23 ديسمبر، 2024 2:53 ص

في الساعة الرابعة وعشرين دقيقة

في الساعة الرابعة وعشرين دقيقة

ليلة صيفية ماطرة تدعو الانسان ليحزن على الشمس الحائرة بأمرها، هكذا هو النرويج، شتاءين أحدهما أخضر والثاني ابيض. خرجت الى الشرفة عدة مرات حاولت أن أكذب على نفسي بأنني اتخيل جمال شطآن الاقيانوسي. اشعلت سيجارة بعد سيجارة، وبقي المطر يضرب بشدة على مظلة الشرفة والأشجار والأرض. شعرت بمقت تجاه السيجارة وطعمها. وغضبت من نفسي لأني أدخن بسبب الضجر وليس حبا بالتدخين.
أعلم تماما سبب ضجري إلا انني أخاف مواجهة قسوتي من احكامي في حالات الضعف. سمعت زوجتي تناديني لأحتساء القهوة معها. دخلت وسقطت على الاريكة سقوطا مع زفير طويل. تبسمت والشك يخامرها.
اهناك ما يزعجك؟ نظرت اليها بوجه خالي من أي تعابير وشعرت أن نظرتي طالت، ثم هززت رأسي نافيا أنني منزعج.
أخذت رشفة من فنجانها ربما لكي تتجنب الاحراج من اجوبتي الفجة في مثل هذه المواقف، فاشد ما يزعجني شعور الاشفاق والمواساة، والناس المقربين مني لايعلمون ما يمكنهم أن يفعلوه ليساعدوني، لذلك يختار الأغلبية تجنبي. شربت قهوتي على عجل وغادرت الصالة الى غرفتي وبدأت أفكر من يمكنه مساعدتي للخروج مما أنا فيه. وجدت الشخص الصحيح.
اتصلت بصديقي نوزت شمدين. هذا رجل كان قد اغلق كتاب صداقاته عندما بلغ الأربعين إلا أنه فتحه مجددا وكتب اسمي في الصفحة الأولى.، تراسلت معه رغم علمي بأن الوقت متأخر.
هل أنت صاح؟
خير يا طير؟
تراسلت معه طويلا وسألته عن أمور لم تكن ذات أهمية بالنسبة لي وقبل ان أنهي حديثي أرسلت له.
عندي سؤال مهم، أنا منزعج من وضعي واشعر بالاختناق؟
خير قل لي بربك ما بك؟
نوزت! عندما تتخاصم مع الكتابة، كيف تعود صديقها؟
ارسل لي ضحكته برابط صوتي.
سألني بعد ذلك عن بعض التفاصيل المتعلقة بخصومتي مع الكتابة. وكانت نصيحته اقرأ عملين ادبيين مختلفين. أكتب عملا جديدا وعندما تعود الى عملك لا تعد اليه ككاتب بل كقارئ. بعد انتهاء المحادثة شعرت براحة.
خرجت الى الشرفة مجددا وتناولت قهوة جديدة مع سيجارة، تحسن مذاق السيجارة في فمي. شاهدت التلفاز قليلا وأنا أفكر في الكتب الأدبية الموجودة في مكتبتي والتي لم يتسنى لي قراءتها. لم افهم شيئا من المناظر التي كانت تظهر على الشاشة الصغيرة إلا أنني أنى بقيت اتفحصها بدون أن أدرك محتوى الصور أو أفهم الحوار الدائر أمامي.
نزلت الى مكتبتي بحركات انسان آلي وبدأت اتصفح الكتب وقع نظري على مجموعة من الكتب البيضاء ” فرانز كافكا. الآثار الكاملة مع تفسيراتها” حملت الكتاب بفرح غامر، بالفعل هذا ما كنت احتاج قراءته، حملت الجزء الأول لأنه يحتوي على الانمساخ وهذه الرواية هي التي قررت قراءتها مجددا، لأني تذكرت ما قيل عنها.” إذا كتب كافكا ااصبح حشرة فلا يوجد شيء لا يمكن كتابته.”
طافت بذاكرتي جلسة من أجمل جلسات العمر في دهوك. علمت انني حصلت على شهادة الترجمة العليا في صيف عام 2015 بينما كنت في العراق، دعيت أهلي واحبتي الى مطعم وطلبت من النادل المناداة على اسم زوجتي وتسليم ظرف لها كانت فيه نسخة من شهادتي، كل ما اعلمه اننا جميعا ضحكنا وبكينا في وقت واحد بينما كان الاهل حولي، قدم لي اهلي هدايا مختلفة.
شعرت أن هذه الذكرى أعادت لي الحياة، أخذت كأس الماء من المنضدة بجانبي، وشربت الماء بلهفة من تاه في الصحراء لساعات. خطر ببالي أن هذه المجموعة هي هدية أمي، بدأت أتذكر بعض الأمور.
قالت لي أمي حينها – أختر هديتك بنفسك. ولطالما مهوس أنا بالكتب اتصلت بصديقي نوزت شمدين لكي يعلمني طريق المكتبات الجيدة في محافظة دهوك، أخذني في اليوم التالي صديقه الروائي عبدالكريم يحيى الى مكتبة اشتريت منها ما تيسر لي من الطيبات وكانت هذه المجموعة من بينها لكني لست متأكد إن كانت هذه المجموعة هديتها أم كتب أخرى. اعتدلت في جلستي اشعلت الضوء الجانبي وفتحت الصفحة الأولى. ماتت البسمة على شفتي لم يكن هذا ما احتاج تذكره في هذه الليلة.
تذكرت عندما عدت بالمجموعة الى أمي فرحا بها. طلبت مني أن أكتب ما ستمليه علي إلا أنني لم أرضى إلا أن تكتب الاهداء بخط يدها فحققت لي رغبتي. الضوء مسلط على الاهداء قرئته عدة مرات.
نهضت من سريري و أنا أرى وجهها يبتسم لي، مسحت دموعي عدة مرات عندما لم أتمكن من قراءة الاحرف أمامي، كتبت هذه الخاطرة إلا انني لا أعلم إن كنت سأتصالح مع روايتي، أم سأخاصم الرواية والنوم، وابعهما بما أقوله عند ذكر امي الى رحمة الله.