20 مايو، 2024 11:29 ص
Search
Close this search box.

في الذكرى التسعين ..والدتي الشيوعية والحس الشعبي ّ

Facebook
Twitter
LinkedIn

بعد ان عقد لواء التحالف بين الحزب الشيوعي وحزب البعث تحت راية ما عرفت حينه (1973) بـ ” الجبهة الوطنية ” تنفس الشيوعيون الصعداء كما يقال مع فسحة الفخ الذي نصب للحزب باطلاق صحيفة ” طريق الشعب ” من مخابئها السرية الى العلن ، حتى ان الرفاق واصدقاؤهم كانوا يقتنون الصحيفة الموجودة في المكتبات علناً ، مع صحيفة “الفكر الجديد” الاسبوعية التي صدرت علنا ايضا قبل طريق الشعب بعام واحد ان لم تخني الذاكرة مع مجلة ” الثقافة الجديدة ” الفكرية واعتقدنا كشيوعيين ان الطريق سالكة لبناء الاشتراكية وتحقيق شعار الحزب ” وطن حر وشعب سعيد ” على ايقاعات الشعار المركزي للمؤتمر الثالث للحزب 1976″ معاً لبناء الاشتراكية ” والمقصود بالـ ” معا ” حزب البعث !
في عام 1977 اقام الحزب الشيوعي احتفالية بمناسبة مرور 43 عاما على تأسيسه في قاعة نقابة المعلمين ، حضرها النائب صدام حسين وجلس كتفا لكتف جنب السكرتير الاول للحزب المرحوم عزيز محمد ، وكان حينها تطلق على صدام صفة النائب في الوقت الذي تقول الحقائق انه كان الحاكم الفعلي للبلاد والرئيس احمد حسن البكر من ديكورات المشهد !
قدمت في الاحتفالية فرقة فنية تابعة للحزب اغنية ” مكَبعة ” تعني لابسة العباءة ودورها النضالي في صفوف الحزب ، تقول كلمات الاغنية على ايقاعات الهيوه البصراوية :
مكبعة ورحت أمشي يمه بالدرابين الفقيره
وسط في وشمس يمه وآنه من ديرة على ديره
وزعت كل المناشير وخبرهم
ومن مشيت عيوني ما تيهت دربهم
سلمتهم يمه
سلمتهم آخر أعداد الجريده
بلّغتهم باجر الحيطان تحجي بالشعار اللي نريده
بلّغتهم باجر الما يدري يدري يهتف وينشر قصيده
باجر عيون الرفاكة تصير كمرة… تضوي يمه
باجر زنود الرفاكة زنود سمرة .. تلالي يمه
تنور الدنيا لشعبنا
وتعتلي راية حزبنا
مكبعة وكَليبي عدهم… يمه
مكَبعة وعيني لدربهم… يمه
مكَبعة ورحت امشي
وحينها يقال ان النائب صدادم همس في اذن عزيز محمد طالبا منه اعادة الاغنية لتأثره بها ، ويقال ان عزيز محمد اجابه ” ان اعجبتك خلي يسجلوها بالتلفزيون ويعرضوها كلما احببت ” ويقال ان صدام ضحك نصف ضحكة أو نصف ابتسامة ، والحقيقة إن عزيز كان في وادي الاحلام وصدام في وادي صناعة الفخ بإحكام !!
في مثل هذا المشهد وتفاصيل الانفتاح كانت منظمات الحزب وخلاياه تقيم الاحتفالات بالمناسبات الوطنية والاممية في بيوت الرفاق ، حيث يجري التثقيف بسياسة الحزب وكسب الاعضاء الجدد فقد كان يدعى الى هذه الاحتفاليات المصغرة اصدقاء الحزب لتعزيز علاقاتهم بالحزب وانتماءهم اليه ..
تحضيراً لاحدى الاحتفاليات تم تجهيز صورة للرفيق فهد وعرضها في مزاد لتنمية موارد الحزب ، ووضع سقف نهائي لبيع الصورة بسبعة دنانير ، اقيمت الاحتفالية في بيتنا وجرى المزاد في نهاية الاحتفالية ، والمفارقة ، ان أعلى مبلغ للصورة وصل الى ستة دنانير ، ليس بخلاً ، لكن لان أغنى من كان موجوداً لم يكن في جيبه اكثر من هذا المبلغ !!
فمن ينقذنا من هذا الاحراج ..؟
والدتي التي كانت الراعية الشعبية للاحتفالية وقفت بين الجميع وزادت المبلغ ديناراً واحدا لتصل المزاد الى السعر المتفق عليه ، والاجمل ان والدتي أهدت الصورة في نفس الوقت الى المنظمة الحزبية التي اقامت الاحتفالية !
هذه الأم ، لروحها السلام ، وهنا مقصد الكلام والمقال ، كانت تحذرني وتحذرنا في ذات الوقت من الخديعة التي نقع فيها أو اننا في دروبها فرحين مبتهجين بوطن حر قادم وشعب سعيد ..بخبرتها كانت تقول بالحرف االواحد ” سيجرونكم من آذانكم كالخرفان بعد ان يكشفوكم ويعرفونكم واحدا واحداً ” وحين نقلت هذا التصوّر لمسؤولي الحزبي أجابني ” التأريخ لايعيد نفسه ” !!
ومن فرط “ذكائي” كنت احدثها عن مقولة ماركس ” التأريخ لايعيد نفسه الا كمهزلة ” وكنّا لانعير اهتماماً للحس الشعبي الذي يقرأ المستقبل اكثر من قدرتنا على قراءته ..
والنتيجة ان ماتنبأت به والدتي حدث مع اطلالة عام 1978 عندما اعدمت السلطة وهي في عز التحالف مع الحزب الشيوعي ، أعدمت 31 من الكوادر الشيوعية بتهمة شاطهم الرامي تنظيم انقلاب عسكري ..ومثل هذه االفكرة لم تكن حتى في خيالات الحزب ، لكّن الامور تدهورت واطاح صدام بالجبهة الوطنية ودفعنا ثمن أشهر العسل المفتعلة ليس كحزب بل كقواعد شعبية وعوائل فقدت ابناءها وبناتها وشبابها ..
ماتت والدتي دون ان تكحل عينها بابن وبنت وأخ كانوا من ضحايا خديعة المستقبل وصم الآذان عن الحس الشعبي الذي كان أكثر قدرة على قراءة المستقبل منن كل التنظيرات !!
اعتذر عن أي خطأ في التواريخ فلست مؤرخا وانما هذا شيء من ذاكرة هذي البلاد المنكوبة !!

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب