23 ديسمبر، 2024 6:56 ص

في تقديس الفرد لكيانه الفكري

في تقديس الفرد لكيانه الفكري

في حوار دار بيني وبين أحد الاصدقاء من المتعلمين فوجئت بتمسك ذلك الصديق بمسألة جزئية بعد ان قادنا الحوار إليها فبدا وكأنه ينظر إليها كأمر مسلم به ولا يقبل حولها أي جدال او مراجعة ، فأستنتجت من ذلك بأنه ينظر الى كيانه الفكري كله بنظر تقديس وهو حتما ينزهه عن أي خطأ !.وفي حقيقة الامر فإنه يوجد داخل كل أنسان كيان فكري متميز عن كيان غيره من البشر الاخرين ، ويتكون هذا الكيان المميز تبعا لظروف الانسان ونشأته والاحداث التي عاشها في مراحل عمره المختلفة بالاضافة الى تأثيرات العوامل الاقتصادية والجغرافية والسياسية وغيرها من العوامل على تكوين هذا الكيان الفكري الشخصي ،وقد يتشابه هذا الكيان في ملامحه العامة مع الكيان الفكري لكثير من الاشخاص الاخرين نتيجة للتشابه في بعض العوامل إلا ان بعض التمايزات ستظهر حتما نتيجة لأختلاف الظروف فتظهر بعض الاختلافات الفرعية كأن يؤمن شخصين بالملامح العامة لمدرسة فكرية واحدة ، ومن الامور الثانوية فيها هو انها تؤيد وتحث على زيادة النسل والذرية فيقبل احدهما هذه الفكرة ويسلم بها تسليما مطلقا ، فيما يرفضها الاخر رفضا قاطعا رغم ايمانه بالمدرسة الفكرية من حيث اسسها ويحاول جاهدا ان يجد مبررات لرأيه هذا وبما يمتلكه من خلفيه فكرية فيسوق الحجج ويعرض الدلائل لنفسه ولغيره لاعبا بذلك دور المفكر ، ومنشأ كل ذلك ان ظروفه الحالية لا يسمح له بأنجاب عدد كبير من الابناء او ما شابه ذلك ، فيكون بناء على ذلك فكرة خاصة به او انه يعمد الى  اقتباس فكرة البعض حول هذا الامر مما يتلائم وواقعه وذلك يؤدي الى تميزه بهذه الفكرة عن الشخص الاخر وهكذا يختلف مع بقية الناس بمسائل متعددة حتى يتكون كيانه الفكري الخاص به والذي هو عبارة عن هجين من عدة نظريات وأفكار ،وعادة ما ينظر الشخص لهذا الكيان على انه مقدس وغير خاضع للتشكيك وكأنه يتصور نفسه قد لامس كبد الحقيقة ووصل الى ما عجز العلماء بعلمهم والفلاسفة بفلسفتهم من الوصول إليه غير ملتفت الى ان ظروفه الخاصة هي التي أدت به الى ان يكون هذا الكيان الفكري ليصل بذلك الى حالة من الطمأنينة النفسية حتى لو كان ذلك على حساب الفهم والتقييم الموضوعي للأشياء والعالم من حوله . وتكون النتيجة ان الانسان يعيش وهو يدرك ذلك التناقض في داخله ما بين كيانه الفكري الشخصي وبين الحقائق في العالم من حوله ، وكلما كان الانسان أكثر تقديسا لكيانه الفكري كلما كان اقل تقبلا للأفكار الجديدة وهو بذلك يخالف سنن الكون التي حكمت بأن تكون الاشياء في تغير مستمر وذلك ما سيؤدي به الى ان يفقد هالة القداسة هذه في يوم ما وحين يجيء ذلك اليوم ستحل فيه خسارته الكبرى التي لا ينفع معها أي ربح او مكسب .