23 ديسمبر، 2024 9:48 ص

فيزياء الحزن

فيزياء الحزن

الدموع هي الوسيلة التي نستفرغ بها الاضطراب الناشئ عن عواطفٍ تملّكتنا لموقفٍ ما ، وحينذاك سنجد الراحة النفسية او الجسدية . ان تلك الوسيلة – رغم بساطتها وفطرتها فينا – لكنّها تستبطن عالما من الفيزياء ، نعم عالم من فيزياء الطاقة ! ، قد نتفاجئ حين نعلم انه سبيلنا للارتباط بالآخرين ، او وسيلتنا للدفاع عن باطننا من هجمات خفية .
هذه المرة لن ابدأ بعرض الأدلة او أسهب في شرح الاستدلالات ، لكن سأبدأ بالنتيجة ، فالنفس الانسانية ليست جرما صغيرا ، بل فيها انطوى العالم الأكبر ، كما عبّر سيد الخلق بعد رسول الله . وترتبط نفوسنا بما يحيطها من مخلوقات او تكوينات عبر الجسر السرمدي ( الطاقة ) ، فلا يوجد ما يخلو منه او من حقل الطاقة ، بل ان ما تراه الفيزياء الحديثة هو ان الطاقة هي ذاتها من ستربطنا بعوالم اخرى في ابعاد مختلفة .
والطاقة تخضع – حسب قانونها E = hv  – لتأثيرين أساسيين هما ثابت بلانك والتردد ، ولان ثابت بلانك h مقدار محدد يمثل اصغر وحدة للشغل ، فالتأثير الأهم هو للتردد v . والتردد هو الاهتزاز الذي تعانيه تلك المكونات الطاقية حول نقطة ثابتة ، حيث يزداد او يقل وفقا لتغيّر حالة المصدر ، وبالنتيجة هو يؤثر في الحالة مرة اخرى ، حين يعود محمّلا بتأثيرات المحيط الطاقي المجاور ، سلبا او ايجابا ، حيث تتفاعل تلك الطاقة مع شبيهتها في المحيط .
وبزيادة او انخفاض تردد الطاقة فينا او منّا سنحتاج الى معادل وموازن يعيدها الى ما كانت عليه او الى ( فطرتها ) ، او يسمح بالوصول الى ترددات طاقية نافعة ، ولذلك أساليب من الداخل او الخارج ، وأسهل ما سنجده حينها هي تلك الدموع الصادقة .
وفي الغالب نذرف الدموع خوفا او تمنيّاً ، وكلاهما يكونان وليدين للأنانية والفردية لدى الانسان ، وبالتالي لن يكون لتلك الدموع ما يكون للدموع السامية ، التي تنعكس عن تأثرنا بموقف نبيل او المصاب الذي يقع في أناس طيبين .
زبدة العلوم الحديثة هي الفيزياء ، وزبدة الفيزياء كانت متمثّلة في نظريتي ( ألكم ) و ( النسبية ) ، والثانية هي التي جعلت لأينشتاين اسما عالميا شبيها بما في الأساطير ، وهاتان النظريتان تم توحيدهما في نظرية لها خمسة صور رياضية ، هي نظرية ( الاوتار الفائقة ) ، والتي تم اختزال صورها الخمسة في لوحة واحدة من قبل الفيزيائي ( أد ويتن ) سماها ( النظرية M ) ، أخذت على عاتقها تفسير كل شيء في الكون ، ما دون الذرة وحتى المجرات الكبرى ، لتعانق في طريقها نظرية ( الانفجار الكبير ) التي تفسر بداية فتق الكون .
افترضت النظريات أعلاه في النهاية ان الأساس في وجودنا – عند المستويات دون الذرية المتناهية في الصغر – هي حلقات الطاقة الوترية ، المفتوحة او المغلقة ، والتي تتراقص بترددات معينة لتشكل كوناً محددا ، وهي ذاتها ربما من يحافظ على نسيج الفضاء من التمزق ، ذلك النسيج الزمكاني .
