18 ديسمبر، 2024 7:21 م

فى كواليس قمة اليوم الواحد؟!

فى كواليس قمة اليوم الواحد؟!

قد لا تكون قمة عمان قد حققت المعجزات لتعيد التضامن العربى إلى أزهى عصوره، وتقطع دابر الخلافات العربية ـ العربية وتدفنها فى رمال البحر الميت، وتضع خاتمة سعيدة للحروب الأهلية الثلاث فى اليمن وسوريا وليبيا، وتعيد عشرات الملايين من المهاجرين العرب الذين غادروا أوطانهم تحت وطأة هذه الحروب إلى بلادهم، وتستعيد العمل العربى المشترك من كبوته الطويلة، وتوحد إرادات العرب السياسية بعد طول تمزق وشتات، قد لا تكون قمة عمان قد نجحت فى الوفاء بكل هذه الأمنيات لأن عصر المعجزات قد ولى منذ زمن بعيد، ولأن سبعة أعوام عجاف من ربيع عربى زائف لابد أن تترك آثارها على وجه عالمنا العربي، لكن ما من شك أن العرب باتوا أفضل حالا مما كان عليه الوضع قبل انعقاد القمة، وأصبح فى إمكانهم أن يأملوا خيرا فيما هو قادم بعد أن نجحوا فى قمة عمان على الأقل فى وقف حالة التبعثر والتدهور والسيولة التى أخذت العالم العربى إلى مفترق طرق صعبة، ليصبح السؤال المهم أمام الجميع: هل تكون أو لا تكون؟!

نعم لا تزال الحرب الأهلية تشتعل فى عدد من أماكن سوريا، ولا يزال «داعش» تسيطر على الحسكة وحقول النفط فى دير الزور وعشرات القرى فى حوض نهر اليرموك على مسافة أمتار من سد الوحدة قريبا من منطقة الرمثا على الحدود الأردنية السورية حيث يرابط الجيش الأردنى بطول الحدود التى تمتد 78 كيلو مترا، يتدفق منها كل يوم مئات اللاجئين السوريين الذين يتجاوز عددهم مليونا وثلث المليون يثقلون كاهل الأردن الاقتصادي، ولا يزال بشار الأسد يحكم دمشق رغم تدمير عشرات المدن ومئات القرى وسقوط ما يقرب من نصف مليون قتيل ولا تزال المباحثات السياسية بين الحكم والمعارضة تتعثر وربما تطول شهورا تصل إلى أعوام إلى أن تتوافق أطياف السوريين من الحكم والمعارضة على طبيعة المرحلة الانتقالية وكتابة دستور جديد للبلاد وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة فيما تغوص أيادى القوى الإقليمية الثلاثة، إيران وتركيا وإسرائيل، فى عمق المشكلة السورية، لا تجد من يوقفها!.

وفى اليمن لا تزال الحرب الأهلية تدور حول المواقع نفسها، صنعاء وتعز ومأرب، دون أن يتمكن أى من أطرافها من إنجاز حسم عسكرى ينهى الحرب لصالحه، فيما يتساقط كل يوم المزيد من الضحايا المدنيين ويشح الغذاء والماء والدواء إلى حد المجاعة، وتتنامى فى ظل هذا الصراع سيطرة تنظيم القاعدة على ولايات الجنوب اليمنى ابتداء من أبين حتى حضرموت، ولا يختلف الوضع كثيرا فى ليبيا حيث لا تزال الخلافات تباعد بين الشرق والغرب والجنوب، ويرفض حفتر قائد الجيش الوطنى مصافحة فايز السراج رئيس الوزراء رغم توافق كل القوى الليبية فى اجتماعات القاهرة على ضرورة إجراء مصالحة وطنية واسعة تحافظ على وحدة الدولة والأرض الليبية، ورغم ضجر الشعب الزائد من سيطرة الجماعات المسلحة على معظم المدن الليبية.

نعم لم تنجح قمة عمان فى اختراق أى من هذه المشكلات الثلاث التى كثرت أعداد لاعبيها من القوى المحلية والإقليمية والدولية، لكن ثمة ما يشير إلى أن قمة عمان يمكن أن تكون نقطة تحول جديد تلزم العرب بالتمسك بالحد الأدنى من التضامن العربى أملا فى أن يتطور ويكبر ويزداد نموا ويتحقق المزيد من توحد الإرادات السياسية ويصبح عزم العرب على ضرورة استعادة حلول مشكلاتهم داخل البيت العربى ويقدرون على كبح توغل تدخلات قوى الخارج فى الشأن العربى إلى هذا الحد الفظ والمهين!.

