اصبح التخندق الطائفي سمة للإنقسام المجتمعي البغيض في غالبية الدول العربية والإسلامية ،وقد حل كقضية جوهرية ينقسم الجمهور حول ضفتيه سياسيا وثقافيا ومذهبيا .
فيروس الطائفية أنتج في مجتمعاتنا المصابة بفقر الدم الثقافي شتى انواع التعصب والعنف الإجرامي، واطلق أوامر الدخول القسري لحمامات دم زبائنها ضحايا أبرياء ولدوا ليجدوا أنفسهم في هذا الدين أو الطائفة دون أختيارهم ، لكنهم يقتطفوا من الشوارع والساحات ليكونوا بضاعة الجثث المجهولة في مسلسل النكبات المعلومة ..!؟
التخندق الطائفي عنصر إضافي لتخلفنا وابعادنا عن التقدم والبناء والمشاركة المنتجة بالحوار الحضاري ، ناهيك عن استنزاف العاطفة الوطنية والتمزق الإجتماعي ، وانسكاب الدموع والويلات الناجمة عن الصراعات الدموية الغبية .
هذا البؤس نعيشه في العراق منذ عشر سنوات ، كما تتنقل على حافات سكاكينه الحادة كل من سوريا ولبنان والبحرين واليمن ،وانفاقه المعتمة الضاجة برائحة التكفير وشهقات الموت ،باتت ترفع حواجزها لدخول السعودية وايران وتركياوغيرها من دول التنوع الطائفي .
مرارة الواقع تجعل اكثرية الجمهور الخاسر يتطلع لإنموذج نظام الدولة العلمانية الذي انتهجه مصطفى اتاتورك في تركيا الإسلامية ، علمانية انهت تاريخ طويل من الصراع الديني والمذهبي، لتأتي بالسلام المجتمعي بدلاعن العنف والإختلاف القاتل، ووضعت تركيا على سكة التطورالأوربي .
الأنظمة السياسية في الدول العربيةغير قادرة على تبني منهجية الدولة العلمانية ،لأن صاحب السلطة في بلادنا العربية من الملك الى الرئيس الى الأمير ، يكون أميراّ للمؤمنين في واحدة من أطوار حياته بعد رحلة طويلة من الكفر..! وكثيرا مايحتاج المؤسسة الدينية الإسلامية المدجنة في سياق تثبيت سلطاته واضفاء شرعية زائفة عليها .
أطفاء نيران الأزمة الطائفية المشتعلة وثقافتها العدوانية المتنامية ، أجدها تقع في صلب واجبات المرجعيات الإسلامية ،بعد فشل الحكومات في ذلك، من هنا أوجه النداء لمرجعية النجف الأشرف بتبني الدعوة لمؤتمر إسلامي عام وشامل لمكافحة الخلافات والصراعات الطائفية .
مؤتمر تدعى له الهيئات والحوزات والمؤسسات الإسلامية الفاعلة في السعودية وايران ومصر وتركيا ولبنان ، لإتخاذ قرار بإيقاف نزيف الدماء طائفيا، والإتفاق على تجميد الحرب الإعلامية التي تخوضها فضائيات الطوائف بإندفاعات مخجلة ،وايجاد مشتركات اسلامية تعمق فكر الإعتدال والتعايش ،وتتجنب كل مايورد الخلاف والبغضاء.
المتابع للمواقف والبيانات الصادرة عن كبرى المرجعيات الإسلامية في إدانة سلوك داعش الإجرامي وفكرها المنحرف ، يجد اتفاقاّ بين كافة المرجعيات السنّية والشيعية التي تخضع لها الجماهير من المحيط الى الخليج ، وهو ماأراه مدخلا لبدء الإتفاق على ماهو أعمق ويكتب السلامة للجميع ويعلق أوسمة المجد على صدور القائمين عليه .
اعرف ان المهمة صعبة وعسيرة وتستدعي جهوداّ جبارة ،وهناك من يقف ضدها من المتطرفين والغائيين ، لكن تحققها ليس مستحيلا، ونجاحها يعني تحقيق أمل منتظر وولادة جديدة للأمة الإسلامية، والمجتمعات المدنية في ظل سلام مجتمعي محصن بالحكمة والعدل والتآخي،وتلك غاية الرسالة المحمدية العظيمة.
أتفق قادة دول العالم على خوض الحرب المسلحة ضد داعش ، وحان الوقت ليتفق قادة الدين والفكر الإسلامي على محاربة الطائفية ، وهوقرار يخضع لقناعاتهم وتأثير سلطاتهم الروحية على عموم جمهور المسلمين .