انتهت التنظيرات التي تحدثت عن النظرية الموحدة m الى افتراض وجود عوالم متعددة ، سمتها ( الأكوان المتوازية ) ، والتي سيكون لكل منها قوانين خاصة ، ومشهد من الطاقة مختلف . لكن الافتراض المهم ان هذه العوالم متقاربة الى ما يشبه الاندماج ، وتكون فيها الكائنات في مكان واحد وزمان واحد ، لكن في بعدين فيزيائيين او اكثر . الرابطة التي يُحتمل اختراقها لكل تلك العوالم هي الطاقة ، والمرشح الأكبر لتلك المهمة هي الجاذبية ، وهذا ما يفسر ضعفها في كوننا على الأقل كما يفترضون .
اذا ثبت فعلا ان هناك كائنات عاقلة في ابعاد اخرى وكانت تسبقنا وجودا بنحو قرن من الزمان فهي حينها ستكون قادرة على التأثير فينا ربما بما لا ندرك ، من خلال تطويرها لتكنولوجيا خاصة بها ، او من خلال حقل الطاقة المشترك بيننا ، وذلك القرن يمثل الفترة الزمنية التي انتقلنا فيها كبشر من مستوى تطبيقات قوانين نيوتن البسيطة الى مستوى قوانين ألكم المعقدة تكنلوجيا ، وبذلك فَلَو كانت تلك الحضارات في ابعاد اخرى تسبقنا بالاف من السنين سيكون تصور ما تملك من تقنية أمرا مرعبا .
ان هذه المقدمة العلمية كانت ضرورية لمعرفة تأثيرات العوامل النفسية والذهنية على ما نعيشه من اعتقادات ، وبالعكس . وهي ضرورية ايضا لأدراك أهمية الكثير من الطقوس التي امرت بأدائها الأديان السماوية دون ان يكون للإنسان وعي كامل بغاياتها الباطنية . من المهم ان نعرف اذا كنّا فعلا عرضة لتأثيرات تلك العوالم ، وما هي الاليات التي تُستخدم ضدّنا ، وهل هناك من وسائل دفاع عن النفس . فربما يكتشف العلم ذلك الامر متأخرا ، وهو يسير بطيئا نسبيا ، لكنّنا – كمؤمنين على الأقل – نعتقد ان الله خالقنا لن يتركنا لجهلنا ، وهو من تكفّل توفير اليات الدفاع عن بني الانسان ، وترك لهم معرفة الحقيقة تدريجيا .
ان هذا الكون المتناسق والمتضمن لتعقيدات ذكية ، لا يمكن لنا الا ان نتصور مصمما ذكيا اوجده ، ولذلك الامر استدلالاته وحججه المنطقية العقلية ، ودلائله الأنفسية والافاقية . والعقل يحكم بان الاله الذي يوجد الموجودات لن يتركها لجهلها ، والّا كان العدم أفضل من عبثيته ، وتعالى الله عن ذلك عُلُوًّا كبيرا . فكان من اللازم عقلا الإيمان بالرسالات الإلهية ، والتي فتحت للإنسان آفاق المعرفة ، ودلّته على مفاتيح العلوم ، مع مراعاة تدرجه العقلي والحضاري ، بما يكفل تحقيق الغاية من وجوده في كل زمان . لذلك تضمنت تلك الرسالات شرائعا تنظم الحياة المدنية الظاهرية للإنسان ، وطقوسا تنظم الحياة الباطنية والمعنوية له .
من تلك الطقوس التي تضمنتها الرسالات السماوية الدعاء والبكاء والحضور الى الأماكن المقدسة في ازمنة خاصة . وهي نافعة في تربية الانسان ، ويكفي ظاهرها في إعادته الى جادة الصواب وتوفير الاتزان وتهذيب النفس ، ليتحصل اخيراً مجتمع منضبط ، خارج من حد البهيمية الى حد الانسانية الرسالية .
لكن كان هناك – بحسب تلك الرسالات – كائنات اخرى بعيدة عن الانضباط ، ومتكبرة الى حد حبّ السيطرة والاستحواذ على الآخرين ، وتشعر بالحقد على من يذكرها بأنها طاغية جبّارة ، او يرفض الاستجابة لأطماعها ، فتعمل على إيذائه ماديا ومعنويا .
