17 نوفمبر، 2024 5:32 م
Search
Close this search box.

في (الدولة المدنية)

في (الدولة المدنية)

(1) بين الدينية والمدنية
بين الدينية والمدنية : إن مصطلح (الدولة الدينية) حمل معاني إعتماداً على (اللفظ) المجرد بعيدة عن ما يتحملها المصطلح وأعتبر أنه مكافيء لمصطلح (الدولة الإسلامية) أو (الحكم الإسلامي) الذي أعتبر من جانب أخر أنه (ترجمة) مصطلح (الثيوقراط) الدولة الدينية أو هو النسخة العربية للثيقراطية التي هي النقيض النوعي (للدولة المدنية) 0 وبهذا تداخلت المصطلحات الثلاثة رغم أنها مختلفة تماماً وحمل التصور الإسلامي للدولة كل مساويء الدولة الدينية والدولة الثُيقراطية وفي المقابل شن دعاة (الدولة الإسلامية) الحرب على (الدولة المدنية) وما زاد الطين بلة هو إختلاف افسلاميين فيما بينهم في مفهوم (الدولة الإسلامية) وبرزت التناقضات بين صفوفهم المختلفة بين الإعتدال والتطرف وأمتدت (الطائفية) لتطرح أسوء نموذج ممكن أن نتصوره (للحكم الإسلامي) الذي تكفل في تمزيق الأمة إلى طوائف ليست متناقضة فكرياً فحسب بل متصارعة صراع وجود وفشلوا فشلاً ذريعاً في التعايش السياسي فيما بينهم فضلاً عن لإتفاق عن رؤيا موحدة لمفهوم الحكم الإسلامي أو إنتاج مشروع سياسي إسلامي يتمكن من توحيد الأمة بعد أن كان أحد اسباب تمزيقها! . كما أن (الإسلامين) في العراق فشلوا في طرح رؤيا حضارية تتمكن من إستيعاب التطور الحضاري والمتغيرات المدنية والإجتماعية والتكنلوجية ! ؛ بل هم في معزل كبير عن الوعي الحضاري والتحديات الحضارية المعاصرة واستعانوا بفكر قطيعي تابع وبرمجة إجتماعية خاصة تعمل على عزل المجتمع وقوقعته على أفكار (مقدسة) يقدمونها كجرعات مخدرة تسهل قيادة المجتمع وتضليله وخلق حروب وصراعات وهمية بعيدة جداً عن روح العصر وتحدياته مزقت المجتمع وادخلت الإرهاب بكل أشكاله وصوره وأوجدت مبرراته وحواظنه ؛ ولم يكونوا مصدراً للوعية والتنوير الحضاري دون أن يفهموا أن كل ذلك لا يعني إلا نهاية لفكرهم بغض النظر عن مدى مصداقيتهم ونواياهم. فالثيقراطية، بضم الياء أو الثيوقراطية: تعني حكم الكهنة أو الحكومة الدينية او الحكم الديني . تتكون كلمة (ثيقراطية) من كلمتين مدمجتين في اللغة اليونانية هما (ثيو) وتعني الدين و(قراط) وتعني الحكم وعليه فان (الثيقراطية) هي نظام حكم يستمد الحاكم فيه سلطته مباشرة من الإله، حيث تكون الطبقة الحاكمة من الكهنة أو رجال الدين الذين الموجهين من قبل الإله مباشرة أو يمتثلون لتعاليم سماوية تفرضهم على الناس، وتكون الحكومة هي الكهنوت الديني ذاته أوعلى الأقل يسود رأي الكهنوت عليها .

ومن المعروف تماماً أن (الدولة الإسلامية) أو (الحكم الإسلامي) وعلى مر عهودها لم تكن تستمد سلطتها من الله مباشرة (كما هو تعريف الثيقراطية) ولم يكن علماء الدين الإسلامي (مقدسين) ولم يكن لهم تدخلا مباشرة في الحكم بل كان هناك في الكثير من الأحيان تعارضاً بينهم وبين (السلطان) أو (الخليفة) والذي لم يكن يستند على قوى غيبية مقدسة أومفروض على الأمة من الله عزوجل بل يستمد قوته من قوة سلطته وعسكره ومقدار ما كان يقنع الناس بعدالته وبفرض طاعته على الناس ولم يكن (مقدساً) رغم توسع بعض علماء السلطة بوجوب طاعته بالحق وفي الباطل ؛ ومع هذا كانت هناك ثورات كثيرة ضد الخليفة أو السلطان والبعض منها يقودها (علماء الدين) وفي ذلك مبحث طويل ومفصل . لذا لابد من فصل مفهوم (الدولة الأسلامية) السياسي وبمعناها الواسع عن الدولة الدينية بمعناه المصطلحي (الثيقراطية). إن (الدولة بمفهوما السياسي) في الإسلام مستقلة عن أي مرجعية دينية أعلى منها أو مؤثرة عليها ولها ضوابطها وفقهها الخاص ومرجعها الكتاب والسنة لذا فهي ليست (دولة دينية) بالمفهوم المصطلحي. ولقد ساهم بعض (الإسلامين) في تشويه مصطلح (الدولة الإسلامية) فعدَ النماذج السيئة جداً والمتعارضة شكلا وجوهراً مع روح الدين الإسلامي وشروط الإمامة ومقتضياتها ولا تحمل من الإسلام سوى أسمه وهناك غيرهم ظلموا هذا المصطلح مرة اخرى حينما إعتبروها (دولة دينية) وليست دولة (مدنية) وآخرين حاربوا مفهوم (الدولة المدنية) و وسموها بالكفر!. لكن ما هي (الدولة المدنية) هذه ؟ وهل هي كافرة ؟ أو متدينة؟ !
تعريف الدولة المدنية : هي اتحاد من أفراد يعيشون فى مجتمع يخضع لنظام من القوانين، معتمدة على الأركان الآتية :

