26 نوفمبر، 2024 9:27 م
Search
Close this search box.

في الذكرى الثانية لرحيل الفنان التشكيلي العراقي لوثر ايشو ادم ايزال الدمع ينهمر

في الذكرى الثانية لرحيل الفنان التشكيلي العراقي لوثر ايشو ادم ايزال الدمع ينهمر

عرف الفنان الراحل لوثر ايشو ادم  بأسلوب مميز في الفن التشكيلي العراقي المعاصر ، من خلال قدرته على إنشاء  فضاءات يندمج فيها الطابع الشخصي للخيال بتكوينات ميثولوجية وتاريخية ،  فضاءات تتجلى  برموز تتجاوز الفردية ، تعكس صورة تراجيدية للقهر والصراع الداخلي والرغبة في تغيير أحوال العالم ، وكأنه يريد ان يحيط بكل الحقبة العيانية للتاريخ البشري ويقدمها في رسالة إنسانية مكثفة ، وربما ينطبق هذا الوصف على الكثير من أعمال فترة ما بعد الاحتلال حين أصاب التداعي البنية الأمنية للعراق وغدت المؤسسات السياسية عرجاء لامبالية بالإنسان ، تطرب على أصوات المفخخات وتزين حياتها الدماء البريئة . حاول لوثر في العديد من أعماله المتأخرة التماس محور ارتكاز له او إيجاد شيء ايجابي يساعده على البقاء . فأوغل في وصف مظاهر القهر والألم عبر رموز تجسدها جذوع أشجار مهشمة أعيد رابها وشدها بلين  برباط لتظهر وكأنها متماسكة حية . صور تعكس العصف الذي اخترق العلاقات بين الإنسان والعالم المادي ، محاولة عنيدة وخطوات واثقة قادها لوثر لنفخ الروح في حياة جامدة ،  تجربة روحية نقية مشبعة بهواء العراق ورغبة جامحة لوصف المأزق الإنساني وسبل الخروج منه عبر لوحات تسودها أحيانا درجات متفاوته من لون واحد  ترقى الى مستوى ان تكون لغة حوار عالمية لموضوع  إعادة النظر للإنسان .
     ان الروح التي حاول لوثر نفخها في جذوع الأشجار المقطعة هي بمثابة حركة لبعث الامل ورسم لصورة الانسان بوصفه مخلوق فطر على المحاولة والتمرد والتجديد ، تلك الصورة  تتلاشى في سلسلة أعمال أخرى له تجسدها أبواب وشبابيك ملصومة تحتل فضاء اللوحة بلون داكن كئيب لامجال للنور من النفاذ من خلالها، صور تعكس حالة من التقهقر واليأس  . في أفق زمني اخر يغرق لوثر في تجارب اعمال ملؤها كيانات بشرية تحيطها  رموز وطلاسم ورؤى غريبة ومرعبة يبدو فيها الانسان قرباناً ، عوالم مرتبكة ، وتداخل للمقاييس البصرية . تتحرك فيها تلك الكيانات البشرية محاولة النفاذ والتحرر من اطار الحدود الخانقة التي تركتها سكين الالوان 
     ان المتصفح لاعمال لوثر ايشو ورغم وجود المتشابهات والقواسم المشتركة  في سلاسل الاعمال التي قدمها والتي تميز خصوصية وضعه النفسي ورؤيته الى العالم والاحداث المحيط به تبعاً لمراحله الزمنية ، يمكن أيضاً ان يميز من زاوية نظر اخرى ان كل لوحة من لوحاته تحمل مأساته محفورة على صفحاتها . ولهذا فإن لوحاته هي خير من ينطق عنه ويصف لنا مسارات حياته .
       لقد كان التشكيل لديه بمثابة تحريرا انفعاليا يصف معاناته المتغيرة ، المتجددة ، المتفاعلة مع احداث الحياة لذلك يكون من الصعب وصف تطور خطي في مسار أعمال هذا الفنان٬ بل ثمة تأرجح متواصل لمكونات العمل الفني في تجربة لوثر  التشكيلية .
         كان حزنه وقلقه على الاخر بمثابة مصدرا للإلهام والإبداع الفني لديه ، مثلما كان الخوف من المجهول يمثل أرقا مستديما عنده . غادر لوثر بصمت وهدوء بلا ضجيج ، تم كل شيء عندما نقل من نينوى الى العمادية في  18 حزيران 2011 ولم يعد …..  تاركا وراءه المزيد من الحكايات التي تقصها لوحاته الدافئة ، لقد رحل ملك الحس المرهف وكان رحيله بمثابة لوحة تشكيلية نسجت موضوعها وتشكلت الوانها في فضاء مدينته التي ستبكيه ابدا ، هنيئا لنا ان ترك لوثر وشمه فينا الى الابد وجعلنا نرسم بعد غيابه لوحته عنوانها لوثر الحاضر ابداً
      ولد لوثر إيشو لعائلة عراقية في قرية ديري التابعة لقضاء العمادية سنة 1955. وسرعان ما انتقل مع عائلته إلى مدينة الموصل التي أحبها وأحبته حد الهُيَامُ. تخرج من معهد الفنون الجميلة واكمل دراسة البكالوريوس بجامعة الموصل ،  شارك في تأسيس “جماعة نينوى” للفنون الجميلة التي كانت لها دور كبير وضع مرتسمات الفن التشكيلي المعاصر في العراق ، عمل مدرسا لمادة الرسم في معهد فنون الجميلة بالموصل ومحاضرا في كلية الفنون ، كما كان عضوا في جمعية الفنانين العراقيين . شارك بالعديد من المعارض المحلية والعربية والعالمية. غادرنا بهدوء  في 18 حزيران 2011 .
    ان الحفل التأبيني الذي تقيمه فرقة مسرح قرقوش بالتعاون مع جمعية التشكيليين العراقيين / فرع نينوى يعكس حجم الارتباط بين الفنانين والأدباء وبين الهم الإنساني المشترك  ذلك الهم الذي طالما اثقل لوثر فهنيئا لمن عرفوا لوثر وهنيئا لمن يشاركونه اليوم همه في البحث عن انسان السلام والمحبة  وهنيئا لمن امتلكوا لوحاته ، وبدوري ادعوهم للاهتمام بها وعرضها والحديث عنها كرسالة انسانية لانها تمثل صفحات من تاريخ العراق ولتبقى تجربة لوثر التشكيلية شاخصة لا يسدل عليها ستار  .

أحدث المقالات