18 ديسمبر، 2024 9:02 م

فيلم صوت الجالية العراقية

فيلم صوت الجالية العراقية

وَاسْتَفْزِزْ فيلم قَصَص العابرين، ثيمته غُربة العِراقيّين عُنوَةً، في شتى بقاع الأرض على شتى مشاربهم، مع بَدء الحرب العِراقيَّة الإيرانيَّة وشتاءات الشَّتات في أوطانٍ كريمَةٍ مُتبَنَّياتٍ مُستعارَةٍ وبأسماءٍ مُستعارَةٍ، حذار أوكار عِصابات المُجرم صدّام المُسَمّات بعدَه بالسَّفارات بيوت العِراقيّين التي لا تُعنى بهم لِأنَّ أغلَبهم ليسوا كُردَاً، بعيدَاً عن دِفء رَحِم الوَطَن الاُمّ الرَّحيم، الانتِماء الوَطنيّ الصَّميميّ ذاقَ مرارته في لندن رئيس حكومَة العِراق وطاقمه والَّذي يفتقِده رفاق غُربة الأمس بخلافِ عديميّ الوَلاء للعِراق العَريق مُقرَّبيّ السَّفارَة العِراقيَّة؛ كُرد الانفصالي برزاني خاصَّةً مِنْ خارج شَماليّ العِراق، لتتجسَّد الغُربة المُركّبة المُستطيرَة المُستطيلَة بعُمر الإنسان، حتى وضع الحروب أوزارها بإعلان العِراق النَّصر على داعش للَّذي لَم يعجب حاضِنته برزاني ومُرتزقته مِن عائِدات نِفط العِراق المُهرَّب المنهوب المحرومين مِنه كالأيتام على فُتاتِ موائِد الأوطان بالتَّبني، يتلفتونَ بطرفٍ كسير لا حَميّ ولا حِمَىً ولسان حالِهم يَحار ويُردِّد: “مال الوادِم تتصدَّق علينه واحنه عطايا الخلِق كُلْهه امندينه”!. بعضهُم عادَ جُثمانه بتابوت إلى أجداث الأجداد حيثُ كان ينشد: “يا تُراب الوَطن التــِّـبر ومنار الجُّدود، ها نحنُ جينا”!.

