18 ديسمبر، 2024 10:13 م

في أمر الخطبتين الأخيرتين للمرجعية

في أمر الخطبتين الأخيرتين للمرجعية

للاسبوع الثاني على التوالي يكرّس خطيبا الجمعة في كربلاء، ممثلا المرجعية الدينية العليا في النجف، القسم الثاني من خطبتيهما لموضوع يتّصل، أكثر ما يتّصل، بفئة الطلبة والشباب.
في خطبة الجمعة الأخيرة تحدّث الخطيب، السيد أحمد الصافي، في موضوع التدنّي الواضح في مستوى التعليم والثقافة لدى الشباب، مُنتقداً عدم جدية الشباب في العمل وفي التعلّم والثقّف، حاضّاً على الجدّ والاجتهاد في العمل ورفع مستوى المعرفة والوعي والإقبال على العلم محذّراً من سيادة الجهل والدجل ومؤكداً على أن”الشمس لا تَشرُق إلا على الكُسالى”.
في خطبة الجمعة السابقة تحدّث الخطيب، الشيخ عبد المهدي الكربلائي، في موضوع “الادمان على استخدام مواقع التواصل الاجتماعي وسوء الاستخدام لها”، مشيراً الى عواقب اجتماعية غير سليمة لذلك.
في عمومها وفي جوهرها، الملاحظات المطروحة في الخطبتين صحيحة وسليمة. الجانب الضعيف فيهما تحميل الطلبة والشباب المسؤولية الرئيسة عن تفشّي ظواهر سلبية كهذه.
التلاميذ والطلبة ليسوا مسؤولين إلا بأدنى المستويات وأضيق الحدود عن انهيار النظام التعليمي في البلاد، من أدناه الى أعلاه. في الماضي كان النظام التعليمي في العراق بمستوى جيد ويُشار إليه بالبنان إقليمياً ودولياً.. في عهد صدام وحروبه الداخلية والخارجية المتّصلة، تردّى هذا النظام كثيراً، وكان أمل العراقيين أن يستعيد التعليم والثقافة عافيتهما بعد الخلاص من نظام صدام، بيد أن الذي حدث هو العكس تماماً.. تردّى النظام التعليمي والوضع الثقافي الى أدنى المستويات في ظلّ نظام الحكم الجديد الذي تهيمن عليه أحزاب الإسلام السياسي. ظاهرة الفساد الإداري والمالي التي تفشّت على نحو مريع للغاية في مختلف مفاصل الدولة والمجتمع اجتاحت أيضا النظام التعليمي والاجهزة الثقافية الحكومية.. ما عاد للمعلمين والمدرّسين وأساتذة الجامعات، فضلا عن التلاميذ والطلبة، مثال وقدوة بعدما شاعت مظاهر الغشّ وتزوير الوثائق الدراسية والحصول على مناصب عليا في الدولة بالشهادات المزورة، فيما لم تتفضل موازنات الدولة السنوية على الثقافة إلا بما يسدّ رواتب الجيش الجرّار من الموظفين، فيما استحوذ الفاسدون على تخصيصات المنشآت الثقافية الجديدة.. دار الأوبرا مثال واحد وليس وحيداً.
أما في ما خصّ الاستخدام السيئ لفضاء التواصل الاجتماعي، فليس من المنتظر أن يحصل خلاف هذا في مجتمع يتدنّى فيه مستوى التعليم والثقافة ويكثر الجهلة والدجّالون والمحتالون والغشاشون وسراق المال العام في مواقع المسؤولية في دولته.
أمر جيد أن تهتم المؤسسة الدينية العليا بأمر الشباب والطلبة والتعليم والثقافة، وأن تعمل على توجيههم الوجهة البنّاءة، بيد أن من اللازم عليها وعلى سائر المؤسسات الاجتماعية تركيز النقد على الطبقة السياسية التي تدير السلطة، فهي المسؤولة عن توظيف موارد البلاد الوفيرة في ما ينفع المجتمع ويحقّق تقدمه، وهذا لا يتحقق في ظلّ طبقة فاسدة حتى النخاع بالطول وبالعرض. لن تُصلح الأحوال في العراق أبداً باستمرار هذه الطبقة في الحكم، فقد جُرّبت على مدى خمس عشرة سنة وثبت عشرات المرّات إنها منصرفة الى فسادها فحسب.