23 ديسمبر، 2024 1:48 ص

فيتنام … رحلتي الى فيتنام

فيتنام … رحلتي الى فيتنام

(( أذا شربت الماء فعليك أن تتذكر النبع )) . مثل فيتنامي .
في زيارتي الحالية الى دولة فيتنام . عادتني سنوات طويلة الى خمسة عقود مضت من الدهر والذكرى والتأمل .
كنت في مقتبل العمر , وحديث العهد بالسياسة , أي بداية أرهاصات سياسية مبكرة . كانت تخترق أذنينا يومياً على تخوت قرية الهويدر الخشبية , ممن هم أكبر منا سناً وأكثر دراية ومعرفة بأسماء حفرت في ذاكرتنا .. لينين , ماركس , فرج الله الحلو , خالد بكداش , فهد , ستالين , هوشي منه , فو نغويين جياب . مما دعا الصديق والجار الطيب المرحوم قاسم محمد طاهر أن يسمي أبنه البكر جياب والذي أستشهد في واحدة من الهجمات الطائفية بعد أحتلال العراق وسقوط الدكتاتور ٢٠٠٣ .
بعد عتياً من العمر . زرت بلد هوشي منه والجنرال العسكري الشيوعي جياب الذي مرغ جبين الفرنسيين ومن ثم الامريكين في التراب الفيتنامي .
دولة فيتنام تقع في جنوب شرق أسيا , وقد تجاوز عدد سكانها ٨٢ مليون من البشر , موزعين على خمسين محافظة . كانت من البلدان التي وقعت ضحية الصراع العالمي والسيطرة على أرادة الشعوب , حيثما تعرضت الى أحتلالين متعاقبين من الاستعمار الفرنسي والامريكي . تخلصت من وطأتهم بأرادة وطنية شعبية بحركات مقاومة لم تسكت الا بتعانق الشمال الفيتنامي الذي كان تحت سيطرة الشيوعيين والركن الجنوبي المتمثل بمدينة ( هوشي منه ) . سابقا ( سايغون ) . الذي بنى المحتليين الامريكان على مساحة تراب الجنوب بواسطة عملائهم قواعدهم العسكرية والاستخباراتية وألتهم الاعلامية الكاذبة . ولم تقاوما أزاء ضربات قوى المقاومة الشيوعية , مما أرغمتهم وبأتفاقات دولية لحفظ وجه الامريكان , الذي مرغ في التراب الفيتنامي بالانسحاب وترك عملائهم عام ١٩٧٣ . قدموا الفيتناميين في حربهم التحررية ضد الغزاة الامريكان ما يقارب مليونا شهيد وثلاثة ملايين جريح وملايين أخرى من النازحين والاجئين . لقد تعرض الامريكان ليس فقط الى هزيمة عسكرية أفقدتهم سمعتهم العسكرية والسياسية , وأنما الى أزمة مالية كبيرة ماسخروه من أموال ضاعت في حربهم على شعب فيتنام .
ظل الشيوعيين الفيتناميين يصعدون من عمليات المقاومة الوطنية وزرع بؤر ثورية داخل الاقليم الجنوبي الى أن حرروا البلد تماماً من كل أثار الاحتلال وعواقبه الوخيمة على حركة الناس والمجتمع وشرف البلد عام ١٩٧٦.
عام ١٩٧٦ أعلنوا عن الاستقلال الكامل والتام تحت لواء جمهورية فيتنام الاشتراكية وعلم ونشيد وطنيان . تولى المكتب السياسي للحزب الشيوعي الفيتنامي , الذي يتكون من ١٥ عضواً برسم ووضع سياسة البلد العامة وسن قانون ودستور دائمين للبلد . ووضعوا نظام أقتصادي أشتراكي للبلد بملكية عامة لوسائل الانتاج . رغم أن وضع البلد خرج بعد التحرير بوضع صعب جداً لا تنمية ولامؤسسات مدنية ولا حتى بنى تحتية , ممكن الاعتماد عليها , كان أعتماده الرئيسي على الزراعة بأدوات متخلفة , لكن أرادة الشيوعيين في البناء والثفافة والعمل بسنوات قليلة عادوا وجه البلد الحقيقي في التنمية والصناعة والثقافة والوطنية بمصافي متقدمة من مستويات العالم المتمدن .
ليس صعباً , وأنت سائح تمشي في شوارع مدينة ( هوشي منه ) . أو تجلس في مطعم أو أي زنقه هنا . ترى أرادة الفيتناميين وفخرهم التاريخي بهزيمة المحتليين الامريكان , وعندما يكتشفون أنك عراقي .. يسألون عن الاسباب الحقيقية وراء سهولة الامريكان في أحتلال أرض العراق الوطنية ؟. أنها نقلة عجيبة من كارثة البعث الى كارثة الاحتلال وصحبه .
أينما حلت في المدن الفيتنامية , تجد البساطة والتواضع والرغبة في مساعدتك بالتعرف على مدنهم , ونبذه على محطات تاريخهم , الذين يعتزون به .. أنهم ينتمون الى هذا البلد رغم تطوره البطيء في شتى المجالات , لكن تشعر الاصرار في بنائه والنهوض به . لم يلفتني صور قادتهم على البنايات والحيطان ولاحتى على المؤسسات الحكومية الرسمية . مررت على أكثر من ( هوتيل ) . طيلة جولتي مع زوجتي لم أجد صورة معلقة فوق موظفي الاستعلامات للبطل هوشي منه أو القائد العسكري جياب , الذي قاد المقاومة الفيتنامية الى النصر النهائي , لتكن جمهورية فيتنام الاشتراكية .
شعار ( المطرقة والمنجل ) . تجده على السيارات والملابس والدوائر تعبيراً عن حقيقة أنتمائهم وأمميتهم .