تعمدت الحديث عن «حوار الحضارات» مثلما «صراعها»، لاعتقادي أننا وإنْ كنّا من ثقافات مختلفة ومتنوّعة، لكننا ننتمي إلى حضارة واحدة وهي ما نعيشه اليوم مثلما عاشت البشرية في عهود أخرى حضارة مغايرة، وبقدر ما يمكن النظر إلى الحضارة باعتبارها «موحّدة»، فهناك تباين في فروعها المتعدّدة، وهي التي تمثّل الهويّات المختلفة لشعوب وأمم وثقافات ولغات وأديان اختلفت عن غيرها.
ويمتد الكلام ليشمل «حوار الأديان» وفي أحيان أخرى «حوار المذاهب»، تقاربها أو صراعها، وبالطبع فالقاسم المشترك هو اختلافها، لأن الأخيرة تمثّل اجتهادات إزاء قضايا فقهية وعملية، تكوّنت رؤى وتصورات إزاءها، عبر الزمن وبالتراكم والإضافة، تارة لتقريب الدين وأخرى بعيداً عنه، حيث دخلت عليه عادات وتقاليد ومثيولوجيات ورغبات حكام أو فقهاء أو غير ذلك، وقد يكون هناك بون شاسع بين المقاصد الأولى وبين ما وصل إلينا من تشوّهات.
ومن «حوار المذاهب» ننتقل أحياناً إلى حوار «الأقليّات» أو «القوميات» والمقصود المتحدرين منها من المجاميع الثقافية، والأساس في ذلك هو حوار الحقوق والحريات ومبادئ المساواة والعدالة والشراكة والمشاركة، وتلك أركان أساسية للمواطنة، تمثّل القيم الإنسانية المشتركة للأديان أو المذاهب أو القوميات أو الهويّات أو اللغات، بما فيها من مشتركات ومتداخلات وتمازج ثقافات في إطار الحضارة الإنسانية الجامعة.
والأمر له امتداد بعيد المدى، قديماً مثلما هو حديث بالطبع، خصوصاً في ظل العولمة والثورة العلمية – التقنية، ولاسيّما ثورة الاتصالات والمواصلات وتكنولوجيا الإعلام والمعلومات والطفرة الرقمية، ووجدت الأفكار والمعتقدات طريقها إلى التلاقح منذ القدم؛ حيث يكثر الكلام عن طريق الحرير سابقاً أو راهناً ومستقبلاً، وكان الإسلام وقبله المسيحية قد لعبا أدواراً أساسية ومهمة في إطار امتزاج ثقافات الشعوب وتأثيراتها على الحضارة الكونية الموحّدة والمتنوّعة معاً.
الحوار اليوم أصبح «فرض عين وليس فرض كفاية» كما يقال، لأنه لا غنى عنه وهو اضطرار مثلما هو اختيار، لأن عكسه سيعني استمرار الصراع والاحتراب الذي قد يقود إلى نزاعات دولية أو أهلية، خصوصاً إذا ما دخل الدين والاختلاف الطائفي والقومي عليها، فستكون هذه الصراعات كارثية، لأنها تتعلق بقيم السماء وليس بالأرض، وهكذا تتخذ طابعاً إلغائياً وإقصائياً واستئصالياً.
ويمثّل الحوار بعداً إنسانياً مجتمعياً، أساسه الإقرار بالتنوّع وقبول التعددية والاعتراف بالآخر والحق في الاختلاف، ولا حوار متكافئ دون ذلك، وهذا يفترض إيجاد مساحة مشتركة للجميع ومحاربة التعصّب والتطرّف ونبذ الكراهية والعمل على توفير الفرص المناسبة للتسامح والسلام وبالتالي الانتقال من الاحتراب إلى التعاون، فالصراع سوف لا ينتهي، ويبقى قائماً ويأخذ أشكالاً متعدّدة، سلمية ولاعنفية، هدفها تعزيز القيم المشتركة وتطوير التنمية وتحقيق السلام والمشترك الإنساني، لاسيّما حين يعتمد على المنافسة الإنسانية الشريفة للأصلح والأفضل.
وتشكّل ظاهرتا العنف والإرهاب وهما نقيضا الحوار ومن الظواهر التي تواجه مجتمعاتنا، خطراً حقيقياً على البشرية والحضارة الإنسانية وثقافاتها، لأن الإرهاب لا دين له ولا جنسية ولا قومية ولا لغة ولا أصل اجتماعي؛ إنه يضرب في كل مكان، وقد ارتفع منسوبه بعد أحداث 11 سبتمبر 2001.
وإذا كان العنف لاعتبارات شخصية ونفسية، سياسية أو فكرية أو قومية أو دينية أو مذهبية، يخضع للقانون الجنائي، باعتبار أن المرتكب يستهدف الضحية بعينها، فإن الإرهاب أشمل وأوسع، لأنه يستهدف خلق الرعب والذعر والهلع في عموم الدولة أو في المجتمع الدولي.
وعلينا التمييز بين إرهاب الدولة وإرهاب الجماعات أو الأفراد ف«إسرائيل» تمارس إرهاب الدولة بشكل صارخ وسافر لحقوق الشعب الفلسطيني منذ تأسيسها في العام 1948 ولغاية اليوم، كما يمكن إدراج قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنقل السفارة إلى القدس والامتناع عن مدّ منظمة الأونروا «غوث اللاجئين» بالمال الضروري لاستمرارها، ضمن أعمال إرهاب الدولة، مثلما هناك إرهاب الجماعات المسلحة الخارجة عن القانون وخاصة إرهاب الجماعات التكفيرية مثل «داعش» والقاعدة وأخواتهما، إضافة إلى إرهاب الأفراد لاعتبارات سياسية في القتل والقنص والخطف وطلب الفدية وغير ذلك.
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية الاربعاء 3/10/2018