سَمعتُ أحد السياسيين يقول في إحدى الفضائيات العراقية وهو يستعرض إنجازاته في عالم السياسة المزعوم لديهم مُتباهياً بعبارته: أنّ “السُلطة إدمان”..يجعلك لاتُغادر عالمها إلا وأنت محمولاً على الأكتاف إلى المثوى الأخير.
ذلك هو الشَبَق السُلطوي الذي ما أن يتجرعه الداخل إلى عالم السياسة لن يغادره حتى لو أدى في سبيل ذلك أن يُضحي بصاحبته وبنيه وقبيلته التي تأويه، جنون السُلطة عندهم من المحظورات التي ترتقي إلى المقدسات، وهنا لا ألومهم فهذا العالم السُلطوي الذي حَوَلّهم من متسولين في شوارع مدن الضباب وباعة متجولين ومرتزقة يتقاضون الهِبات والمساعدات إلى مواطنين من درجة الآلهة، أو على الأقل في مراتب السلاطين والملوك وأُمراء ألف ليلة وليلة وغانياتهم وكؤوسهم التي يلعن هؤلاء تاريخهم، فجمعوا كل المُتناقضات على أمل الإحتفاظ بالسُلطة إلى أن يشاؤون لكنهم فشلوا فشلاً ذريعاً عندما تمكّنوا من تنمية مصالحهم الشخصية مُعتقدين أنها من ضروريات المصلحة العامة.
وصلت بهم الدناءة السياسية أنهم تاجروا بجثامين الشهداء وجماجم القتلى كإعلانات مدفوعة الثمن للوصول إلى كراسيهم، فَتراهم يتراقصون كما تتراقص الغانية.
طموح مُفرط إلى السُلطة يُسكِر مُدمنِها لامثيل له إلّا في نظامنا السياسي إلى حال تغيرهم وفق ماتقتضيه الضرورات وتبيحه المرغوبات، فمرةً يتحول السُلطوي من رئيس وزراء إلى وزير، وآخر من برلماني إلى مُستشار، وبعدها من فاشل إلى أفشل، فهل هناك شهوة سُلطوية أكثر من هذه، لايُعيرون تلك الأهمية للكفاءة والمِهنية أو حتى حب الوطن والشعب، بل أصبحوا كأنهم ذلك الطاغوت الذي أمسك بفانوس علاء الدين السحري وفي نيته تحقيق مآربه في السير بما سار عليه الطواغيت.
حروبهم المُستعِرة حول السُلطة والنفوذ لاندري متى وأين ستنتهي؟ لأن العقلانية تُخبرنا أنها ماضية في الإستمرار إلى أن يكون هناك قاتل ومقتول وليس بين مُنتصر وخاسر.
حَوّلوا السُلطة إلى غاية وليست وسيلة مزّقت عقول البُسطاء وجعلتهم يقرفون حتى من زمنهم ومكانهم الخاطئ، أحالوا لهم نعمة الحياة إلى نقمة يتمنون زوالها بفضل هؤلاء السُلطويون الذين عاثوا في الأرض فساداً.
لقد فضحتهم تلك السُلطة التي يتصارعون على مغانمها في التجرد من الإنسانية والشعور بآلام الآخرين والإحساس بمعاناتهم، كشفتهم شخصيات مُركّبة ممزوجة بالكُره والنِفاق والحِقد على كل من حولهم وفي توجه بوصلة تفانيهم إلى المال والثروة والنفوذ ليس أكثر ولهذا لن يتخيلوا جنتهم بلا سُلطة تُحيط بهم.
عند الحديث عن شَبَق السُلطة..هل وصلنا إلى حافة الإنهيار؟ ربما قد نُبالغ في هذا التوصيف البعيد عن الواقع لكن الحقيقة أننا أصبحنا في قعر الإنحطاط والإنهيار دون أن نُدرك ذلك وهاهي دّوامة الحياة تَسرق سنواتنا وأيامنا دون نفع ومنفعة، هاهي رُحى السُلطة تطحن ساعات الزمن عندنا دون أن يكترثوا أو حتى تهتز شعرة من رؤوسهم النّتنِة، هاهي الحياة تمضي من بين أيدي المُحتسبين الذين لاهمّ لهم سوى إنتظار الفرج من السماء وتلك هي الكارثة الحقيقية، لكنها حقيقة نخشى البَوح بها.
لم يعُدّ العراقيون يؤمنون بمقولة “أن الليل يَتبعه النهار” فقد طال هذا الليل وإستمر الصبر طويلاً وإحتسب الناس أنّ لاضوء يلوح في نهاية النفق، وأتمنى أن أكون مُخطِئاً في ذلك التوصيف.