23 ديسمبر، 2024 2:18 م

في الذكرى الثمانين لأضواء: ( 31 آذار 1934)

في الذكرى الثمانين لأضواء: ( 31 آذار 1934)

” من أي حب قُدَّ صبرك
ثمانين عاماً وأنت تضع يدك على جرح العراق
……………..
 من أي نار قُـدَ صبرك،
 فيا أيها الجبارُ العنيدُ المتمردُ،
لم تقتلعك العواصف
ولم تنل شعرة من بياضك “. موفق محمد
عن الشيوعي العنيد: (عبد النبي كريم)                               
 يُردد اسم(عبد النبي كريم ) في البصرة ،وخاصة في منطقة المعقل، والتي تقطنها عوائل يعمل ذويها،نساءً ورجالاً، في مديرية الموانئ ،ومن كل المكونات العراقية- البصرية المعروفة بتجانسها وتآخيها طوال عصور. عبد النبي ،ابن العامل الذي يعمل في صب الاسمنت و قوالبه، ترعرع في كنف عائلة محترمة ، وكان مهتماً منذ صباه بالمعرفة والتعليم و متميزاً في دراسته ، وعندما وصل إلى إعدادية المعقل سنة 1957، تعرف على الفكر التقدمي، الماركسي بالذات ، و شخص فيه المدرس في الإعدادية حينها أستاذنا القاص الرائد( محمود عبد الوهاب) حسن الخلق والدأب والتميز ووجهه على أتم التوجيه الاجتماعي- الثقافي والدراسي، وكانت الإعدادية تعج بالطلبة الشيوعيين، وقلة من الطلبة البعثيين ،جلهم ممن يسكن منطقة السكك. و من زملاء عبد النبي  ويرتبط معهم بعلاقات خاصة: عبد الخالق يونس والقاص والروائي ،بعد ذلك، الراحل كاظم الأحمدي وسيد راضي هذال وجورج يلو وفائق الجزائري.في مرحلة الصراع، بعد 14 تموز 1958، كان عبد النبي من أوائل المتصدين لكل من يحاول النيل من الثورة وقادتها والحزب الشيوعي العراقي، وغالباً ما يقاد للتوقيف اثر كل صدام بين الطلبة، بسبب انحياز الأجهزة الأمنية ضد الطلاب التقدميين، وكانت والدته تسعى لإخراجه من التوقيف نتيجة علاقاتها الاجتماعية العائلية المحترمة. ذكر ليّ الفنان الراحل( طارق شبلي):” انه استوحى لحن أغنية(المكبعة)، التي كتب كلماتها الشاعر(علي العضب) من خلال الحركة الدائمة لوالدة عبد النبي وهي توزع منشورات الحزب الشيوعي ظهراً أو ليلاً في منطقة المعقل إذ كان بيتهم يقع في ذات المنطقة”.ومن المعروف إن الأغنية قدمت في حفل بمناسبة ( الذكرى الأربعين لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي)، زمن ما سمي بـ(الجبهة الوطنية و القومية التقدمية) سيئة الصيت، وقد حضر الحفل (صدام حسين)، وكان نائباً لرئيس مجلس قيادة الثورة، وكذلك نائب أمين سر( القيادة القطرية لحزب البعث). انتخب عبد النبي لرئاسة اتحاد الطلبة العام في إعدادية(المعقل) ، ورئاسة الاتحاد في المنطقة الجنوبية، وكان غالباً ما يقوم بجولات ميدانية تثقيفية يقيمها الاتحاد في بعض مناطق البصرة، و العمارة والناصرية مما جعله مركز اهتمام الطلبة ونال ثقتهم وانتخب لحضور المؤتمر الأول لاتحاد الطلبة العام في العراق بعد 14 تموز وافتتحه الزعيم عبد الكريم قاسم وألقى فيه الشاعر الجواهري قصيدة( يا شباب اليوم..