ان الأديان سمّت تلك المخلوقات السيئة بالشياطين ، فيما سمّت المخلوقات الخيّرة بالملائكة . ولن نناقش في تفاصيل حقيقة تلك المخلوقات ، لأننا – كمؤمنين – نعتقد بوجودها من جهة ، ولان العلوم المعاصرة تسير باتجاه الاعتراف بوجودها من جهة اخرى ، بل ان هناك مشاريعا للبحث عن كائنات ذكية فعلا تقودها مؤسسات بحثية دولية .
البحث ليس موجها لمناقشة تلك المخلوقات في ابعاد اخرى ، بل هو يبحث في تأثيراتها ، واليات ذلك التأثير ، ونتائجه ، والسبل التي وفرتها الأديان للتعامل مع تلك التأثيرات بما يحقق النفع لبني الانسان .
وبما ان الطاقة هي الطريق المفترض للربط بين جميع هذه العوالم ، والطاقة تخضع لمستوى التردد ، فان الالية المُحتملة لاختراق الانسان والنفوذ الى أعماقه ستكون عبر التلاعب بتردداته الطاقية ، التي تتحول الى شعور ، ومن ثم الى سلوك .
يقسّم الشهيد الصدر قدس سره في كتابه ( ما وراء الفقه ) عوالم الطاقة الى :
١ – عالم الملكوت
٢ – العالم الأوسط
٣ – عالم الدنيا ( العالم الطبيعي )
ويشير الى سيطرة كل عالم على ما دونه من العوالم ، خضوعا لتكوين تلك العوالم وطاقاتها ، ويشرح كيف يسعى الانسان الى الارتباط بأحد هذه العوالم ، وفقا لنواياه ، فيبحث الظلاميون عن العالم الأوسط – لقربه – ، فيما يبحث العارفون عن العالم الأعلى – لسموّه – ، وبالتالي الاتصال بطاقة اعلى ، تسمح لكل منهم ان يبلغ غاياته الباطنية .
ورغم ان هذه الرؤية دينية الا انها ممكنة ، وفقا لمعطيات الفيزياء الحديثة ، ولا اقل من احتمال وجودها ، ومن هنا لا مانع علمي من صحة هذه الرؤية .
ان الالية التي يوّضحها الاستقراء الأولي للظواهر المرتبطة بالعوالم البعدية الاخرى هي التأثير في ترددات الطاقة لدى الانسان . ويشير علم النفس وعلوم الطاقة الخفية الى وجود بوّابات نفسية تسمح بالخضوع لهذا التأثير ، من أهمها الخوف والحزن والاضطراب وغيرها من الأعراض الانسانية .
يذكر الساحر السوداني التائب ( حامد آدم ) كيف كان لعامل ( الخوف ) أهمية كبرى حين أراد منه أساتذته التواصل مع العوالم الاخرى ، وكيف قامت المخلوقات في تلك العوالم باستغلال الأشياء الصغيرة التي يخافها وتضخيمها وتكرار مشاهدها للتأثير فيه .
وعامل الخوف هو ذاته ما وجدت له أهمية في الطقوس الكبّالية السحرية اليوم ، والتي تستخدمها الحركة الماسونية العالمية عند استقبال عناصر جديدة فيها . ولان هذه الحركة وريثة – بشريعتها – للطقوس الفرعونية فقد كان لذكر عامل الخوف في القران ما يبرره في قصة موسى عليه السلام في القران الكريم ، مقرونا بالاهتزاز والجان .
لقد كان موسى عليه السلام مطلعا على خوارق العصر الفرعوني ، لكنه لم يكن بعد مدركا لأسس مواجهة الممارسات السحرية الفرعونية ، غير ان الله عزّ وجلّ أعطى لموسى الدرس الاول في تلك المواجهة بما لا يحتاج الى بيان :
( وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ)
وقال أيضاً: (وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآَمِنِينَ) .