قال المُخرج والمُصور العِراقي «قتيبة الجّنابي» إن فيلمه الوثائقي الأحدث “قَصَص العابرين” مُستخلص مِن مادة فيلمية صوَّرَها بنفسه على مدى 30 عاماً تحمل في طياتها ذكريات وآلام الغُربة التي عاشها مُنذ غادرَ العِراق مطلَع ثمانينات القَرن الماضي وحتى اليوم. ويشارك الجّنابي (مِن جيل الفاجعة 57 عاما) بالفيلم ضِمن مُسابقة المهر الطَّويل في مِهرجان دُبي السّينمي الدّولي بدورته الرّابعة عشرة، وسبق مُشاركته في مِهرجانات عربيَّة وخليجيَّة وأجنبيَّة عديدَة. وعلى مدى 67 دقيقة يسرد الجّنابي بلُغةٍ سينميَّة مُتفردة تجربته الشَّخصية مع الغُربة التي يقول عنها في أحد المقاطع الصَّوتيَّة للفيلم “لا أدري إن كُنتُ اخترتها أم هي التي اختارت أن تسكنني؟”. تسير الأحداث في تسلسل زمني مُنذ عام 1980م عندما بدأت الحرب بين العِراق وإيران فما كان مِن أُمّ قتيبة إلّا أن حثت ابنها على مُغادَرَة البلاد خوفاً مِن أن تفقده كما فقدت والده بسبب الحرب ولَم تعرف مصيره. ومِن العِراق إلى المَجر حيث استقرّ الجّنابي في بودابست لدراسة التصوير الفوتوغرافي والفنون السّينميَّة، وهناك تعمّقت غُربته حيث لَم يكن الرّجوع إلى الوطن خياراً قائما. وإضافة إلى التصوير والإخراج والإنتاج وكتابة السّيناريو يقوم الجّنابي بدور الرّاوي في الفيلم، لكنه لا يتدخل كثيراً بالتعليق الصَّوتي تاركاً المجال للصّور الفوتوغرافيَّة واللَّقطات التي صوَّرها على مدى سنين غربته تتحدَّث عن الرّحلة. ولا يفوت المُشاهد مُنذ اللَّقطات الأُولى مُلاحظة أنّ الجّنابي اختار تسجيل مُعظم لقطاته مِن خلف حاجز زجاجي، يتخذ تارةً شَكل زجاج السّيارة وتارةً أُخرى زجاج شباك قطار، لكنه دوماً حاضر حتى يظن المُتفرج أنّ مَن يقوم بالتصوير حبيس قفص زجاجي لا يملك إلّا كاميرا لتسجيل مُعاناته. كما يظهر تأثر الجّنابي بغياب الأب الذي يظلّ طيفاً مُصاحباً له يزيد ويعمق شعور الفقد في نفسه، فقد الوَلَد للوَطَن الوَثن وفقد الأب والسَّند. المادة المُصورة للفيلم ثريَّة ومليئة بوجوه العابرين الذين مرَّ بهم الجّنابي في رحلته الطَّويلة، وكثير مِنهم له نفس ظروفه إذ خرجوا مُجبَرين مِن أوطانهم ليسكنوا بلاداً غريبة. وقال الجّنابي في نقاش عقب العرض العالَمي الأوَّل للفيلم 9 ك1 بمهرجان دُبي السّينمي الدّولي إنه استخلص المادة المعروضة للفيلم مِن بين مئات ومئات السّاعات التي سجَّلَها على مدار ثلاثة عقود. وأضاف أنّ الكاميرا كانت الرَّفيق في رحلته لِذا حرصَ أن تكون أداة توثيق لكُلّ ما مرَّ به، وكان يعلم أنه ذات يوم سيقدم هذا الفيلم عن شريط حياته. وقال الجّنابي “لم أضع موعداً مُحدَّدَاً لتقديم الفيلم، فقط كنتُ أُصوّر وأُسجّل كُلَّ شيءٍ لكن على مدى العام الماضي وجدَتُ إدارة مِهرجان دبي تتواصل معي وتحثني على الانتهاء مِنه حتى يكون جاهزاً للعرض بهذه الدورَة”. وأضاف “بالتأكيد شعرتُ بالارتياح لأني أنهيت هذا الشَّريط الطَّويل من التصوير والتوثيق لكن في الوَقت ذاته أشعر أنّ عرضه ومُشاركته مع الجُّمهور أمر كبير سيغير كُلّ حياتي”. وُلِدَ الجّنابي في بغداد عام 1960م (حيثُ وُلِدَ في بغداد معاً في ذات العام 1952م رفيقا غُربة الأمس الدُّكتورين رئيسا حكومَة العِراق والمجلِس الأعلى الإسلاميّ حيدَر العبادي وهُمام حمّودي) وأنتجَ وأخرج عددَاً مِن الأفلام القصيرة والوثائقيَّة والبرامج التلفزيَّة التي حازت جوائزَ عِدَّة، ومِن أبرز أعماله الوثائقيَّة “المَحطَّة” و”حياة ساكنة” و”بين الحدود” و”المُراسل البغدادي”. وعن كيفيَّة مُحافظته على هذا الكمّ مِن المادة المُصوَّرَة عبر السّنين دونَ أن تتلف قال الجّنابي “كنتُ شابَّاً صغيراً عندما بدأت هذا المشروع لكني تسلحت بالذكاء، كنتُ دوماً أُحافظ على مادتي الفيلميَّة، وكنتُ عندما أسكن في أيّ حُجرة أو اُؤجّر شقة أبحث عن المكان المُناسب لتخزين النيغاتيف”. وأضاف “هذه المادة الفيلميَّة حياتي، هي أنا، كُلّ ما مررَت به وعشته.. أنا في هذا الفيلم لستُ المُخرج أو المُصوّر بل أنا قتيبة الإنسان”.

المصدر: Middle East Online

https://www.youtube.com/watch?v=lP4bLY1bMIM