18 ديسمبر، 2024 8:45 ص

فى مكافحة الإرهاب: تكامل فى الأمن وتفكك فى غيره!

فى مكافحة الإرهاب: تكامل فى الأمن وتفكك فى غيره!

في بعض الأحيان يكون المرض، بقيود عدم الحركة، فرصة للتأمل والتفكير هروبا من الملل والبحلقة في سقف الغرفة وجدرانها! غير ان معاناتي خلال الأشهر الثلاثة الماضية ـ وإلي الآن ـ لم تترك لي فرصة إلا للنواح الداخلي، فقد اشتدت الآلام من شروخ في ضلوع القفص الصدري إلي آلام مبرحة في الساق اليسري تبين بعدها ان شرايينها الثلاثة مسدودة واستقر الرأي الطبي علي الاكتفاء بتوسيع أحدها وتسليكه فهذا يكفي! ولا أعرف هل يكفي لحركة الحياة أم لتبعيتها؟.

وهكذا أجري الدكتور محمد حسني عملية تسمي قسطرة لتحقيق المطلوب استمرت اكثر من ساعتين وكان طبيب القلب الدكتور عادل إمام في غرفة ملحقة بغرفة العمليات متصلة بها، يتابع تحسبا لأي مضاعفات تحدث في القلب الموجوع سلفا! وبعد أنات مكتومة وظاهرة نقلوني إلي غرفة العناية المركزة.. ولا أريد أن أثقل علي القارئ، وانما فقط وبحكم الصداقة المفترضة أردت أن أضعه في الصورة.. ولكي أقول انه وسط الحالة الضبابية التي كنت فيها لفتت انتباهي واهتمامي ـ مؤخرا ـ القضية التي ناقشتها ندوة الشئون المعنوية للقوات المسلحة، والتي أيضا كانت بندا أساسيا في المحادثات بين الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس لبنان العماد ميشال عون، وهي ذاتها القضية التي دخلت في اهتماماتي منذ نحو أربعين عاما.. وأعني: قضية الارهاب التي تناولناها كثيرا ومن زوايا عديدة، وقلنا ـ وعفوا للتكرار ـ في وقت مبكر في بداية الثمانينيات من القرن الماضي انها ـ بتصاعدها ـ ليست جريمة محلية أو اقليمية ولكنها تشكل ظاهرة دولية بمعني ان ميدانها لا يقتصر علي دولة معينة أو دولتين وانما اكثر من دولة شرقا وغربا.. وانها تدار من خلال تنظيم دولي يتحرك وفق استراتيجية واضحة تستهدف هدم الدولة الوطنية بماضيها وحاضرها لإقامة نظام فوضوي لا تدرك قيادات الارهاب كيف يكون، في حين ان القوي المحركة ـ المتمثلة في أجهزة مخابرات عدد من الدول ـ تعرف تماما ان هدم الدول الوطنية في منطقتنا يعني انهيار الأمة العربية وحضاراتها التي انصهرت فيها أقدم وأفضل حضارات العالم والتي تشكل بأصالتها ومبادئها حائط الصد وجهاز المناعة القوي ضد التمدد الامبريالي الذي يريد بأسلوب جديد إعادة ما كان قبل قرن من الزمان عندما كانت افريقيا وآسيا.. مستعمرات تغذي الآخرين بخيراتها وامكاناتها وتصبح سوقا لما ينتجه السادة.. والتفاصيل في ذلك معروفة!

وفي الحرب علي الإرهاب ـ دعونا نقولها صراحة ـ فإننا نؤيد دعوة الرئيس اللبناني بأن تتولي القاهرة مبادرة لإنقاذ الأمة من الارهاب، فإن هذا يتفق تماما مع ما نادينا به وما نتج عن ندوة الشئون المعنوية بل ويدعم نداءات وتحركات الرئيس عبد الفتاح السيسي، فإن أي دولة مهما كان قدرها لا يمكنها وحدها ان تقضي علي الارهاب، فإن شب الحريق في عدد من البيوت المتجاورة فإنه لا يمكنك ان تطفئ نيران واحد منها وتنقذه ما لم تطفئ الأخري!! فالنيران تتناقل بسرعة والفيضان يجرف ما أمامه والارهاب احمق أرعن مجنون بلا دين ولا أخلاق، هوايته »الترويع وبث الرعب والذعر في كل مكان حتي وان انقلب علي الذين ساعدوا في تأسيسه وتمويله ولا يزالون يغذونه بما لا يمكن لفرد أو جماعة ان تقوم به إلا إذا كانت متحالفة مع أجهزة دول قادرة!!

من هنا وباستعراض الحاصل ودراسته، نجد ـ للأسف ـ قصورا في مكافحة الارهاب علي المستوي الوطني، وعلي المستوي القومي، وعلي المستوي العالمي، في حين ـ نكرر ـ ان الشبكات الارهابية ـ مهما تعددت أسماؤها ـ تنتمي إلي تنظيم دولي واحد له استراتيجيته وخططه وآليات تنفيذه سواء علي مستوي ارتكاب جرائم العنف أو.. علي مستوي الحرب النفسية التي صارت قسما أساسيا في الرسالة الإعلامية الارهابية التي تستخدم أساليب مختلفة عبر الوسائل المتعددة وتقنياتها..