( لا تخف ) هي السلاح الاول في هذه المعركة ، فالقضية مبنية على الترددات الاهتزازية ، وهو ما يعرف موسى وجوده حين تربّى في كنف الحضارة الفرعونية المتواصلة مع العوالم الاخرى عبر الممارسات والطقوس الكبّالية ، لكنه لم يكن يعرف ابعاد المواجهة التي تتجاوز الظواهر الطبيعية ، فكان للدرس الاول ان يعيد لموسى المبادرة .
تلك الحضارة في البعد الاخر والتي سبقتنا في التقدم والتطور يمكنها ان تؤثر فينا حين نعطيها الفرصة ( إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ) ، لانها لا تملك ان تخترق العوالم الاخرى دون وجود مستقبلات في تلك العوالم تسمح لها بالنفوذ . ( فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ ) .
وليس ذلك السلطان بالقوي ( إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ) ، فهذه المخلوقات ليست لها القدرة المادية للسيطرة على بقية الكائنات ( وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ ) ، نعم انه ليس سوى الاستفزاز عبر ترددات صوتية ، تعمل على تغيير الترددات الطاقية البشرية واضطرابها ، حتى تصل بها الى ما يشبه الغليان ( أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) ، والازّ حسب بعض القواميس هو الغليان ، حيث ترفع تلك الترددات من طاقته الى مستويات غير صحية ، فيعاني الانسان ضياعا فكريا وتشتتا ذهنيا لا اكثر ( وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ) ، نعم العلاج في العودة الى الحقل الالهي للطاقة ومن ثم الرجوع الى الوعي .
ان التأثير الأولي للوسائل الشيطانية لا يسمح بأكثر من التواصل ، لكنه يتضاعف حين يتم التفاعل معه ، ويكون خطرا حين يوّفر الانسان بوّابات طاقية مناسبة لعبور ما هو اكبر من الطاقة السلبية القادمة من العالم الاخر .
بالمقابل كان للرحمة الإلهية ان توفّر للإنسان منفذين للهروب من هذا التأثير السلبي لشياطين الجن والانس :
المنفذ الاول – يتمثل في الملائكة ، الذين جعلهم الله قوانين تتحكم في مجريات الكون . حيث ربط وجودهم بالعرش ، والعرش هو أصل كل شيء إنار بنور الله .
قال أمير المؤمنين عليه السلام: ( إن العرش خلقه الله تعالى من أنوار أربعة: نور أحمر، منه احمرت الحمرة، ونور أخضر منه اخضرت الخضرة، ونور أصفر منه اصفرت الصفرة، ونور أبيض منه [ابيض] البياض، وهو العلم الذي حمله الله الحملة وذلك نور من عظمته، فبعظمته ونوره أبصر قلوب المؤمنين، وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون، وبعظمته ونوره ابتغى من في السماوات والأرض من جميع خلائقه إليه الوسيلة، بالأعمال المختلفة والأديان المشتبهة، فكل محمول يحمله الله بنوره وعظمته وقدرته لا يستطيع لنفسه ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً، فكل شيء محمول والله تبارك وتعالى الممسك لهما أن تزولا والمحيط بهما من شيء، وهو حياة كل شيء ونور كل شيء، سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً ) .
والعرش هو المقترن بتدبير الامر ، حيث يقول تعالى ( ان ربكم الله الذي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والارضَ في ستةِ ايامٍ ثمّ استوى على العرش يُدبّرُ الامرَ ) . وقرن الله تعالى عمل الملائكة بتدبير الامر ، وقد أشار جلّ جلاله الى ذلك حين قال ( فالمقسمات أمرا ) ، حيث قال صاحب تفسير ( الميزان ) : ( وقوله : ( فالمقسمات أمرا ) عطف على ما سبقه وإقسام بالملائكة الذين يعملون بأمره فيقسمونه باختلاف مقاماتهم فان امر ذي العرش بالخلق والتدبير واحد فإذا حمله طائفة من الملائكة على اختلاف أعمالهم انشعب الامر وتقسم بتقسمهم ثم اذا حمله طائفة هي دون الطائفة الاولى تقسم ثانيا بتقسمهم وهكذا حتى ينتهي الى الملائكة المباشرين للحوادث الكونية الجزئية فينقسم بانقسامها ويتكثر بتكثرها ) .