الخ)، وحضرته وفود شتى من جميع أنحاء العالم، وحصل عبد النبي على عضوية الاحتياط ، في المكتب التنفيذي للمؤتمر الأول لاتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية . بعد تراجع الزعيم قاسم عن خطه التقدمي، بدأت الهجمة على القوى الوطنية و التقدمية ، وكانت الاعتقالات تتوالى فأعتقل عبد النبي وزج به في منتصف عام 1961 في موقف رقم( 4 )الواقع في مركز شرطة البصرة القديمة ، وعندها بدأت رحلته المتواصلة نحو المعتقلات و السجون ومنها سجن العمارة المركزي وسجن البصرة، ثم (نقرة السلمان) بعد محاكمة صورية من قبل المجلس العرفي العسكري الأول، وعند نقله مساءً من محطة السكك في المعقل مع بعض السجناء انفرد عبد النبي دونهم ، وكان صاحب بنيان جسماني متميز وصوت جهوري، ونادى بأعلى ما يستطيع من صوت وهو مقيد اليدين ، في طريقه إلى صعود عربة السجن، هاتفاً ثلاث مرات بحياة (الحزب الشيوعي العراقي)، ما حول ذلك المساء إلى مظاهرة عملت على فضها شرطة المحطة بصعوبة. وكانت والدته  تنقل البريد الحزبي بطرق متفننة إلى سجن نقرة السلمان عندما تزوره كل شهر.عند خروجه من السجن بعد العفو عن السجناء السياسيين، وجد نفسه مفصولاً من الدراسة، فعمل لحسابه الخاص، وكان غالباً ما يزور العوائل المعدمة ويقدم ما يحتاجونه من معونات وخدمات بشكل سري.. بقي عبد النبي راسخ الإيمان بشعارات الحزب الشيوعي العراقي. بعد 17 تموز زار وفد من حزب البعث البصرة برئاسة عضو مجلس قيادة الثورة حينها(صلاح عمر العلي) وأقام فيها جلسة مسائية حشد لها حزب البعث كل ما يستطيع من إمكانيات في (ملعب الموانئ الرياضي)، كنت حاضراً فيها، وظل العلي يتحدث طويلاً عن أشياء كثيرة اعتبرها منجزات لـ(الثورة)، وبعد فتح باب الأسئلة، طلب عبد النبي حق الحوار و السؤال، وحاول بعض البعثيين ممن يعرف صلابته جيداً منعه، لكنه تمكن من ذلك، وأوضح عبد النبي في حديثه: بأن ما جاء من  منجزات على لسان السيد العلي ليست منة من أحد ، وهي استحقاقات على حزب البعث تقديمها لفتح صفحة جديدة بين العراقيين ، وان جميع القوى الوطنية والتقدمية والقومية- اليسارية قد طرحت برامجها وتصوراتها لغرض قيام الجبهة الوطنية ،ونشرتها مجلة (الثقافة الجديدة) باستثناء حزب البعث الحاكم و الذي لا نعرف له برنامجاً عن هذا الموضوع المهم والحيوي؟!. فحاول صلاح عمر العلي التحجج بحجج واهية منها: عدم اعتراف القوى الوطنية العراقية بما اسماها”ثورة 17 تموز” وتوجهاتها البيضاء؟!. فرد عبد النبي : أن ما حدث في عام 1963 هو السبب، وإذا أراد حزب البعث الحاكم  ذلك، فعليه الاعتراف بما حصل من مآسي للجميع. وللأمانة اذكر إن السيد صلاح عمر العلي،قال له نصاً: ” مؤكد انك خارج من (نقرة السلمان) بعد العفو..وسأنقل وجهة نظرك إلى القيادة بأمانة.. وأنا أفخر بك كمواطن عراقي مخلص ومناضل وشجاع..”؟!. عندها ضج الملعب بالتصفيق لـ(عبد البني).في خضم عمله اليومي كعامل حدادة لحسابه الخاص تعرض عبد النبي كريم صباح 1 /1 /1993 لصعقة كهربائية أودت بحياته ،وبقيت سمعته ناصعة، ونضاله المتواصل، وشيوعيته التي لم يتنازل عنها في أحلك الأيام والأزمان المؤلمة والتي واجهها بصلابة نادرة. ولا زالت ذكرى الشيوعي العنيد (عبد النبي كريم) محط احترام عميق وفخر كبير من قبل جماهير البصرة عامة ، ومنطقة المعقل خاصة.