الغراب ينعق في الفجر على شرفة بيتي
الفجر الملبد بغيوم المواجع
على ضفاف بحيرة هدسون، كان الغراب، هناك، لاينعق
الظلام هنا؛ يطفيء أضواء النهار
هنالك، الأنوار، تدفن ظلام الليل
أنظر عبر زجاج النافذة الى الطريق وعمال المسطر والمرأة العجوز التى بدت لي ككتلة من لحم وعظام عجنتها شراسة الدنيا، أكلت عمرها السنون، تجلس وتنظر الى المجهول؛ كأنها تنتظر أحداً ما يجيء في هذا الفجر الحزين
تشبه جدتي أو أمي أو هكذا ترأت لي في الفجر الذي أختفى منه الفجر
جدتي تحكي لنا في الليل البعيد،حول مواقد الشتاء؛ حكايا الجن والذي يأتي ولايأتي
الغربة تأكل من روح المسافر الى المنافي، كل جزئية فيها،لتتركه موجوعا، تتلاعب فيه، رياح الأكوان النائية
أسمع صوت أمي من خلفي، يندهني كي أنهض باكرا للعمل
المقبرة موحشة، يسكنها الأموات الذين يعرفون من يتفقدهم في وحدتهم هذه، كما كانت تقول لنا جدتي
أتسائل أو أسألني، أنا الغريب عن هذا المكان؛ أين قبر أمي وأخي الذي أكلته الحرب
يجئني على متن الريح، من بين وحشة القبور، صوت يقول لي: لاتغادر؛ أنه صوت أمي
قبر أمي هنا على مقربة مني، تحيط به، من الجانبين، قبر أبي وأخي الذي أكلته الحرب
الغربة التى كنت فيها، هنالك، أعيش؛ كانت تابوت من جنون وموت وأن لم يكن موتاً
البيت يسكنه الجن والفراغ والرهبة والخوف
عدت إليه بعد سنين طويلة؛ فقد صار ميداناً للريح تتجول فيه كما تريد
بيتنا الذي رجعت إليه، واجهتني وحشته
أطوف في غرفه، في الليل، أبحث عن أثارهم فيه
الراحلون الى الأبدية، روحهم تتجول ليلا فيه
غادروه، منصاعين قسراً لكتاب ملائكة الموت
أصواتهم أيقظتني، أفز مرعوبا
أفتر في الغرف والممرات، لاشيء فيها، غير نواح أمي ولوم أبي لها
الجدران تنطق بألم الغياب والفقدان والخسارات التى ما أنفكت تتوالى،
في أنتظار الذي يأتي بعد حين من الزمن وقد لايأتي
تحضرني مشاهد منسية، من خزان الذاكرة المعطوبة، رغم ثقوبها، تلتصق الرؤى على جدرانها
أسمع غوته في هذا الليل المكتظ بالفجيعة:
لاأحد يجيء، لا أحد يحضر، ألم تشاهد ذات يوم؛ في أنتظار جودو، ممسرحة على خشبة الحياة
الشمس تعلن عن قدومها بخيوط أنوار واهنة، يضببها الأسى
الناس تركض من أجل الخبز، لأدامة الحياة
تكاثر عمال المسطر، تعالى ضجيجهم في الطريق
العجوز أفترشت أمامها، على الرصيف؛ علب الكبريت وقوالب الصابون وربما أشياء أخرى
أرتفع نعيق الغربان، تكاثروا على أعمدة النور
جودوا لم يأتِ ولن يأتي الى ليل المأساة هذا
بيتي الذي غادرته ذات ليل بعيد؛ سوف يظل ملعبا للريح من كل الجهات؛ حين أظل مسمراً، أنتظر جودو