من المغالطات أننا نمارس التغليط على أنفسنا؛ بحيث العَـديد من يعتبر دخول – الموسم الثقافي- لا وجود لـه لأنـه مجرد بدعة منقولة من أوربا . وأغلبية من يدلون بهذا الطرح؛ وهو طرح ذاتي/ ضمني، يربطون دخول الموسم الثقافي كحقيقة ملموسة بمسألة النشر؛ والقصد عندهم النشر( الورقي) الكتب والمنشورات والدوريات والإعلان عنها كتداول ثقافي وإعلامي . ولكن تم تغييب الحضور القوي للنشر الإلكتروني.
وفي تقديري فالموسم الثقافي ليس هو النشر ولا يرتبط به كحجية لنفي الدخول الثقافي كما يراه الغرب؛ بل الموسم الثقافي كل ما يتعلق بفنون القول والآداء وبالتالي يجب أن نؤمن بأن النشر – عندنا – مزاجي وعلائقي؛ بخلاف الفضاء الأوروبي الذي له مؤسسات لها تقاليد راسخة وقائمة الذات في مجال النشر وترويج المنتوج خارج سياق التداول الإعلامي / الإخباري. وهاته الحقيقة تفرض أن نؤمن بانعدام التكافؤ في المؤسسات الثقافية؛ وغياب برمجة سابقة و مضبوطة ومنضبطة للزمن الثقافي والإبداعي، من لدن الساهرين على المجال الثقافي والفني ومن لدن الجمعيات الثقافية نفسها. كل هذا حقيقة ملموسة؛ ولكن مهما حاولنا من تقديم مبررات وتخريجات بلهاء، يبقى أننا تابعين للغرب شكلا وفي جانب منه يلامس سطح الجوهـر. لهـذا فكيف يفسر الذين يعْـدمون وجود علاقة بين الموسم الثقافي عندنا إسوة بالدول المتقدمة ، وزيادة [ ساعة ] عن التوقيت الطبيعي والعادي والقانوني ؛ أليس الأمر فيه – أوروبا – لتكون المصالح الاقتصادية والتجارية متكافئة زمنيا بيننا وبين الغرب؟ وكيف يفسرون إلزامية الدخول المدرسي في بداية شهـر شتنبر كما هو الشأن في الدول المتقدمة بدل شهـر أكتوبر كما كان؟ ربما سيقول قائل : بأن تلك التساؤلات لا علاقة لها بالموسم الثقافي؛ لأن الموسم نفسه ملتبس عندنا . ولكن لماذا العـديد منا يربط بداية الموسم الثقافي في الدول المتقدمة مع البداية الدراسة؟ إذ دخولنا المدرسي ماذا سنسميه وهل يمكن ربطه بالموسم الفلاحي بدل الثقافي حتى نجزم بأننا لا نتوفر على موسم ثقافي وفني؟ وبناء على الانفصام الذي يعيشه (المثقف المغربي) فلما لانجزم بانوجاد موسم ثقافي على شاكلته المغربية ؛ أكيد فيه من الضبابية ما يكفي ! ومن انعـدام أفق اشتغاله بالمنظور الذي يفترض أن يكون عليه البعد الثقافي والفني ! وإن كانت البنى الثقافية جـد هشة، وأغلب المؤسسات الثقافية الآن متصدعة الأركان مما يفقدها القدرة على خلق مظاهر الحدث الثقافي ؛ وفي نفس اللحظة هناك جمعيات تعيش مشاكل عويصة ومستعصية في هياكلها وأعضائها ، فمن البدهي ستؤثر ولقد أثرت على وجودها وسيرورتها. فبالأحرى إسهاماتها في الحقل الثقافي والإبداعي. ورغم ذلك نستشعر بأن هنالك حركية ثقافية سيرها وإيقاعها رهين بوجودنا وفعاليتنا في المشهد الثقافي؛ سواء كفاعلين ( منتج) أو منفعلين ( متلقي/ مستهلك) لآن الثقافة الآن تحمل مفاهيم بديلة عما كان متعارفا عليها ؛ وذلك نتيجة للعديد من المتغيرات والتطورات العالمية تكنولوجيا واقتصاديا وسياسيـا واجتماعيا وبالتالي فالثقافة كبنية عامة أضحت تواجه تحديات لأنها أمست خاضعة للسوق الذي يفرض بقوانينه وضوابطه المنافسة والتنافسية ، من خلال الجودة والكفاءة والفعالية للبقاء في الأسواق ؛ وهـذا التحـدي أعطى لمفهوم الجودة ارتباطا وثيقا بالأداء . ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا
