18 ديسمبر، 2024 6:20 م

في الذكرى الــ (55) للانقلاب البعثي في العراق: دعوة لحوار موضوعي مقارن

في الذكرى الــ (55) للانقلاب البعثي في العراق: دعوة لحوار موضوعي مقارن

بعد بضع سنوات من سقوط نظام البعث؛ بدأت بعض المفاهيم والمقولات والمصطلحات الغريبة تظهر تدريجياً في الفضاء الإعلامي ووسائل التواصل، بصورة منظمة وممنهجة، ثم لتتسلل الى الأوساط الاجتماعية، وينساق كثير من الناس لترديدها، دون وعي حقيقي بكلياتها وتفاصيلها، منها: ((راح صدام وجانه ألف صدام))، (( صحيح الوضع ما كان زين قبل، لكن حالياً أسوء))، ((صدام مجرم لكن هؤلاء الجدد أكثر إجرام))، ((راحت أيام الزمن الجميل))، ((قبل ماكو واحد يكدر يسرق))، ((كل مصائبنا من أهل الخارج))، ((بالأول ما كنّا نعرف الطائفية))، ((الشيعة ما يصلحون للحكم)) وهي مقولات تعبِّر عن عدائها للنظام الجديد وحكوماته والأحزاب المشاركة فيه، كما تعبر عن دفاع غير مباشر عن نظام البعث وصدام. وقد ظلّت الأحزاب الإسلامية الشيعية والسياسيين الإسلاميين الشيعة والمؤسسة الدينية الشيعية وعموم الشيعة، هم المستهدفون في هذه المقولات.
وبغض النظر عمن يقف وراء دس هذه المقولات، ودوافع من يرددها، سواء كان بعثياً أو مستفيداً من النظام السابق أو كونه طائفياً ويأمل عودة العراق الى الوراء، أو أنه يرددها عن انفعال وغضب، بسبب ما يراه من سوء إدارة ومظاهر فساد وفشل في النظام الحالي؛ فإن الذي يهمنا هنا هو إجراء مقارنة موضوعية منهجية بين نظام البعث والنظام الحالي، من ناحية الممارسات والسلوكيات والقرارات والإنجازات، وكيف كان العراق حتى آخر سنة من حكم البعث، وكيف أصبح العراق بعد ٢٠ عاماً.
وألفت الانتباه الى ثلاث ملاحظات:
1- إن حديثي هنا ليس موجهاً الى البعثيين، أو من كانوا منسجمين مع حزب البعث وسياسات صدام ونظامه، وليس مع الطائفيين الذين شعروا بعد العام 2003 أنّ مكوِّنهم قد فقد حقه التاريخي الموروث في حكم العراق، ويعتبرون أن ((سيئات حكم صدام السني أفضل من حسنات حكم الشيعة))، إنّما حديثي مع الذين لم يعيشوا عهد صدام، أو أنهم عاشوه ولكن لم يتعرضوا هم وأسرهم لأذى مباشر، أو عاشوه وعانوا من الاضطهاد، لكنهم محبطون من النظام الحالي.
2- إنّ حديثي هنا هدفه فتح حوار حر، يستند الى قواعد الأدب والاحترام المتبادل، وإن كان الاختلاف كبيراً، من أجل أن نستفيد جميعاً، وتتضح لنا الحقائق، ونسلط الأضواء على المفارقات في هذا المجال.
3- ليس لدي أية نية في الدفاع عن النظام الحالي، ولا الأحزاب والشخصيات الحاكمة بعد 2003، بما فيها التيار الإسلامي الشيعي الذي أنتمي إليه تاريخياً، لأن النظام الحالي مليء بالتناقضات والمشاكل، ولا يلبي طموحاتنا، بعد 1350 عاماً من الانتظار، وأن كثيراً من أعضاء الأحزاب التي ننظر إليها باحترام، لتاريخها النضالي المشرف ومقارعتها الطويلة للنظام البائد وتضحياتها؛ قد خيبوا آمالنا بسبب سوء إدارتهم وفسادهم وفشلهم.
ولكن؛ أقولها شهادة لله وللتاريخ، وبكل حيادية وموضوعية، وعن دراية ومعرفة وتوثيق؛ بأن يوماً واحداً من حكم البعث وصدام، هو أسوء بمليار مرة من حكم ما بعد العام 2003، وإن الإنجازات المتحققة بعد العام 2003، هي أفضل بعشرات الأضعاف مما قدّمه حكم صدام. كما أن النظام الحالي، على كل مساوئه ومشاكله، هو أفضل من أغلب أنظمة الدول العربية الطائفية الفاسدة، العائلية منها أو العسكرية أو الدكتاتورية أو الحزبية الشمولية، سواء المطبعة منها مع الكيان الصهيوني أو غير المطبعة.
