23 ديسمبر، 2024 12:13 ص

في الميزان ..السياسة الخارجية العراقية

في الميزان ..السياسة الخارجية العراقية

واجهت السياسة الخارجية العراقية منــذ تاســيس الدولــة العراقيـــة فــي أوائل القرن العشــرين مشـكلات وازمات رافقتهـا طـوال مسـيرتهاوحتـى الوقـت الـراهن ، وكــان المظهـــر العـــام للسياســـة الخارجيـــة العراقيـــة هـــو انعـــدام التـــوازن بســـبب الانقلابـــات والحـروب المتتالية.وخـلال السـنوات التــي أعقبـت اسقاط النظام السابق عــام ٢٠٠٣ شـهد العــراق العديد مــن المتغيـرات الداخليــة ،رافقها تحولات كبرى فيالبيئــة الاقليميــة والدوليــة ، وكـان التعامـل مـع مـا يجري فـي العـراق يمثـل أحـد الثوابـت فـي سياسـات تلـك الـدول، التـي وجـدتنفسـها فــي بعـض الأحيــان تتصــرف ضـمن بيئــة ضــاغطة أو وفـق ردود أفعــال غير محسوبة.
مــن هنــا يمكــن ادراج القيــود التــي عانــت منها السياســة الخارجيـــة العراقيـــة عبر ثلاث محاور:أولا: وطنيا :تعاني السياسة الخارجية العراقية عموما من مشـكلة تـداخل الاختصاصـات وعـدم تحديـد الأولويـات، وهنـا تـدخل طريقـة تشـكيل السياسـة العراقيـة عبـر التوافقـات بـين الأطـراف السياسـية ولـيس علـى أسـاس فلســفة واضــحة تتبناهــا الدولـــة، لـــذلك كــان هنــاكالكثيــر مــن التقاطعـــات التــي قــادت الــى مواقـــف متعارضة، تتبناها الحكومة ممثلة برئيس الوزراء ويختلـف معـه رئـيس الجمهوريـة، أووزيـر الخارجيــة ، او حتى حكومة اقليم كردستان كمـا حـدث بشـان التصـعيد الــذي شـهدته العلاقـات العراقيــة مع محيطه الاقليمي موخرا.
وبــات الســجال يطغــى علـى أي موقــف واضــح عنــدما تبنـت كــل كتلــة سياســية موقفا لايلتقي مع الآخر أو يعمل بالضد منه،أن هـذا الخلـل فـي الأداء السياسـي الـداخلي وتضـارب المصـالح وتعـدد مصـادر القـرار، كـان لـه أثـره الواضـح فـي ضـعف الأداء وتواضـع التـأثير فـي النشـاط السياسـي الخـارجي بشكل عام.
ثانيا: اقليميا :علـى صـعيد العلاقـات مـع دول الجـوار والمنطقة العربيــة ،فـان مـن التحديات التـي تواجه عمـل السياسة الخارجيةالعراقيـة، الميـراث الطويـل مـن الخلافـات، والاشـكالات الامنيـة التـي تحـد مـن التعـاون مع بعض الدول ومن بين القيود في التعامل مع دول الجواريمكن رصد كثير من القضايا فمثلا مع تركيا: مشكلة الاكراد والتركمان والحدود والمياه اضافة الى وجود القوات التركية على الاراضي العراقية   لاسيما بعد احتلال داعش وتصاعد التصريحات السلبية بين طرفي الحكومتين  ، السعودية : الفتاوى والانتحاريين وتداعيات داعش وتصريحات السفير السعودي لدى العراق التي عكست تدخل سافر في الشان العراقي، ايران ودورها في رسم السياسة الداخلية للعراق ودعم بعض الكيانات ماديا وسياسيا وانعكاس ذلك على علاقة العراق بمحيطه الدولي والعربي ومشكلات الحدود والمياه وحقول النفط.. لذلك تجاوز مكامن الخلـل فـي علاقـات العـراق مـع جيرانـهلاتبـدو يسـيرة، لانـه محكـوم بقيــود داخليـــة تجعــل عمليـــة صــنع القــرار السياســي الخــارجي معقــدة وغير متوازنة بفعــل تعامــل بعــضالاطــراف السياسـية في  الحكومــة ومجلـس النـواب والإقليم مـع تلـك الـدول ودفاعهـا عـن مصـالحها.ثالثا:دوليا :الهـدف مـن النشـاط السياسـي الخـارجي ” نسـج شـبكة مـن النشـاطات والعلاقـات الخارجيـة، للاسـتفادة الـى أقصـى حـد ممكـن مـن عناصـر قوتهـا والتقليـل الـى أقصـى حـد ممكـن مـن الاثـار السـلبية لعناصر ضعفها، ولايمكـن تجـاوز حقيقـة أن الفعـل العراقـي  على تلبية احتياجاته وضمان مصـالحه ، دوليــا لايــزال مقيــدا فــان تعقيــدات اقليميـــة ودوليـــة أســهمت فــي تقييــد حركـــة الدبلوماسـيةالعراقيـة، لا سيما في ظل وجود القوات الامريكية بعد 2003 وجعــل القــرار السياسـي العراقــي يمــر عبــر البوابــة الأمريكيــة وفيزاوية اخرى عبر البوابة الايرانية والتي تجلت ملامحها وتفوقها على الاولى موخرا ، أمــا الــدول الاخــرى المـؤثرة فـي السياســة الدوليــة مثـل دول الاتحـاد الأوربـي وروسـيا والصـين واليابـان وغيرهـا فهـي تعمـل للحصـول علـى مكاسـب واسـتثمارات فـي العـراق، بمحاولــة اسـتمالة بعـض الأطـراف العراقيــة مـن جهــة وبالتفـاهم مـع الولايــات المتحـدة مــن جهــة اخــرى، وتقـف الامــم المتحـدة علــى مسـافة غيــر قريبــة مــن العـراق، ودورهـا محكـوم بمـا تقــرره الولايـات المتحـدة.يمكــن الاشــارة الــى الــبعض النقاط التي يمكن اعتمادها لتحســين اداء السياسة الخارجية العراقيـــة بتحجيم التحديات واستثمار الفــرص:-اتفاق الاطراف السياسية الداخلية على ادوات السياسـة الخارجيـة واسـاليبها ، والابتعـاد عـن البيانات الاعلامية التـي تعيـق العمـلالدبلوماسي.
-وضع استراتيجية واساليب عمل جديدة تعتمد على قراءة للواقـع حسب معطيات البيئـة الدوليـة والاقليمية، و تصويب اي اخطاء رافقت العمل السياسي العراقي الدبلوماسي والاسـتعانة بمراكـز البحـث العلمـي لوضـع دراسـات توضـح منهجيـة العمـل الدبلوماسي.