بالابتكار كركيزة أساس نحو الفعل الإبداعي. باعتبارأن مفهوم :الابتكار هو مهارة اختراع الجديد وصنع القيمة الجديدة ؛ وهنا سنكون أمام الانخراط في المجال التجريبي. وهذا لا يتأتى إلا بالابتعاد نسبيا عن الرؤية الضيقة والماضوية للممارسة الثقافية ؛ التي هي من صنيعة الانتهازيين والوصوليين ويمكن أن أشبههم بفقهاء الانغلاق الممسكة بمخيلات الجماهير؛ وذلك من أجل أهدافهم التي لا ترعي المصلحة العامة وأخلاقية الممارسة الإبداعية والثقافية ؛ بحيث أمست مسلكياتهم وتصرفاتهم تنكشف يوما عن يوم و التي أساسا تسيء للثقافة المغربية حتى أمسى غـسيلنا يُنشـر بقـوة واسترسالا في الصحف وكل المواقع العربية وغيرها ! أفظعها للمشهد الثقافي قضية [ اتحاد كتاب المغرب] دونما الدخول في أم المهازل الموسمية : مسألة [الدعم المسرحي] الذي اعتبره العديد أنه ساهم في اغتيال الممارسة المسرحية الفعالة والحقيقية ؛ مما تم إفراغ المسارح شكلا ومضمونا وجمهورا؛ واندفاع البعض لتأسيس النقابات بعد عملية مدبرة لنسف سابقة لإطار غرفة الممثلين، ومن خلالها بدأ التكالب والتلاعب بالمال الـعام ؛ وقضية التغني الاحتراف بدون شروط احترافية واضحة المعالم انطلاقا من الإجراءات القانونية والفنية ؛ مما نلاحظ جمعية تأخذ دعما بصفتها( محترفة) وشاركت وستشارك في مهرجان مسرح الهواة الذي وقعته وزارة الثقافة بشراكة مع الهيئة العربية للمسرح ; ولاسيما أن تلك الشراكة لم يناقشها أحد ؟ لأن الانتهازيين منخرطين كالسرطان هنا وهناك؛ نجدهم في بعض المواقع الثقافية( شكليا) وكأعضاء في الهيئات الاستشارية فيها وفي بعض الدوريات( مراقبين)؛ وفي اللجن وفي التنظيم (حواجز) دونما الحديث عن السرقات الأدبية من الصحف والمواقع الإلكترونية ذات الشأن الثقافي ؛ والسطو على بحوث الطلبة وتحويلها إلى كتب منشورة ؛ كل هذا الفيض من الهنات والسلبيات و(المثقف) لم يعـد يحرك ساكنا إلا من له غيرة وتموقفات نبيلة تجاه الفعل الثقافي بإشراقته العالمة ؛ علما لآ أحد منا له الحق في محاسبة الآخر أو يكون وصيا عليه ؛ بل لنا الحق أن نحاسب اندحار الصرح الثقافي ومن المسؤول عنه سوى صنيعة سلوكيتنا ومسلكياتنا، وبالتالي ألا يمكن أن يكون دخول (هـذا ) الموسم الثقافي، موسما للمكاشفة ومواجهة الانتهازيين والسماسرة ؟؟
ولاغـرو بأن الثقافة والفن تحتاج إجرائيا لمثقفين وفنانين صادقين في حركيتهم وتفاعلاتهم وليس لمرتزقة ومتزلفين !! ممن فقدوا أصلهم ومعدنهم وماء وجهم إلى الأبد ولهم استعداد قبلي / ضمني لبيع أنفسهم قبل غيرهم مقابل فتات الموائد والتقرب للأسياد.
فإن أردنا حقيقة أن يكون هنالك أفــق للموسم الثقافي المغربي ؛ فلا نخجل أو نتوارى حول مواجهة سلبياتنا والحقائق التي دنست الفعل الثقافي؛ وأفسدت المشهد الإبداعي ؟ لأن الوضع الفكري والفني والإبداعي لم يعُـد يستحمل أكثر مما استحمل؟؟ ولهـذا فالأفق الثقافي والفني رهين بأفق اشتغال أهل المجال الذين اجهزوا عليه وعلى أنفسهم؛ نتيجة التسلق و الصعود للسلم بدون أسس ولا درج ، وكـذا الهرولة والتهافت نحْـو الجوائز والسفريات والدعم/ المسرح/ الكتاب/ الجولات/ المعارض/ الأنشطة/…/ وبالتالي استفحل الكذب والتطاول والمناورات والمواربات وعَـدم الصفاء والمواجهة والوضوح وصدق النوايا في المشهد الثقافي ، مما أدى إلى مشاحنات وتشكيل لوبيات تشعر بأنها فاسدة ؛ مما تمارس الإستبلاد والإستغفال والضرب في الكواليس وتحت الحزام بعضهم البعض دون خجل ولا حياء ! مما ابتعَـدنا عن التفعيل الحقيقي للممارسة الثقافية والفكرية والإبداعية . وهذا ليس في صالح مجتمع له مرجعيته الفكرية والثقافية التي توغلت في الجذور التاريخية ولكن في كل موسم نتغافل عن المكاشفة بأساليب حضارية وإقناعية فيما بيننا وبيننا والأطراف المسؤولة عن المجال الثقافي ؛ بعيدا عن المزايدات والإتهامات وممارسة الإقصاء. بسؤال جوهري: ماذا قـدمنا وأضفنا للمشهد الثقافي والإبداعي من إشراقات وقفزات فاعلة حقيقة؟؟