ولذلك؛ فإن العرب الذين يبكون على حال الشعب العراقي أو يقدمون له النصائح أو يهاجمون الحكومة العراقية؛ علينا ألّا ننجرف وراء أهدافهم العنصرية الخبيثة أو حقدهم الطائفي، أو جهلهم بما كان وبما أصبح، وعليهم أن يبكوا علم الكيان الصهيوني الذي يرفرف في سماء عواصمهم، أو الطائفية التي تستنشقها أنظمتهم، أو الرتب العسكرية التي تحكمهم، أو حرمانهم من رائحة الانتخابات وتداول السلطة والحقوق والحريات، أو ما يعانونه من فقر.
وحديثي هنا ليس عن مظاهر الفساد والفشل والشلل بعد العام 2003، والتي لا ينكرها عاقل ومنصف، ولا عن تبريرها، بل عن المقارنة بين حكم صدام وحكم ما بعد صدام؛ لنعرف حجم وعي وثقافة وتجربة من يطلق العبارات التي ذكرناها في بداية المقال، فأرجو منهم أن يعرضوا للقراء مقارنة موضوعية، بالأدلة الثابتة، بين جرائم نظام صدام وجرائم الألف صدام الذين حكموا بعد 2003، كما يقولون، أو بين جرائم حكم البعث وجرائم الحكم الحالي.
ولكي أسهِّل الأمور ؛ فإن من كان أو لايزال في أهم مواقع المسؤولية المباشرة أو غير المباشرة بعد العام 2003، من الشيعة والسنة والأكراد، هم هؤلاء الـ (25) شخصية: جلال الطالباني، فؤاد معصوم، برهم صالح، عبد اللطيف رشيد، إياد علاوي، ابراهيم الجعفري، نوري المالكي، حيدر العبادي، عادل عبد المهدي، مصطفى الكاظمي، محمد شياع السوداني، إياد السامرائي، أسامة النجيفي، سليم الجبوري، محمد الحلبوسي، مسعود البارزاني، نيجرفان البارزاني، خضير الخزاعي، عبد العزيز الحكيم، مقتدى الصدر، عمار الحكيم، هادي العامري، قيس الخزعلي، طارق الهاشمي وبافل طالباني.
ولكي تكون المقارنات منهجية ودقيقة؛ فسأعرض هنا قائمة موثقة بجرائم نظام البعث وصدام، ويمكن المقارنة بينها وبين (جرائم) كل شخصية من الشخصيات الحاكمة بعد 2003، سواء بشكل فردي أو جماعي، أي يمكن جمع كل (جرائم) هؤلاء الــ (25) خلال الــ (20) سنة الاخيرة، ومقارنتها مع جرائم نظام صدام، وذلك من خلال وضع (جرائمهم) أمام كل جريمة ارتكبها صدام خلال (25) سنة من رئاسته العراق، على أساس الفقرات التالية:
1- جرائم القتل والاعدامات والمقابر الجماعية:
قتل نظام البعث خمسة مراجع دين شيعة، و(32) مجتهداً و(870) عالم دين شيعي
قتل أكثر من (40) رجل دين سني
قتل ما يقرب من (160) ألف رجل وامرأة وصبي وطفل من الشيعة
قتل ما يقرب من (20) ألف رجل وامرأة وصبي وطفل من الأكراد
قتل ما يقرب من (2000) رجل من السنة
دفن ضحاياه الشيعة في مقابر جماعية، منها (420) مقبرة مكتشفة.
2- جرائم الاعتقال والحبس:
بلغ عدد من تعرضوا للاعتقال والسجن بمدد مختلفة، أكثر من ثلاثة ملايين شخص، وذلك بشبهة معارضة نظام البعث أو انتقاده.
3- جرائم التعذيب والتنكيل:
لم يثبت دولياً لدى منظمات حقوق الإنسان والعفو وجود تعذيب نفسي وجسدي في أي بلد في العالم، يشبه ما كان يحصل في معتقلات نظام البعث وصدام
تعرضت مئات النساء الشيعيات والكرديات المعتقلات الى الاغتصاب، بما في ذلك الاغتصاب أمام أعين ذويهن، لحملهن على الاعتراف أو حمل ذويهن على الاعتراف
تعرض مئات الأطفال الى الخنق وتهشيم الجمجمة أمام آبائهم وامهاتهم لحملهم على الاعتراف.