1. قضاء محايد وعادل ومستقل يطبق هذه القوانين بإرساء مبادئ العدل المجتمعي.

2. نظام مدنى من العلاقات التى تقوم على السلام والتسامح وقبول الآخر والمساواة فى الحقوق والواجبات، والثقة فى عمليات التعاقد والتبادل المختلفة.
3. وتعتمد (الدولة المدنية) (المواطنة) كنواة للمجتمع ولا تعتمد الدين أو القومية أو الجنس أوالمعتقد .
4. وتعتمد (الديمقراطية) كنظام لتداول السلطة وهى التى تمنع من أن تؤخذ الدولة غصبا من خلال فرد أو نخبة أو عائلة أو أرستقراطية أو نزعة أيديولوجية.

5. قدرة (الدولة المدنية) على تطوير مجال عام يتيح النقاش والتداول الفكري الذى يحقق التواصل الاجتماعى بين الجماعات المختلفة والآراء المختلفة.

ومن هذا يتبين لنا أن (الدولة المدنية) دولة غير عسكرية وغير بوليسية ودولة قانون ومؤسسات وغير دينية ولا ثيقراطية وهي دولة مساواة في الحقوق والواجبات لا تميز بين المواطنين ؛ و(سلطة الدولة) هي السلطة (العليا) التي تمثل الشعب بكل مكوناته وهي التي تحمي الحقوق وتوفر العدالة وتحمي المواطنين وهي بهذا المعنى الواضح دولة ليست (كافرة) كونها تحقق العدالة بين الناس ولا تتعارض مع جوهر الإسلام وغاياته ولكنها ليست (مسلمة) كونها صالحة لكل الناس مثل الكثيرمن الأشياء والقوانين والعلوم والأفكار؛ فهل التصور الإسلامي لحقيقة الحكم يختلف عن هذا الجوهر؟ وهل من الممكن القول إن الدولة الإسلامية (دولة مدنية بتصورإسلامي) ؟
وبعد كل ذلك ممكن ان تكون (الدولة المدنية) بتصور إشتراكي أوعلماني أو ليبرالي وممكن أن تكون لها تصور إسلامي شرط أن يقبل الجميع بأركانها الأساسية الخمسة وأتت بطريقة ديمقراطية وتقبل بالتداول السلمي للسلطة . وقبولهم بإن يكون التغيير الذي ينشدوه عبرها وعبر الوسائل الديمقراطية التي تتيحها (الدولة المدنية) والتي حققوا من خلالها وسيحققون الكثير من ما عجزوا عن تحقيقه (في الأنظمة العسكرية أو الدكتاتورية أو التعسفية) ؛ سواء كانوا في صف السلطة او في جانب المعارضة بل إنهم أول المستفيدين من الأنظمة المدنية التي أنقذتهم من جور السلطات وتعسفها وسجونها وتعذيبها وتمنحهم بحبوحة كبيرة من فضاءات الحرية من دون أن تفرض عليهم تغيير معتقداتهم أو دينهم وفي ذات الوقت أتاحت للجميع ممارسة كامل طقوسهم الدينية الخاصة ما لم يكن في ذلك إضرار إجتماعية أو تعرض حياة الناس للخطر أوتهدد الوحدة الوطنية والتماسك المجتمعي (وكل ذلك لا يتعارض مع جوهر الإسلام وروحه). وهناك في عالمنا المعاصر وفي تاريخنا الحديث نماذج من تعامل الإسلاميين (الإيجابي) مع مفهوم (الدولة المدنية) بمعناها البسيط أو المتقدم (تونس والمغرب وماليزيا وتركيا وإندنوسيا) وكم هي الإنجازات التي حققوها سواء من خلال (الدعوة) في المجتمعات المدنية أو نجاحهم في الممارسات السياسية الديمقراطية المدنية من خلال السلطة أو المعارضة ؛ وهناك تجارب أخرى كان الإسلاميين أول الخاسرين من إنهيار الديمقراطية والدولة المدنية سواء كانوا ضحاياها (التجربة الجزائرية مثلاً) أو كانوا هم المستبدين والمنفردين بالسلطة . … 
يتبع
 ahoo.commh.ha_r@y

أحدث المقالات