لم يضج العراقيون كسواهم من شعوب العالم بحكاية الثقوب السوداء التي قفزت بالقضية من مجرد نظرية انشتاينية الى حقيقة واقعة.تلك الثقوب التي ينزلق اليها كل شيء في الفضاء من غبار واحجار وكواكب ليذهب الى خبر كان.
لم نعبأ بالخبر، بل لم يصدمنا أصلا.فنحن نعيش في بلد المليون ثقب .لقد سبقنا سوانا بتذوق طعم خيبات الانزلاق قبل ان يأتي علينا جحيم تلك الثقوب اللامتناهية.نحن نعيش في بلد مثقوب من اقصاه الى اقصاه.ثقوب الذاكرة التي يتساقط منها الاشخاص والانتماءات والتاريخ والتي تنبت مثل طحالب سريعة كلما غشيتنا سحابة انتماء لأجدد واحدث واكثر. فاكثرنا مشاكسة هو اكثرنا ازدحاما بالثقوب.الامر لايقف عند حدود الذاكرة بل يتعداه الى كل شي.فالخرق الاكبر يتاتى من السياسيين الذين يمتلكون طاقة جبارة على ابتلاع كل شيء .هم اكثر مهارة حتى من تلك الثقوب العملاقة في السماء.فهم يجتذبون المصالح والمناصب والاموال والنساء والاراضي والسقوف وكل مالايخطر على بال الثقب الاسود والابيض ان يفعلاه!
لاننسى ان ثقوبا اخرى تظهر بين الفينة والاخرى على شكل فضائح تعيد ترسيخ فكرة اننا مجتمع مثقب يجب ان يرقع من وجهة نظر رجال الدين.اما العلمانيون واللادينيون وحتى الملحدون فيعتقدون ان رجال الدين هم الثقوب التي تبتلع عقول وافئدة ملايين الاتباع والمريدين والمطيعين.القائمة تطول ولن تقوم لنهايتها قائمة.فهي نائمة فوق قلوبنا وعلى اكتافنا وتتمدد فوق وسائدنا.فاين ما نولي وجوهنا فثمة ثقب يصطادنا ليلقي بنا الى كينونة أخرى نجهلها …وكلنا طبعا نجلها.