18 ديسمبر، 2024 11:18 م

في الإستفتاء.. كان عند الرئيس بارزاني مَنْ يسمعه

في الإستفتاء.. كان عند الرئيس بارزاني مَنْ يسمعه

بسبب تهميش الدستور العراقي والخرق المشين لأكثر من خمس و خمسين مادة  من مواده المتفرقة الواضحة والغامضة، وتعمد الطائفيين والمذهبيين والشوفينيين بإنتهاج سياسات مشحونة بالقلق والشكوك والشبهات، وأعتمادهم على الأكاذيب والشائعات والمفتريات والإختلاقات كمراجع ثابتة تتخذ عليها مواقف وحسابات ضيقة تزعزع اليقين والثقة وتفضي الى نشر الفوضى والخراب وتجاوز الخطوط الحمراء بكل أريحية، تضخمت الأزمات بين أربيل وبغداد، وأصبح الحديث عنها في العلن وبمنتهى الوضوح والصراحة. وشارك الدعي المسلح، والدجال والمشعوذ ونكرات الاعلام الشوفيني والمسؤول الفاشل الذي كان يريد الاحتفاظ بمركزه في الإدلاء بدلوه في حملة معاداة الكوردستانيين وتجربتهم. كما تم توظيف وعاظ الفتنة والنطيحة والمتردية، الذين عشعشوا في رحم الفساد، في سبيل بث السموم وإثارة نعرات الحقد والكراهية، وللتعبير كسيل جارف عن ما يتغلغل في قلبوبهم وأفكارهم تجاه الكورد وكوردستان من أحقاد مطعمة بالتفاهة البعيدة عن الأخلاق والضمير، والتي لا علاقة لها بالسياسة ولا بحرية الرأي.

الكوردستانيون، من جانبهم، وقفوا عند مفصل تاريخي هام وتحتم عليهم الاختيار بين الوقوف على خيوط رفيعة ودفن الرأس في رمال متحركة دون معرفة المآلات والنتائج والتداعيات، وبين التصرف بحكمة نبيهة وقناعة غير مهزوزة أومغشوشة والصمود على أرض صلبة أمام الهجمات، ورفض التقهقر والتمزق، والذهاب بخطوة دستورية وقانونية تنسجم مع كل القيم الارضية والسماوية نحو المستقبل.

 بين هذا وذاك وبعد الإتكال على الله والشعب الكوردستاني، شكلوا وصاغوا وعياً جمعياً كان يسكن في نفوس وأذهان الكثير منهم رغم إختلاف رؤاهم وتوجهاتهم، وأتخذوا قرار اللجوء الى الاستفتاء الشعبي العام حول تقرير مصيرهم، وفي الخامس والعشرين من ايلول عام 2017 دخلوا مرحلة جديدة في تاريخهم، بآليات وادوات وأهداف مشروعة، وجميعهم تقريباً، إصطفوا أمام مراكز الإقتراع ينتظرون لحظة قول الحق وما في قلوبهم والمطالبة بالعدالة والحرية والاستقلال بالاتفاق والتفاهم. هؤلاء شدوا الإنتباه والعين وأرسلوا رسالتهم المكشوفة المليئة بالحصافة والنباهة والذكاء والصدق الى أسماع العالم وحققوا إنجازا ما بعده إنجاز، وأكدوا مرة أخرى على سلمية نضالهم وإحترام العلاقات التأريخية التي تربطهم ببقية العراقيين وحماية مصالحهم المشتركة والمتشابكة.

لكن الذي حدث بعد تلك التظاهرة السلمية الديموقراطية الرائعة التي شهدتها المنطقة لأول مرة، وشهدها العالم أجمع هو : أن إنتصار الإستفتاء الذي دخل التأريخ من أوسع ابوابه كوثيقة رسمية، قد أعمى بصر وبصيرة المصابين بحالة الغباء، وتآمر ضده أطراف مختلفة، وتحالف مراكز القرار العنصرية والطائفية في بغداد مع قوى اقليمية ضدنا وسط صمت دولي مخزي متعارض مع كل مبادئ حقوق الانسان، وتجاهل متعمد للدعوة السلمية النبيلة للقيادة الكوردستانية من أجل الحوار والتفاهم والاتفاق، وإجتياح 51% من أراضي كوردستان بالإعتماد على القوات الاجنبية.

اليوم ونحن نسنذكر ذلك اليوم العظيم، نؤكد على أن إجراء الإستفتاء على الإستقلال (في 25 أيلول 2017) كانت دعوة نبيلة طاهرة المقصد إلى كتابة عقد سياسي وإجتماعي جديد، وبحث مخلص عن سبيل للنجاة، لذلك لاقت تجاوباً واسعاً من الجماهير الكوردستانية، وأثبتت أن الرئيس مسعود بارزاني كان عنده مَنْ يسمعه، وما زال عنده من يسمعه. وللأسف نلاحظ أن العراق ما زال جريحاً يعاني من كل أنواع التعقيدات، والأمل بإنقاذ ما يمكن إنقاذه وبتحسن الوضع العراقي وتعايش مكوناته بسلام وحصول مواطنيه على الأمن والأمان والخدمات الأساسية محض خيال..