلمانية وبرلماناتها طوال هذه السنين سوى مسرحية هزيلة واكثر كوميديا ساخرة من الأفلام الهندية .!