4- جرائم الملاحقة وإسقاط الجنسية والتهجير القسري الى خارج العراق:
تسبب نظام البعث وصدام في هجرة أكثر من مليوني عراقي الى الخارج، بسبب ملاحقة من يشتبه بمعارضته، أو للتخلص من مطاحن الحروب، أو بسبب الفقر والمرض وانعدام الخدمات. مع الإشارة الى أن عدد سكان العراق ما يقرب من نصف عدد السكان حالياً.
تهجير ما يقرب من (300) ألف مواطن عراقي شيعي الى إيران بحجة التبعية، وهم يمتلكون الوثائق العراقية كافة، بعد إسقاط الجنسية عنهم، ومصادرة أموالهم، ونقلهم الى الحدود دون أي سابق إنذار
إسقاط الجنسية عن مئات العراقيين ممن يشتبه بمعارضتهم للنظام، بينهم شخصيات شهيرة.
5- جرائم التهجير داخل العراق:
جرائم تهجير الأكراد
جرائم تهجير التركمان
جرائم تهجير الفيليين.
6- جرائم محاربة الدين والمرجعية والحوزة:
محاربة الشعائر الدينية ومنعها، وخاصة ذكريات وفيات وولادات أئمة ال البيت، وفي المقدمة مراسيم استشهاد الإمام الحسين، ومن بينها مهاجمة مشاة الاربعين بالدبابات والطيران، واعتقال الخطباء وقتلهم
محاربة المرجعية الدينية والحوزة العلمية والتنكيل بها ومنعها من ممارسة دورها الديني والتوجيهي، وصولاً الى قتل المراجع وعلماء الدين وحبسهم وتسفيرهم وفرض الإقامة الجبرية عليهم، حتى انخفض عدد منتسبي حوزة النجف في العام 1990 الى 5 بالمائة من عددهم في عام 1968
تخريب المدارس الدينية الحوزوية أو إغلاقها
منع طباعة وتوزيع واستيراد الكتب الدينية الشيعية، بما فيها كتب الأدعية.
7- جرائم التمييز الطائفي والعنصري:
كان نظام البعث وصدام أبشع أنواع التهميش والاقصاء والقمع والظلم للأكثرية السكانية الشيعية، وبصورة لا نظير لها عالمياً؛ فالسنة العرب، ونسبتهم من عدد السكان 16 % فقط، كانوا يسيطرون على 90 % من المسؤوليات الرأسية، كرئاسة الجمهورية ومجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية للحزب والوزارات وقيادات الجيش والقوات المسلحة. أما الشيعة الذين تشكل نسبتهم السكانية 65 %، فكانوا يشغلون 5 % فقط من المسؤوليات، ومن يشغلها كانوا مجرد عبيد عند أسيادهم المسؤولين السنة العرب، سواء في الحزب أو الحكومة أو الجيش
كانت رمزيات الدولة التاريخية والمعاصرة، السياسية والدينية، ومناهجها الدراسية وأدبيات الإعلام والصحافة، والتوجهات الثقافية، كلها سنية طائفية، وموجّهة بالدرجة الأساس ضد الشيعة وهويتهم ومذهبهم
كانت معاناة الشيعة الفيليين والشيعة التركمان مركبة، طائفياً وعنصرياً
كانت الحالة نفسها موجهة ضد الكرد، وبالشدة نفسها، ولكن في الجانب العنصري.
8- جرائم التسبب في انهيار الواقع المعيشي:
تسببت سياسات نظام البعث وصدام في انهيار الواقع المعيشي وانهيار دخل الفرد، وفي مظاهر فقر وجوع ومرض غير مسبوقة في تاريخ العراق، حتى أصبح دخل الموظف يكفي لطبقة بيض فقط، واضطر الناس الى بيع أثاث بيوتهم.
9- السرقات والرشوة والفشل والفساد:
في الوقت الذي كان الشعب يعاني الفقر والجوع والمرض، كان صدام وأسرته وفريقه الحزبي، يهرِّبون عشرات مليارات الدولارات الى الخارج، في صفقات الكوبونات النفطية، فضلاً عن السرقات الداخلية، بل أن العراق بأكمله كان ملكاً لصدام وعشيرته وفريقه وحزبه
كانت الرشوة متفشية وجزءاً من روتين الدوائر الحكومية، من أصغر موقع وظيفي الى أكبر موقع، وبلغ الأمر أن أحكام السجن والاعدام تلغى بالمال.
10- جرائم التسبب في انهيار البنى التحية والخدمات:
بدأ انهيار البنى التحية والخدمات تدريجيا في مطلع ثمانينات القرن الماضي، حتى تحول العراق في نهاية المطاف الى بلد بدون كهرباء وبنى تحتية وخدمات حكومية، وبدون إعمار، ما عدا قصور صدام الباذخة التي بناها بأموال الشعب.
