23 ديسمبر، 2024 6:01 ص

فيما يرى النائم

فيما يرى النائم

تراكمت على بعضي لأنام …
وكنت قد شعرت بالغثيان ، وان امعائي مقلوبة…
ورأسي بوجعي ..
ونمت …
حلمت .. فيما يحلم النائم:

إنني كنت أركض خارجاً من حجرات بيتنا التي بدت لي غير منتظمة في بناءها، مبنية بشكل غير نظامي، واحدة بالطول ، والأخرى بالعرض، وابوابها متخالفة وليست بأتجاه واحد.

فواحدة من الغرف ندخلها من هنا، والأخرى ندخلها من هناك ، أبواب لغرف متناثرة هنا وهناك..

وكنت انادي على أحد اولاد أخي:

– هات لي سلاح . اكو فوضى وناس وراء البيت..

كان هدير عجلات.. وزعيق ، وفوضى ، وضجيج أشياء غير مألوفة لي.. لا أعرف ماذا وراء السياج المحيط بدرانا..

كنت أركض لأخرج اليهم.

وكانت حجرات بيتنا قد صارت خلفي في منطقة خفيضة ، وسياج بيتنا ينتصب أمامي بالعرض على سدة ترابية تمتد محيطه بكل البيت يميناً وشمالاً وتمتد السدة الى كل القرية المحيطة ببيتنا ، وأشجار صفصاف كانت تبدو لي عالية من وراء السياج ، تنتصب كثيفة خضراء، متفرعة ، على الساقية الصغيرة التي تجري منذ زمن سحيق بمحاذاة السدة الترابية..

وكنت أهرول بأتجاه الباب العريضة التي تتوسط سياج الدار.

الباب يعلو .. ويبتعد.

أهرول مبعثراً ، أعدل من ثيابي وأنظم من نفسي للخروج ومواجهة خطر العجلات الي أفزعتنا والأشياء والضوضاء التي تتدحرج حول بيتنا..

جاءني ابن اخي بالبندقية ..

رأيت ، انها بندقية غريبة بعض الشيء..

– هاي شنو..

قلت له ، لم يرد عليَّ،

ركضت وأنا احمل البندقية..

الباب تبتعد أكثر عني ..

السياج تعلو اكثر حولي..

صرت في وسط المسافة ، بين حجرات البيت خلفي وقد بدت لي انها اكثر انخفاضاً ، وبين باب الدار الذي يتوسط السياج التي بدت لي أكثر علواً من ذي قبل..

والبندقية الغريبة الشكل بيدي ، فقد كانت لها مقابض معدنية صفراء وفوهتان متلاصقتان , احدى فوهاتها قصيرة والفوهة الثانية اطول من الاخرى.. وكانت لينه تتلوى بيدي ..

– هاي شنو..

لم يرد علي ..

وانا اركض ..

سياج الدار تعلو امامي اكثر ، والباب اكثر علواً ..

أركض .. ولاأصل . .

واركض من جديد ..

قدماي تضربان الارض فتبدو ضربتها واهنة ،

رخوة ،

لاتصل الى الارض بقوة ، ولاتدفعاني الى أمام..

حجرات البيت ابتعدت منخفضة . .

السياج بعيدة ، لم أصل اليها . .

الباب الخارجي اكثر علواً من ذي قبل ، كيف سافتحه اذا وصلت اليه؟

وكيف سأخرج.. ومالذي يحدث خارج الدار، ماهذه الجلبة والاشياء التي هجمت علينا..؟؟!! … هكذا كنت اتساءل مع نفسي..

البندقية لينة في يدي.. تعوج احدى فوهاتها..

ابن اخي واقف على مقربة مني، يلوي بيده ويقول بعض الكلمات.. لا اسمع منه شيئاً، ولا افهم مايقوله..

اهرول باتجاه الباب…

بندقيتي تتلوى بيدي، وتضمحل من بعض اطرافها..

اجهد نفسي للامساك بها ،

وتعديل قامتي،

وتوضيب ملابسي ،

وركضتي . . .

لكني لا افلح بشيء..

يركل الباب من الخارج ، فيشرع مفتوحاً فاغراً جوانبه الى داخل البيت . .

تدخل ضوضاء..

وضجيج ..

وفوضى..

وعجلات..

ورجال..

اعود راكضاً الى الوراء..

أين سأخبئ هذ البندقية..؟

سيمسكون بي مسلحاً. .

اهرب الى الوراء. .

ادخل بين حجرات الدار..

اركن البندقية في زاوية بين حائطين، فبدت لي معوجة..

واخرج بيدين فارغتين..

– ماذا يجري ؟!..

– قلت لأحد الغرباء الداخلين..؟ وقد كان مدججاً بسلاحه موضباً بشكل رشيق يسهل حركة .. ليس مثلي..

يلتقط هذا الغريب حجراً صغيراً ، أو، حصاة ، يرمي بها باب احدى الغرف ، فقلت له:

– لاحاجة .. الباب مفتوحة.

رأيت أبي رحمه الله يأتيني راكضاً وهو يراني واقفاً أمام باب الحجرة ، وقد احتاط بمكاننا الليل . . كان ابي يركض نحونا ، لايميز مايجري في ظلام المكان ، فرأيته رحمه الله بمد يده الى مفتاح الكهرباء لينير ضوء المكان، لكن يده لاتصل الى المفتاح . . .

يمد يده ولاتصل. . .

يمد يده ولاتصل . . .

اختفى ابن اخي من حولي ، ضاع في ظلام المكان…

وبندقيتي المعوجة مخبأة وراء جدران الغرفة البعيدة . .

يكرر أبي رحمه الله محاولة الوصول الى مفتاح ايقاد الضوء . . .

كانت حجرات دارنا مضطربة ، وتتحرك يميناً وشمالاً . .

يلتقط هذا الغريب الواقف حجراً أو حصاة صغيرة من الأرض ،

يرمي بها الى وجهي او جبيني . .

– لاداعي ..

قلت له ،

فكرر مرة اخرى . .

كان ريقي ناشفاً، وحلقي متيبساً . .

وقلبي مملوء بالأسى ، واكاد أسمع وجيبه .

وقد استيقظت فرعاً..

– خير . . اللهم اجعله خير . . الحمد لله كان مجرد حلم . . .

هكذا رأيت فيما يرى النائم.

وصحوت ،

متعباً من حلمي . .

ومما رأيت .

شربت كأس ماء فنزل يبلل ريقي الناشف وحلقي المتيبس . . كانت ابنتي تقطع سكون المكان بصوتها. .

يرتفع ،

وينخفض ،

وهي جالسة تتوسط كتبها ودفاترها على الأريكة المقابلة لمكان نومي ، كانت تقرأ وتتهجي قواعد اللغة العربية :

(( وكان العراقي يؤم السهول والوديان ، ويصعد الجبال ، ويجوب الهضاب والصحاري ، فيجد فيها مؤنته وطعامه ، فهي بلاد سعادة وسؤدد . . يقضي أياماً ملؤها البهجة والسرور، فيبدؤها بأن يمتع عينيه برؤية جناتها، وفؤاده برائحتها، وكأن الله سبحانه قد عوض بها آدم عن فردوسه المفقود، ليؤسس أول حضارات بني آدم…))*

وعدت الى شعوري بالغثيان ، وبأن أمعائي مقلوبة..

ورأسي توجعني..

قبل أن أتراكم على بعضي . . وأتكوم على الفراش لأنام . . اللهم اجعله خير..