23 ديسمبر، 2024 1:45 ص

ليس للصوت الغنائي بصمة الا لصوتها فلاسبيل لتقليده، فلكل صوت شبيه الا صوتها، لترابطه مع وجدان واحساس متفرد ، فان قلدت الصوت فلن يكون لك ان تستحضر الروح والوجدان والدافع ..كان لكثير من المطربات و المطربين الكبارأثر واسلوب وطابع لاتخطئه العين ولاتتجاوزه الاذن ..ولكننا نتحدث عن أمر آخر خلط بالطرب والغناء والامتاع ، الهدف والوقار ، الصدق والوضوح والتطابق وراء الكواليس وامامها ..لم تستغل وزنها للمرح او اللهو والتحرر كما فعلت كل المطربات عبر العالم والعرب وان في مرحلة عمرية واحدة على الاقل، عداها !،
لم تتزلف للملوك ولاللساسة والأغنياء في اغنياتها الا للاوطان والشعوب والمدن ..غنت لكل المدن العربية بحب ، وللمدن العالمية برقي وندية المتفضل وليس دونية المتطفل ، وزارت العواصم وكرمت فيها من الشعوب قبل الحكومات ..مطربة النخبة والعامة على حد سواء ..
وجهها على المسرح هو وجهها في البيت والشارع ، هذا ان كانت اصلا تعرف كيف تتسكع في الشارع ..حملت هموم وطنها لبنان ودينها وفلسطينها ، لم تغادر ارضها مع المغادرين في ايام الحرب والظلام وقتال أخوة الوطن لبعضهم ، فصمدت سنين تحت خوف المدافع والموت حتى تجمع حولها الفريقان المتخاصمان واجتمعا على محبتها . افضل من قرأ الشعر الفصيح من المطربات على مرالعصور وربما المطربين ايضا..أيقونة حية تعيش بين ظهرانينا ،، وقار وجد والتزام ، ووجه صارم بسيط الابتسام ، عميق التفكير بعيد الشرود ، غنت للطبيعة بقدرغنائها للحب العذري المهذب ..لم تستخدم صوتها ولا جسدها ولاعينيها للاغراء وليس تصلح له لتصميم فيزيائي بريء لجسدها ومحياها وليس لعطل في الجمال الذي حازت منه قدرا طيبا ..
غنت للتاريخ ولليالي الالف وسحرالشرق في بغداد وألق الغرب في الاندلس وللطيور وللماء وللسماء وللبحر وللصيف والخريف والشتاء ..فكنا نشم رائحة الخريف ونرى تساقط الاوراق في كلماتها ونحس ضباب الطرقات في الشتاء الموصوف حتى وان كنا في صيف قائض .انشدت للطفولة والقمر والعربات والطرقات ،بل وحتى للاسماء والابواب ..وللاشجار وطائرات الورق وللظفائر والخواتم ، تصوغ الكلمة نغما هادئا عذبا لا حاجة معه للاعادة والتطريب ، فطابعها التعبير ، فتؤثر في دقيقتين مايحققه غيرها في ساعتين ، أو قد يعجز عنه ! خلدت مئات القصائد العربية، الفصيحة والعامية ، وصفت البنت التي تنتظر حبيبها والتي تودعه والحبيب الذي كتب القصائد لغاليته ايام الحصاد ، والمطروالمضلات والعشاق والرسائل والثلج والغابات والوديان ، جسدت الحنين والشوق ورسمت سكون الليل واشراقة الشمس ورتلت للكنائس والمعابد وثقفت للصلاة والتوكل والرضا..وصفت جمال المراة المصان العفيف ورسخت القيم الراقية ..غنت لمكة وللقدس ولكل دين ، وانتقدت السياسة وراقبتها ، خلفت زياد الرحباني و مئات الاغاني ، كل منها اما درس في العربية او ترسيخ لقيمة او تثقيف لحب طاهر لايلمح ولايوحي ، او وصف لمنظر او شعور لاينسى ، او لوعة تخفف او دعم لوطن محتل او لطفل يطلق حجارة على غاصبي ارضه ..
فيروز …طهر الصوت وعفة الفن ورسالة الحب وقصدية الكلمات وعمق الأثر ورسوخ النغم الدائم والوان الطبيعة وحب الوطن ونعومة الانثى وصلابة الحرة وطرب الكريم وتفرد الموسيقى وثقافة المرأة ورمزية الابداع.. الذي يتعاظم بالتقادم