11- الحروب على الشعب:
الحروب على الأكراد طوال عقد الثمانينات، وأغلبها كانت تستهدف المواطنين الأبرياء
الحرب على الشيعة في العام 1991، والتي تسببت في تدمير عشرات المدن الشيعية.
12- الحروب على دول الجوار، والتسبب في نقص سيادة العراق واحتلاله:
القيام بأعمال إرهابية وقتل وتفجيرات داخل سوريا
القيام بأعمال إرهابية وقتل وتفجيرات داخل لبنان
القيام بأعمال إرهابية وقتل وتفجيرات داخل إيران
القيام بأعمال إرهابية وقتل وتفجيرات داخل الكويت
الحرب على إيران، والتسبب في مقتل مليون إنسان، وتدمير البلدين
تسليم أجزاء واسعة من أراضي العراق الى السعودية وإيران والأردن وتركيا
غزو الكويت، والتسبب في مقتل عشرات الآلاف من العراقيين والكويتيين، وتدمير البلدين
التسبب في حصار جائر للعراق، لثلاثة عشر سنة، نتج عنه جوع ومرض وفقر وهجرة ملايين العراقيين، ودمار في البنية التحتية، في حالة لم يشهد تاريخ العراق مثيلاً له
التسبب في جلب القوات الأجنبية الاستعمارية الى المنطقة الخليجية
التسبب في نقص سيادة العراق في أرضه وسمائه، وصولاً الى احتلاله.
13- جرائم انعدام الحقوق والحريات السياسية والإعلامية والدينية والاجتماعية:
كان حكم البعث منذ اللحظة الأولى، حكماً شمولياً يحتكر السلطة بالكامل
بعد وصول صدام الى السلطة، أضاف الى شمولية البعث واحتكار السلطة، حكماً فردياً دكتاتورياً مطلقاً، جعل من البعث أداةً بيد صدام، وحوّله الى آلهة وصنماً، حتى أصبح صدام هو العراق والعراق هو صدام
لم يكن هناك أي فصل بين السلطات، بل كان صدام وأسرته وفريقه الحزبي الخاص هم الدولة والحكومة والسلطة والتشريع والتنفيذ والقضاء
لم تكن هناك انتخابات لتداول السلطة على أي مستوى من المستويات
لم يكن هناك دستور دائم للدولة
لم تكن هناك أية محاكمات حقيقية لمعارضي النظام، بل تأتي الأحكام جاهزة من الأجهزة الأمنية أو صدام نفسه، حتى لو كانت المعارضة بكلمة واحدة أو جملة واحدة فقط
كان المواطن يتعرض الى عقوبة الاعدام إذا انتقد سراً أو علناً رئيس النظام وأسرته أو حزب البعث أو (الثورة) كما يسمونها، أو نظر نظرة غير مناسبة لصورة صدام
زرع البعث حالة الرعب لدى المواطن العراقي من أقرب الناس إليه؛ فكان المواطن يخاف على نفسه من الوشاية والتقارير حتى من أفراد أسرته وأصدقائه المقربين، وهي التقارير التي توصل الى حبل المشنقة، وكثير منها كان كيدياً
لم تكن هناك أية صحيفة ومجلة وإذاعة وقناة تلفزيونية غير رسمية أو غير تابعة للنظام
كانت خدمة الموبايل ممنوعة؛ فالعراقيون استخدموا الموبايل بعد العام 2003
كانت خدمة استقبال البث التلفزيوني الفضائي ممنوعة؛ إذ لا يسمح للمواطن بمشاهدة سوى القناتين المملوكتين للنظام، ويتعرض للإعدام من تعثر السلطة على جهاز (ستلايت) في منزله
كان استخدام أجهزة الاستنساخ ممنوعاً، إلّا من قبل مؤسسات النظام
كانت أجهزة الكمبيوتر ممنوعة، إلّا من قبل مؤسسات النظام.
ومن خلال إجراء هذه المقارنات المنهجية الموثقة؛ سيمكننا تقدير ما إذا كان فعلاً قد ظهر ألف صدام بعد 2003، وما إذا كان الوضع في زمن صدام أفضل من حكم ما بعده، ولنفهم مستوى وعي وثقافة وتجارب، الذي يردد تلك المقولات، حيال نظام البعث وزمن ما بعده.
والله من وراء القصد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة “كتابات علي المؤمن” الجديدة، وارشيف مقالاته ومؤلفاته بنسخة (Pdf) على تلغرام: https://t.me/alialmomen64