ويمكن ادراج قوله تعالى ( فالمدبرات أمرا ) في هذا المعنى ، حيث ذكر صاحب الميزان انها في الملائكة ايضا ، ( تَنَزَّل الملائكة والروح فيها باْذن ربهم من كلّ امر ) .
وَمِمَّا يؤيد هذا الدور العملي في الخلق للملائكة ان الله تعالى جعل انقضاء الامر مقرونا بهم ، حيث قال تعالى ( ما نُنزّلُ الملائكةَ الا بالحقِّ وما كانوا إذاً مُنظَرين ) ، و قال ايضا جلّ شأنه ( يوم يَرَوْن الملائكةَ لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا ) ، و ( ويوم تشقق السماءُ بالغمام ونُزّلَ الملائكةُ تنزيلا ) ، و ( هل ينظرون الا ان يأتيهم الله في ظُلَلٍ من الغمامِ والملائكةُ وقُضِيَ الامر والى الله تُرجعُ الأمور ) .
ومن لطيف التعبير القراني الجامع بين مراد البحث هنا وبين عمل الملائكة هو قوله تعالى ( له مُعقّبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من امر الله إِنّ اللَّهَ لا يغيّر ما بقومٍ حتى يغيّروا ما بأنفسهم وإذا أراد اللهُ بقومٍ سوءاً فلا مَردّ له وما لهم من دونه من وال ) ، حيث جمعت الآية ما نريد من كون الملائكة يعملون كقوانين تحفظ الانسان من الأوامر الكونية لله ، طالما ارتبطت نفس الانسان بأولئك الملائكة ، لكنه حين يقطع ارتباطه بهم – بمعاصيه وخروجه عن حقلهم الإيجابي – يخلّون بينه وبين تلك الأوامر الكونية .
اما المنفذ الثاني – فيكون عندما يلتزم الانسان طقوسا معينة امرت بها الأديان السماوية . ومن هذه الطقوس ما يساوق الفطرة النقية ، من خلال السماح بانطلاق المشاعر النبيلة ، كالتفاعل مع القضايا الانسانية ومع المواقف التضحوية ، فيعيش الانسان حالة من الحزن ، تتخللها الدموع النقية الصادقة ، وعندها يتغير تردد الطاقة عند الانسان بما يوازي ترددات الفطرة ، بعد ان اصاب ذلك المستوى من التردد تغييرات بفعل الخلود الى الارض والانفعال الناشئ عن الدنيويات .
كما ان هناك طقوسا مهمة اخرى تعمل عمل ذلك التفاعل النبيل ، كالدعاء والحضور بين يدي النور الالهي ، حيث الفيض والاطمئنان . وهناك ايضا التوجه الى الأماكن التي تم الاتفاق على تسميتها ( المقدسة ) اجتماعيا ودينيا ، لكنها في الحقيقة تكون ربما مركزا لاستقبال الفيوضات السماوية ، التي تعمل على اعادة ترتيب حقل الطاقة الخاص بالانسان ، من خلال تفاعله مع حقل الطاقة الأكبر في تلك الأماكن المقدسة ، لان القدسية – وان كانت ناشئة لكرامة من في تلك الأماكن – الا انها تكون في نفعيتها مرتبطة بمصلحة الانسان ككل العبادات والطقوس .
كذلك اشارت الأديان الى ازمنة خاصة لأداء بعض الطقوس ، التي من شأنها اعادة المعادلة الطاقية لدى الانسان ، كيوم عرفة ، الذي يلفت النظر فيه ويعطينا بعض المؤيدات لما جاء في عموم البحث انه يتم الدعاء فيه تحت السماء المكشوفة وعلى مرتفع من الارض وبخشوع تخضع له النفس .