-اخراج الدبلوماسية العراقية من المحاصصة الحزبية وجعـل وزارة الخارجيـة مستقلة تماما عن الاحزاب.
– اعادة تأهيل الدبلوماسية العراقية بشريا باختيار الافضل لتمثيـل العـراق فـي المحافـل الدوليـة وعدم ازدواج الجنسية.
– العمل على تعزيز ثقة المواطن العراقي في الداخل والخارج بالدبلوماسية العراقية عبـر الـدفاع عنـه وعـن مصـالحه وعـدم القبـول بمعاملته بطريقة دونية او امتهان كرامته في الخارج ، انطلاقا من مبدأ المعاملة بالمثل.
-ان الـدور الاميركـي والايراني المـؤثر فـي سياسـة العـراق الخارجيـة مـازال قويـا ، واذا مـا اراد العـراق تحديد هـذا الـدور فعليـه التحـرك
ولـو تـدريجيا والاسـتفادة مـن ايـة فرصـة سـانحة لتحسـين علاقاته بدول الجوار وبقية دول العالم. 
-السياسة الخارجية العراقية الان بحاجة الى فن التصرف مع سياسات الواقع لا الادلاء بتصريحات ذات مردودات سلبية والعمل من مبـدا اسـتراتيجي ولـيس رد فعـل علـى الازمـات او تصـعيد المواقـف وتنفيـذ برامج الاخرين وعدم استنزاف الجهد الدبلوماسي في معارك خاسرة واعتماد الحوار مع دول الجوار لبناء الأمن الإقليمي المستند الى توازن المصالح.
-استثمار علاقات بعض الشخصيات السياسية العراقية بالمحيط الإقليمي والدولي لاسيما خلال مشاركاتهم في الموتمرات والاجتماعات التي تنعقد وعلى سبيل المثال زيارة رئيس البرلمان العراقي لإيران وتركيا ومن ثم مصر.
– يمكن ان تكون التنوعات الاثنيـة فـي العـراق ودول الجـوار فـي مقدمـة المصـالح الامنيـة المشـتركة لانهـا توظـف مـن قبـل القـوى الخارجيـة لتهديـد الامـن الاقليمـي فضـلا عـن تهديـد الوحـدة الوطنيـة.
-تطوير شبكة العلاقات الثقافية والاقتصادية وخاصة الاستثمار وتوظيفها لتحقيق تعاون وثيق لايمكن للخلافات السياسية ان تفصم عراها.
– تفعيل دور العراق في المنظمات الدولية والاقليمية مثل الامم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي، والالتزام بالمعاهدات والاتفاقيات التي صادق عليها العراق وهذا من شأنه أن يزيد من فرص التفاهم
والتعاون البناء من اجل تطمين جميع الاطراف.