وبشكل محدد فإننا علي المستوي الوطني نجد تكاملا في خطط المواجهة الأمنية التي تقوم بها القوات المسلحة والشرطة.. ولذلك حققت نجاحات وبذل أفرادها أغلي وأنبل التضحيات.. بينما نجد تفككا في غير ذلك.. مثلا فلقد طالبنا بأن تنشط الجهات المختلفة وشرحنا كيف يكون ذلك علي ان تكون البداية: تشكيل لجنة أو مجلس أو مجموعة عمل تضم ممثلي الجهات والأجهزة المعنية والخبراء والمهتمين لصياغة استراتيجية تحدد الهدف والمهام المختلفة لكي يتكامل التنفيذ وتصب النتائج في اتجاه واحد. وعلي أن يكون الاعلام الذكي الواعد أحد المكونات الأساسية في الاستراتيجية وفي التنفيذ.. لكن ما حدث كان ـ فيما نري ـ مختلفا.. فقد عقدت وزارة الخارجية اجتماعا لمناقشة التعاون الدولي.. فماذا نتج عنها وما هي آليات التنسيق مع جهود أخري.. وكيف تكون المتابعة؟

ودعا البرلمان لعقد مؤتمر برلماني، ويمكن ان نطرح عليه أيضا ذات الأسئلة؟، ثم كانت ندوة الشئون المعنوية التي نأمل ـ في ضوء كلمة ومداخلة ـ الرئيس السيسي.. ان نكون أفضل من حيث تحقيق وتنفيذ التوصيات والاقتراحات التي قيلت، أما علي المستوي القومي العربي فإنني لا أشعر بتكامل أو بمجرد تنسيق إلا في إطارات محددة.. ونفس الشيء علي المستوي الدولي؟! وإذا تناولنا الجانب الإعلامي، نجده يسهب في ابراز وشرح تفاصيل العمل الإرهابي عبر الوسائل الموجهة إلي الجماهير في الوطن والأمة.. وهو بهذا يقدم خدمة جليلة للإرهابي الذي هو »مجرم يبحث عن الدعاية والاعلام« إلي حد انه يصور جريمته ويشرحها عبر التقنيات الحديثة، ويكتفي الاعلام بالشجب والادانة، واطلاق الصفات السلبية علي العملية والجناة، دون ان يغوص في المشكلة ويفسر ويشرح كيف نتعامل مع المواقف، وأكثر من هذا وأهم منه أننا لا نعطي اهتماما للاعلام الخارجي وللرأي العام الذي أصبح يمضغ مقولتيه احلاهما مر هما: إن المسلمين ارهابيون متعصبون.. وان الغرب غير متحضرين يتقاتلون سعيا للسلطة! ذلك في غياب إسلام مستنير ذكي واع مبسط يشرح وبالوثائق ما يحدث.. ولماذا؟

ثم انه في أحيان كثيرة نتباطأ ونتكامل في بث ونشر التغطية الاخبارية المتكاملة بأقصي سرعة ممكنة عقب وقوع الحدث.. أو إصدار حكم ما، أو.. قرار ما، ولا أعلم حقيقة: ما هو نشاط ودور إدارة الاعلام في كل من جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي؟ وما الذي تفعله هيئة الاستعلامات في مصر.. ونظيرتها في كل بلد عربي؟ بل.. أذهب إلي القول: من المسئول عن الاعلام في مصر؟ ولماذا كان قرار عدم تعيين وزير للإعلام؟ ولماذا لم يشمل التعديل الوزاري تعيين وزير لهذا المجال الحيوي؟ ولماذا لا يشكل مجلس استشاري رئاسي للسياسة الإعلامية.. المتعددة الأطراف والمهام والأغراض.. علي أن تضم القادرين علي العطاء.. وليس علي ترويج أنفسهم؟!

وأعود فأنادي مطالبا بتشكيل مجموعة عمل ـ أيا كان اسمها ـ لرصد ومتابعة والتفكير والتخطيط لـ كيف نواجه الارهاب ونكافحه بشتي الوسائل تكاملا مع الجهد الأمني، وثانيا بأن يتضمن برنامج القمة العربية القادمة تشكيل مجلس مماثل علي المستوي العربي ولتكن هذه ضمن مبادرة الانقاذ التي طلبها الرئيس اللبناني من رئيس مصر.. والتي ندعو ان يدعمها القادة العرب.. وهم إما يعانون من الارهاب أو غير بعيدين عنه!! وثالثا نأمل أن تحتشد المجموعة العربية مع الأشقاء والأصدقاء لتلبية دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي لتأسيس تحالف دولي ضد الارهاب، بحيث تشترك فيه الدول التي ترغب.. ولا يتعطل إذا عاكسته دول أخري.. فربما تكون لها ارتباطات سرية.. أو.. أغراض خفية!

نقلا عن الاهرام