ومن الطقوس التي تجتمع فيها المنافذ الملكوتية والأرضية جميعا تلك المتمثّلة في اعمال عاشوراء الحسين بن علي عليه السلام ، من حزن وبكاء ومسير الى قبره الشريف ، حيث ترتقي المشاعر نحو مصدر الفيض ، في نبل يريد مكافاة نبل التضحية الحسينية ، فتسمو القلوب ، وتسيل الدموع ، ويبادر الناس الى الإيثار ، ومن ثم الى الطقس الأكبر بالمسير الملكوتي ، الذي تفيض عنه طاقة إيجابية كبيرة جدا ، تتناسب طرديا مع ألكم الهائل للزوار السائرين . وحين تصل هذه الجموع بتلك المشاعر السامية والغاية النبيلة الى المرقد الطاهر للحسين عليه السلام يحدث الفيض ، حين تتبادل اجسامهم الطاقة مع الطاقة الكونية المركزة عند ذلك الضريح النوراني ، ليتشكل حقل من الطاقة الإيجابية .
تلك الطاقة الإيجابية الناشئة عن هذا التبادل الطاقي كفيلة بإعادة موازنة الترددات البشرية ، ومن ثم هي قادرة ان تكون سببا في الشفاء والنقاء وردّ كيد الشياطين .
لذلك عملت وتعمل القوى الظلامية الشيطانية على منع تلك المسيرة الربانية ، وعلى هدم الأضرحة المقدسة ، بكل ما أوتيت من قوة ومكر وخبث ، تنفيذا لأماني ابليس عليه لعنة الله .
( عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر  قال: كان علي بن الحسين  يقول: أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين  حتى تسيل على خديه بوأه الله بها غرفا يسكنها أحقابا ، وأيما مؤمن دمعت عيناه حتى تسيل على خده فيما مسنا من الاذى من عدونا في الدنيا بوأه الله مبوأ صدق ، وأيما مؤمن مسه أذى فينا فدمعت عيناه حتى تسيل على خده من مضاضة ما أُوذي فينا ، صرف الله عن وجهه الاذى وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار. ) .
لكن – وحتى نعيش الواقع الفيزيائي – لن تكون هذه المسيرة منتجة بشكل إيجابي كافٍ الا حين تكون الجموع البشرية ذاتها إيجابية ، بمعنى ان تكون سامية نبيلة ، تسير رغبة في الله ، بعيدة عن المعاصي التي تنتج حقلا من الطاقة السلبية .
كما ان الطقوس الخاصة بعاشوراء الحسين يجب ان تكون خاضعة لتعاليم المعصومين عليهم السلام ، ولا يصح ادخال مظاهر وافدة عليها ، لان بعض تلك المظاهر ربما ستؤثر سلبا في الترددات البشرية ، بفعل عامل الخوف او الاضطراب او الاستعراض ، كظواهر ( التطبير ) و ( المشي على الجمر ) ، التي تتسبب بترددات سلبية كبيرة ، يجهل القائمون عليها تأثيرها وابعادها ، تحت قناعة المواساة لأهل البيت ، حيث يحسبون انهم يحسنون صنعا ! .
لقد ورد في الروايات ما يشير الى كون مرقد الحسين منفذا للفيوضات السماوية ، والتي ستكون على شكل طاقة كاحتمال قريب جدا . ( عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبدالله  قال: ما بين قبر الحسين  إلى السماء مختلف الملائكة ) ، وعنه  ( عن أبي عبدالله  قال: موضع قبر أبي عبدالله الحسين  منذ يوم دفن فيه روضة من رياض الجنة ) ، وعنه ( قال : وقال : موضع قبر الحسين  ترعة من ترع الجنة ) ، و عن داود الرقي ( قال: سمعت أبا عبدالله  يقول: ما خلق الله خلقا أكثر من الملائكة ، وإنه لينزل من السماء كل مساء سبعون ألف ملك يطوفون بالبيت ليلهم حتى إذا طلع الفجر انصرفوا إلى قبر النبي  فسلموا عليه ، ثم يأتون قبر أمير المؤمنين علي  فيسلمون عليه ، ثم يأتون قبر الحسن فيسلمون عليه ، ثم يأتون قبر الحسين  فيسلمون عليه ، ثم يعرجون إلى السماء قبل أن تطلع الشمس ، ثم تنزل ملائكة النهار سبعون ألف ملك فيطوفون بالبيت الحرام نهارهم حتى إذا دنت الشمس للغروب انصرفوا إلى قبر رسول الله  فيسلمون عليه ، ثم يأتون قبر أمير المؤمنين  فيسلمون عليه ، ثم يأتون قبر الحسن فيسلمون عليه ، ثم يأتون قبر الحسين  فيسلمون عليه ، ثم يعرجون إلى السماء قبل أن تغيب الشمس. ) .
