هل نسينا عاشق بغداد والذائب بحب العراق ؟
في مثل هذا اليوم من صبيحة الثلاثاء (20 / 1 / 2009) كانت بغداد تستعد لتوديع عاشقها العلامة د. حسين علي محفوظ العالم والاكاديمي والموسوعة المتحركة.. بعد ان وافته المنية حوالي الساعة الثامنة من مساء الاثنين في مستشفي ابن البيطار أثر نوبة قلبية بعد اسبوع من العناية المركزة فيها .. واتذكر ذلك الصباح جيدا حينما كنا نعمل في طاقم ادارة شبكة الاعلام العراقي آنذاك .. ما الذي يمكننا فعله وبما يرقى الى قامة عراقية شامخة كنخلة العراق في وقت كان يمر بسرعة فائقة .. بادرت الى تقديم طلب عاجل الى الاستاذ حسن الموسوي مدير عام الشيكة آنذاك يتضمن مقترح بث مباشر لتشييع جثمانه الطاهر في وقت كان اهتمام مصر وطريقة تعاطيها مع مبدعيها وفي طريقة تشييع كبار كتابها الراحلين مثل توفيق الحكيم ونجيب محفوظ وطه حسين كانت حاضرة في ذهني ..
وافق المدير العام فورا وبدون تردد وأمر بتوفير كافة الامكانيات الفنية اللازمة لتغطية ناجحة للحدث .. تحرك الشباب في الشبكة باندفاع غير معهود سواء في دائرة الاخبار او في استوديو البث المباشر او في الارشيف او الحلقات الاخرى كانت الهمة غيرعادية لنقل الحدث الجلل ما بعث في نفوسنا الأمل والثقة والسعادة لما تعكسه هذه الحالة من حضور العلماء والمبدعين في الوجدان العراقي النبيل ..
تم تكليف المراسل زيد الطائي بتغطية الحدث انطلاقا من مغتسل الكاظمية وحتى العتبة الكاظمية المقدسة حيث مثواه الأخير، واتصلت بزميلين من عشاق محفوظ هما توفيق التميمي وعادل العرداوي ودعوتهما للتحدث عن سيرة حياة العلامة الراحل.. في الاستوديو المباشر والمشاركة في نقل الحدث الى المشاهدين بينما اخذت مكاني قرب مخرج البث ..
كان كل العاملين في مستوى الاخلاص والابداع في بث هذا الحدث الثقافي الحزين ويوما مميزا في القناة العراقية الفضائية في بث مباشر لتشييع واحد من ابرز علماء العراق وعلى مدى اكثر من ساعتين .. لما يكنه العاملون من محبة واحترام لرموز العراق الابداعية العلمية والادبية ..
كانت الأصداء طيبة لدى المشاهدين ومحبي الأدب والثقافة والعلوم ورجال الدين والمجالس الثقافية ومحبي محفوظ ومريديه .. ولم يعترض احد في حينها على تخصيص اكثر من ساعتين لحدث ثقافي يلامس قلوب العراقيين .. واليوم اذ تمر الذكرى السابعة على رحيل العلامة حسين علي محفوظ رحمه الله لم نلحظ ذلك الاهتمام المطلوب لا في المؤسسات العلمية ولا في وسائل الاعلام العراقية للأسف الشديد مما يستدعي الأمر وقفة للمراجعة والتأمل .. وينبغي أن لا ننسى رمزا علميا تخرج علي يديه مئات الاكاديميين والادباء ..
وعندما زرته قبل يومين من وفاته في غرفة العناية المركزة في مستشفى ابن طلب العلامة من مرافقيه السيد مرتضى الورد ومنصور النجار مساعدته في وضع جهاز الاوكسجين جانبا فقرأ على مسامعنا ابيات من قصيدة له يعتز بها :
امي العراق أبي العراق
أنا العراق أنا العراق
نسب أقمناه مقام
الوالدين هو العراق
هل نسينا “محفوظ “عاشق بغداد والذائب بحب العراق وهو يردد الى اخر لحظة في حياته : أشتاق الى العراق وأنا فيه وأخشى ان أفارقه وأنا فيه ..