في زمننا المعاصر ذي القدرات المعلوماتية المتنقلة كلمح البصر ما بين أصقاع الدنيا المتنائية , أصبح ما يجري في أي مكان يؤثر على الأماكن الأخرى.
وصارت ردود الأفعال متوافقة مع الفعل الذي يتسبب بها , وما عاد هناك مناعة راسخة أو قدرة على الوقاية التامة مما يجري ويحصل في بقاع العالم المتأججة.
فالذي يحدث في منطقة الشرق الأوسط لن ينحصر فيها , وإنما سيمتلك طاقات وقدرات عابرة للقارات والمحيطات , وسيكون في مناطق من الدنيا تحسب أنها محروسة ومحروزة.
وقد نتساءل لماذا؟
والجواب أن السلوك مثل الإنفلونزا أو أنه فايروسي الطباع , ينتقل بسرعة خاطفة ويؤكد دوره ويعبّر عن إرادته في كافة الأرجاء وبصيرورات متباينة.
فالسلوك أيا كان نوعه ينتشر بين الناس , وسرعة إنتشاره تتناسب وقدرات التواصل والتفاعل البشري , وما دامت هذه القدرات في أوج سرعتها وكفاءتها وتأثيرها , فأن السلوك قد إكتسب مهارات وطاقات إنتشارية فائقة ومتحققة ومعززة بتراكم الطاقات الجمعية الفاعلة.
والسلوك تكون تأثيراته قوية وشديدة , عندما يكون منحرفا أو شاذا وغير معهود , ومُعبّر عن الغرائز الغابية الدونية الكامنة في البشر , خصوصا حينما تتحكم فيه النفوس الأمّارة بالسوء.
وما يجري في بعض المجتمعات , لا يمكن أن ينحصر في مكانه , بل سيتمدد ويتسع , وتتنامى قدراته التدميرية والتخريبية , لأن طاقات الإنجذاب إليه ستتفاعل بغياب قدرات الردع الحاسم , وبتوفر المحفزات والمسوغات والمردودات الإيجابية لهذا السلوك , أي أنه يحقق ما يريده.
وقد إرتكب المجتمع الدولي والإقليمي خطيئة كبرى , عندما أغفل قدرات التفاعل والتوسع والإنتشار للسلوكيات العنيفة المتفاقمة , وأصبحت جميع المجتمعات عرضة لهذه الآفة الوحشية الفتاكة.
ويبدو أن البشرية لا تتعظ من التأريخ وتغفله حتى ولو كان قريبا, وكأنها تناست مولدات الحرب العالمية الثانية , وما تعلمت من الحركات الهمجية الفظيعة التي تكررت في مسيرة التأريخ , كالحركة التتارية ومسيرة المغول المدمرة في الأض والتي تتحقق آلياتها اليوم.
فالمجتمع الإنساني مطالب بعدم النسيان واليقظة , والحذر من السلوكيات الوبائية المنطلقة بشراسة وعدوانية على الذات والموضوع , ومن واجبه أن لا يتراخى ويهمل الوقاية بإستحضار اللقاحات النوعية لبناء المناعة القوية ضدها.
وأهم لقاح هو الثقافة الصالحة, التي تدعو إلى وحدة الكيان الإنساني وتوفير المستلزمات الإقتصادية الضرورية , لتحقيق البنى التحتية للسعادة في المجتمعات التي مزقتها الثقافات السلبية , والعقليات المحشوة بالأفكار الوبائية الفتاكة.
فهل سنتعلم كيف نعيش بسلام وإرادة إنسانية جامعة؟!
أم أننا أضعف من أن نتوقى من أوبئة السلوك الذي سيزداد عصفا وتأججا , لينسجر فيه خلق الله أجمعين , في حرب كونية موعودة أو مرسومة؟!!