ان الفيض السماوي عند الحسين بن علي عليه السلام هو مما تواترت في حقيقته الروايات ، ولا اشكّ ان لزائريه العارفين بحقّه من النفع ما لا يعلمون ، فقد ورد عنهم عليهم السلام : ( عن عتيبة بياع القصب ، عن أبي عبدالله  قال: من أتى قبر الحسين  عارفا بحقه ، كتبه الله في أعلى عليين. ) ، ومعرفة حقّه شرط حصول ذلك التوافق في الحقل الإيجابي للفيض .
ومن تلك الروايات :
( عن إسحاق بن عمار قال: سمعت أبا عبدالله  يقول: ليس شيء في السماوات إلا وهم يسألون الله أن يؤذن لهم في زيارة الحسين  ، ففوج ينزل وفوج يعرج. ) .
( عن داود الرقي قال: سمعت أبا عبدالله  يقول: ما خلق الله خلقا أكثر من الملائكة ، وإنه لينزل من السماء كل مساء سبعون ألف ملك يطوفون بالبيت ليلهم حتى إذا طلع الفجر انصرفوا إلى قبر النبي  فسلموا عليه ، ثم يأتون قبر أمير المؤمنين علي  فيسلمون عليه ، ثم يأتون قبر الحسن فيسلمون عليه ، ثم يأتون قبر الحسين  فيسلمون عليه ، ثم يعرجون إلى السماء قبل أن تطلع الشمس ، ثم تنزل ملائكة النهار سبعون ألف ملك فيطوفون بالبيت الحرام نهارهم حتى إذا دنت الشمس للغروب انصرفوا إلى قبر رسول الله  فيسلمون عليه ، ثم يأتون قبر أمير المؤمنين  فيسلمون عليه ، ثم يأتون قبر الحسن فيسلمون عليه ، ثم يأتون قبر الحسين  فيسلمون عليه ، ثم يعرجون إلى السماء قبل أن تغيب الشمس. ) . ونلاحظ في هذه الرواية كيف ان هناك ربطا لا نراه بأعيننا بين تلك الأماكن المقدسة ، لكنه حقيقة تنشأ عن وجود قوانين ( ملائكية ) في عوالمها الخاصة .
( عن ربعي بن عبدالله قال: قلت لأبي عبدالله  بالمدينة أين قبور الشهداء؟.. فقال: أليس أفضل الشهداء عندكم الحسين ؟.. أما والذي نفسي بيده إن حول قبره أربعة آلاف ملك شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة. ) . وفي هذه الرواية نجد ان للفيض السماوي عند الحائر الحسيني خصوصية وبعدا مميزا .
ومن الروايات التي تربط بين الترددات الخاصة بالطاقة المتولدة من الانسان وبين حدوث الفيض تلك التي تتحدث عن الشعور والإحساس الداخلي لزائر الحسين عليه السلام : ( عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر  قال: لو يعلم الناس ما في زيارة الحسين  من الفضل لماتوا شوقا ، وتقطعت أنفسهم عليه حسرات ، قلت: وما فيه؟.. قال: من زاره تشوقا إليه كتب الله له ألف حجة متقبلة ، وألف عمرة مبرورة ، وأجر ألف شهيد من شهداء بدر ، وأجر ألف صائم ، وثواب ألف صدقة مقبولة ، وثواب ألف نسمة أريد بها وجه الله ، ولم يزل محفوظا … الحديث. وفيه ثواب جزيل ، وفي آخره: أنه ينادي مناد: هؤلاء زوار الحسين شوقا إليه. ) .
