وسط زحمة المارة والسيارات عبر الشارع راكضا صوبي ..وهو يلوح ببطاقته الانتخابية ..وبلهفة وبحميمة احتضنني وهزني بعنف …والكلمات تتطاير من شفاهه الذابلات البارزة من سحنته الصفراء الممزوجة بسمار العوز والفاقة والفقر .اين ..أين يشترون بطاقة الناخب!!!! أين !!! اريد ان أأكل الكباب !!!
كان هذا (حسن عبد )… واحدا من ضحايا حروب أبو الليثين التي دفع ثمنها بسبعة عشر سنة من الضياع تحت مسمى الدفاع عن الوطن ..بين الإلزامية والاحتياط..خرج منها خالي الوفاض وهو يعيش مثقلا بهموم العيش والعلل وجور النظام الديمقراطي الجديد ونصف دستة من الصبيان العراة في (حي عدس )بإطراف الناصرية . هذه المظالم جعلته مشروعا ادميا حانقا يائسا ناقما على أدوات و وبراغي العملية الديمقراطية وبالأخص على مستحدثات مفوضية الانتخابات الرشيدة وقانون سانت ليغو المعدل .
فمع اقتراب موعد الانتخابات عادت من جديد أنماط وأفعال البعض من المرشحين ،بأساليب الفساد والرِّشا واستغلال النفوذ وسطوة المناصب و تبارى المرشحون على توزيع البطانيات والاجهزة الكهربائية وكارتات تعبئة الهواتف والوجبات الجاهزة من الدجاج المشوي والكباب والتكة وووصلت الى حد توزيع أكياس البرتقال ، وقد اشار ت بعض المواقع الإعلامية الى هذه الخروقات و إلى وقوع هذه المخالفات صراحة دون ذكر جغرافية حدوثهاوبأعتبارها لاتشكل خرقا أنتخابيا ..كونها من بوابة التواصل المجتمعي والانساني..
بل وصل الامر وعبر سماسرة لجهات غير معروفة بالدعوة لشراء البطاقة الانتخابية ووصول سعرها الى 100 دولار حتى تسائل الكثيرون ومنهم (حسن عبد )عن أماكن البيع ومن يشتريها وأعرب الكثير من المواطنين وجلهم من الفقراء استعدادهم التام والفوري لإجراء مثل هذة الصفقة الرابحه واعتبروها فرصه لا تعوض في ظل أجواء اليأس والإحباط التي جنوها من ماسبق من ترهات العملية السياسية وخيانة وتنصل ممن انتخبوهم من وعودهم والتزامهم.
لاندري ماهي الإلية التي تستثمر منها هذه الجهات بطاقة الناخب وكيف يسيروها لتكون بصالحهم ولكن يعتقد انها تتم بعقد شفاهي وبالحلف بأغلظ الإيمان وتراقب عبر مراقبي هذه الجهات في مراكز الانتخاب ..
ورغم اصدار المراجع الدينية، فتوى مسبقة بتحريم بيع بطاقة الناخب الإلكترونية التي تتولى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق توزيعها في عموم مناطق العراق وطبع منها أكثر من 24 مليون بطاقة، هي مجموع المواطنين العراقيين المسموح لهم بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية .الا ان الفقر أصم بل واعمي.. أذ ناشد الفقراء المراجع ورحال الدين والشرفاء ان يجدوا لهم ماوى ورغيف خبز بدلا من فتاوى لاتغني ولاتسمن .. بعد ان استطالت بيوت الصفيح وزادت إعداد المتسولين بالطرق العامة وانهارت المنظومة الأخلاقية والعرفية وأضحت ألاف العوائل تبات على الطوى ومستعده للتنازل عن الكثير من الثوابت ومنها حق أختيار المرشحون … لاشباع البطون وستر الاجساد.
وازاء هذة الصفقات الجديدة من بيع البطاقات و التي تعادل أثمانها رواتب العاطلين ومبالغ الرعاية الاجتماعية مئات المرات فان الكثيرين يصرح علنا من انهم يودون ااكل الكباب والعيش ولو ليوم كما يعيش الساسة والبرلمانيين في ظل استمرار ظروف العيش الخانقة و الأزمات الدائمة من بطالة وجهل وانهيار خدمات وتضخم اقتصادي وتدني مستوى معيشة وتلوث بيئي وتدني مستوى صحي وأزمات سكن ونقل وغيرها. .
ان ما يتلقاه اليوم فقراء الشعب العراقي هو التنويم المغناطيسي الجماعي من قبل بعض القادة من الزعماء السياسيين المعاد ظهورهم الروتيني في كل انتخابات عبر شعارات ووعود جوفاء ودعاية بائسة تستغل حاجة الفقراء وفاقتهم واللعب على أوتار الطائفية والمناطقية والعشائرية والقبلية .وخيارنا الوحيد اليوم هو التوجه بكل أطيافنا وتو جهاتنا نحو خيارنا الأخير والضوء الذي يشع في أخر النفق ..ألا وهو صندوق الانتخاب ..وكلنا أمل بعد تلك السنون العجاف ان يختار شعبنا بعقلة وحلمة الأصلح والافضل ..دون النظر الى الخلفيات الضبابية والدعوات الظلامية لمقاطعة الانتخابات….نعم ..إننا في عراق ..مدار من قبل أناس بعضهم مرضى بفوبيا الديمقراطية بشكل لا يصدق ! وإن الفجوة بين ما نتصور ومايجب لنا وما يجري بأرض الواقع هو هوة سحيقة في غاية العمق ! أن صناعة القناعات بالقضاء والقدر وقبول الواقع وانتظار الفرج هو تسطيح وتسفيه للعقل العراقي والتشويش عليه وجعله محدود التحليل والتركيز بل والقيام بشلة وإظهار عجزه عن الفهم او إيجاد الحلول والبدائل وتغليب اللاوعي الجمعي على الوعي المتدني للقادة والإتباع في العراق .
ويبدو ان السبيل الوحيد لإنقاذ العراق يمكن في ثورة شعبية عبر صناديق الاقتراع على الفاسدين والمفسدين يقودها نخبة تقدمية مخلصة مثقفة ومنظمة تؤمن بالعمل الجمعي والعقل التكافلي في صنع القرار وبانتخاب الممثلين الحقيقيين لنا وحينها سيأكل فقراء الناصرية وسنأكل كلنا الكباب …وما ذلك على العراقيين النجباء بعسير.