ما يجري اليوم من أحداث متسارعة في الشام والعراق ولبنان واليمن والكثير من الدول التي تسعى إيران لضمها تحت عباءة الولي الفقيه، كذلك التغيرات والتحالفات الإقليمية ودخول قوى جديدة على الساحة العربية والاضطرابات في الداخل الإيراني؛ كلها مؤشرات واضحة أن هنالك مناورة لإخراج إيران من اللعبة وتحجيمها بعد أن أدت ما عليها من بث الفوضى وتمزيق النسيج الاجتماعي للمجتمع العربي، وهيأت الأجواء للغرب للبدء بمرحلة جديدة في رسم سياسته وتقاسم النفوذ، وقد قبضت إيران ثمن ذلك بانفتاح عالمي عليها وإنعاش اقتصادها والسماح لها باستئناف برنامجها النووي «السلمي!»، لكن لن يسمح لها الغرب ببسط نفوذها لأمد غير منظور، كما توهمت وخططت. فقد سعت إيران لخلط الأوراق والاستفادة من التفويض غير المعلن لابتلاع دول وإزاحة وتهميش أخرى، وقد نجحت في التربع على قمة الهرم ومخادعة الحلفاء وجعلت من نفوذها رقماً صعباً ليس من السهولة تجاوزه في حسم أي ملف ساخن.
ولما بلغ التحدي الإيراني للغرب أشده وبدت الأمور تخرج عن السيطرة اتحد الجميع شرقاً وغرباً لكبح جماحها، وما كان لروسيا أن تتجرأ في دخول المستنقع السوري لولا التفاهمات المسبقة مع الغرب، فبدت الإشارات ترسل تباعاً إلى طهران عله يدرك أن دوره قد انتهى لكن الصلف والطيش الإيراني والذي هو من إحدى سماته جعلته لا يتفهم الرسائل والتحذيرات الغربية المتلاحقة. ما دفع الغرب لتحريك أدواته الأخرى الأكثر إيلاماً؛ فتم استهداف قياداته وجنرالاته في الشام فسقط العشرات منهم لأسباب مازال يلفها الغموض.
وتزامناً مع ذلك يتم التضييق على ذراعهم الطويل في المنطقة، حزب الله، فلم يسقط الآخر من حسابات الغرب، فتم توجيه رسالة دموية له في عقر داره.
ولا نغفل ما فعلته عاصفة الحزم في ذلك النمر الورقي، حيث أنهت له معقلاً بالغ الخطورة كان قد أعد له مطولاً لضرب الطوق على الجزيرة العربية، كذلك العين الساهرة والجهد الحثيث للقوات الأمنية في البحرين والكويت والسعودية، والنظام الاستخباراتي الخليجي الذي كشف كثيراً من خيوطهم وخلاياهم وقطع عليهم الطريق وأنهى حلمهم في بسط نفوذهم.
أما على الساحة العراقية؛ فقد انتهى عقد الزواج بين أمريكا وإيران، ويبدو أنه متجه للطلاق والبينونة الكبرى، فقد استطاع الغرب بدهائه إنهاك إيران وجميع ميليشياتها وأحزابها بحرب أكلت منهم الأخضر واليابس وأفرغت خزائنهم واستهلكت قوتهم ومعداتهم وبثت الفرقة فيما بينهم عندما عمدت لإيجاد عدو مصطنع ومعد في كواليسهم المتمثل بداعش.
الأمر اليوم بات أكثر وضوحاً؛ فبعدما تم توريط إيران في المستنقع العراقي وآتت الخطة أكلها وأشرفت على نهايتها تحركت أمريكا وقررت إنهاء الملف الداعشي، فبدأت حملتها من أصعب منطقة جغرافية وهي قضاء سنجار، أقصى شمال العراق، لتحسم الأمر وتنهي الوجود الداعشي هناك خلال فترة 48 ساعة بإسناد بري كردي، في حين أشاحت بوجهها عن الميليشيات والحشد الشعبي وتركت ذلك لإيران، والتي عجزت عن استرداد قضاء بيجي ذي الأرض المنبسطة على مدى عام كامل وتكبدها الخسائر الفادحة.
باتت معركة استرداد الموصل على الأبواب وستكون خاطفة كما سنجار وستذوب داعش بتدخل وقرار أمريكي أسرع مما هو متوقع وسيعزز الدور الكردي والذي سيتخذ وجهاً جديداً للصراع بينه وبين الحكومة الاتحادية لبسط نفوذه على المناطق التي ستتحرر بإسناد أمريكي. تلك رسالة قوية إلى النظام الإيراني وأذنابه بانتهاء دورهم، وقد آن الأوان لرفع أيديهم عن العراق والرحيل، فقد استنفد دورهم ودور عملائهم، ولم تعد حاجة لتجديد عقودهم.
أما ما يحدث من غليان في الداخل الإيراني، خاصة في الأحواز العربية المحتلة، فتلك الشرارة التي ستشعل إيران برمتها، كذلك ما حدث في تركيا من فوز حزب أردوغان وبدء التقارب السعودي التركي الذي سيكون له تأثير بالغ في تحجيم الدور الإيراني.
كل تلك الإشارات وغيرها ستعجل من أفول النظام الإيراني الذي تربع على قمة الهرم، وسيقذف من أعلى دون السماح له حتى بالانحدار الهادئ، فالمرحلة القادمة تتطلب من الأمة العربية الاتحاد والتنبه وأن يكون لهم دور فاعل، وألا يتم استغفالهم مرة أخرى ليكونوا حقل تجارب.