وشبيهة للرواية السابقة في المعنى المرتبط بالبحث : ( عن عبدالله بن ميمون ، عن أبي عبدالله  قال: قلت له: ما لمن زار قبر الحسين  عارفاً بحقه غير مستكبر ولا مستنكف؟.. قال: يكتب له ألف حجة مقبولة وألف عمرة مقبولة ، وإن كان شقيا كتب سعيدا ، ولم يزل يخوض في رحمة الله. ) .
ومن الروايات التي تحدثت عن العلاقة بين زيارة الحسين عليه السلام وبين مصدر الفيض الاول ( العرش ) :
( عن زيد الشحام ، عن جعفر بن محمد  قال: من زار الحسين  ليلة النصف من شعبان غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، ومن زاره يوم عرفة كتب الله له ألف حجة متقبلة وألف عمرة مبرورة ، ومن زاره يوم عاشورا فكأنما زار الله فوق عرشه. ) . و عنه ( عن أبي عبدالله  قال: من زار قبر أبي عبدالله  يوم عاشوراء عارفا بحقه ، كان كمن زار الله تعالى في عرشه. ) .
اما البكاء على الحسين ومصاب أهل بيته واصحابه فلا يقلّ في تأثيره البعدي عن الذي ذكرناه لزيارته ، فقد ورد عن محمد بن مسلم  ( عن أبي جعفر  قال: كان علي بن الحسين  يقول: أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين  حتى تسيل على خديه بوأه الله بها غرفا يسكنها أحقابا ، وأيما مؤمن دمعت عيناه حتى تسيل على خده فيما مسنا من الاذى من عدونا في الدنيا بوأه الله مبوأ صدق ، وأيما مؤمن مسه أذى فينا فدمعت عيناه حتى تسيل على خده من مضاضة ما أُوذي فينا ، صرف الله عن وجهه الاذى وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار. ) .
ويبقى الان التساؤل المهم : هل ان لزيارة الحسين عليه السلام تأثيرا ماديا – على الجسد – ، وهل يمكن ان يكون لتلك الظواهر التي تُسمَّى ( الكرامات ) – من شفاء المرضى وقضاء الحاجات المادية – حقيقة وواقعية ؟
والجواب – بحسب الروايات الواردة عن المعصومين عليهم السلام – هو بالإيجاب والإمكان . فقد ورد ما مضمونه :
( عن داود الرقي قال: سمعت أبا عبدالله جعفر بن محمد وأبا الحسن موسى بن جعفر ، وأبا الحسن علي بن موسى  يقولون: من أتى قبر الحسين بن علي  بعرفة ، قلبه الله ثلج الوجه ) .
و ( عن عبد الملك الخثعمي ، عن أبي عبدالله  قال: لا تدع زيارة الحسين بن علي  ومر أصحابك بذلك يمد الله في عمرك ، ويزيد في رزقك ، ويحييك الله سعيداً ، ولا تموت إلا شهيداً ، ويكتبك سعيدا. ) .
و ( عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر  قال : مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين  فإن إتيانه يزيد في الرزق ، ويمد في العمر ، ويدفع مدافع السوء ، وإتيانه مفترض على كل مؤمن يقر له بالامامة من الله. ) .
وكما ذكرنا ان هذا المعنى للأثر المادي من زيارة الحسين بن علي عليه السلام كان بحسب النصوص الروائية الدينية ، اما علميا فذلك ممكن ايضا ، ولا مانع منه اذا كان للأفكار التي طرحها البحث حول الطاقة من اثر واقعي ، بحسب المعادلة الشهيرة لأينشتاين حول الطاقة :
E = mc*2
اي ان الطاقة E = الكتلة m مضروبة في مربع سرعة الضوء c
حيث ان سرعة الضوء ثابتة لذلك فان التغيّر في الطاقة سوف يحدث تغيّرا في الكتلة .
وبين ( الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) و ( وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ ) هناك مساحة للاختيار .
… ان هذا البحث رؤية شخصية لما خلف الطقس الديني ، تستمد وجودها من القران ، وتستند الى العلوم الحديثة في استدلالاتها ، لذلك هو قابل لان يكون الحقيقة ، وكذلك لان يكون بعيدا عن الواقع البعدي ، لكن حتى الان لا ارى ما يمنع من صدقه دينيا او علميا .