وما من شك فى أن ضراوة المعركة ضد جماعات الإرهاب التى تزداد انتشارا فى معظم أرجاء عالمنا العربى تكاد تقف على عتبات كل بلد عربى تهدد أمنه ومصيره، تشكل أخطر التحديات التى مكنت قمة عمان من هذا الحضور الحاشد، أملا فى الخروج من حالة الشتات والتمزق التى عطلت القدرة العربية المشتركة على مواجهة أخطار مصيرية يصعب على أية دولة عربية أن تواجهها متفردة بعد أن أصبح الإرهاب عابرا للقارات، يلقى مساندة قوى وجماعات ودول بعضها مع الأسف عربي، تمول هذه الجماعات وتعطيها ملاذا آمنا وتمكنها من عبور أراضى الآخرين وصولا إلى أهدافها، ورغم الإدانة الواضحة للإرهاب التى صدرت على ألسنة جميع القادة العرب الذين تحدثوا إلى القمة، لم تصل قرارات القمة بعد إلى حد الاجتراء على عقاب كل من يمد العون إلى جماعات الإرهاب، ربما لأننا لم نزل فى قمة الحد الأدني!.

وما من شك أيضا فى أن انعقاد القمة فى عمان فى هذه الظروف العصيبة وبهذا الحشد الكبير يشكل فى حد ذاته بادرة نجاح مهم تؤكد حرص القادة العرب على الخروج من هذا المأزق الخطير، وإحساسهم المتزايد بوحدة المصير وضرورة توحيد الصف العربى فى مواجهة الأخطار والمحن والعودة إلى التضامن العربى حتى وإن لم يكن فى حده الأدنى أملا فى نموه وتعظيمه كما يعكس تقديرهم البالغ لمؤسسة القمة باعتبارها طوق النجاة ساعة الخطر من أخطار محدقة تتصدر أمن العالم العربى ومستقبله، وأظن أيضا أن قمة عمان ترد الاعتبار لدور الجامعة وأمينها العام أحمد أبو الغيط فى تنظيم جهود العمل العربى المشترك وتعزيز التضامن العربى رغم محاولات البعض التقليل من شأن الجامعة والتشكيك فى جدوى وجودها وأهمية دورها!.

والأمر المؤكد ثالثا، أن انعقاد القمة فى عاصمة الأردن يشكل واحدا من أهم أسباب نجاحها فى تحقيق هذا الحشد الكبير الذى جاء تلبية لدعوة العاهل الأردنى الملك عبد الله، تقديرا لشخصه وجهوده فى الحفاظ على علاقات طيبة مع جميع الدول العربية، وتعاطفا مع الأردن الذى يواجه بسبب موقعه الجغرافى وحدوده مع سوريا التى تمتد 78 كيلو مترا وتشابكه القوى مع القضية الفلسطينية ظروفا عصيبة نتيجة تدفق أكثر من مليونى لاجئ معظمهم من السوريين وبعضهم من العراق وليبيا يشكلون عبئا اقتصاديا على دولة صغيرة لا يزيد عدد مواطنيها على سبعة ملايين نسمة، كانت دائما فى صدارة دول المواجهة التى تحتفظ بجيش قوى يحافظ على حدودها وأمنها الوطني.

وخلال زيارة نظمها الديوان الملكى لعدد من الصحفيين العرب الذين حضروا قمة عمان، استضافهم حرس الحدود الأردنى فى منطقة الرمثا على الحدود الأردنية – السورية، ليروا على الطبيعة الوضع فى منطقة الحدود، حيث توجد القوات الأردنية بطول الحدود مع سوريا دفاعا عن أمن الأردن ضد أية محاولة اختراق تأتى من وراء الحدود السورية حيث توجد قوات الجيش السورى الحر تسيطر على بعض قرى سهل اليرموك فى مواجهة قوات داعش التى يصل عددها فى هذه المنطقة إلى نحو ثلاثة آلاف مقاتل يسيطرون على العشرات من قرى سهل اليرموك بتلاله الخضراء المزروعة زيتونا وفاكهة وقمحا فى منطقة سد الوحدة، يتبادلون مع الجيش السورى الحر التراشق وعمليات الكر والفر التى كثيرا ما تكون الغلبة فيها لقوات «داعش» يتبادلون السيطرة على بعض القرى التى تقع فى منطقة التماس ويرسلون العشرات من جرحاهم إلى الجانب الأردني، حيث يوجد مستشفى ميدانى يستقبلهم ويعالجهم، فيما يتدفق على الأردن كل يوم مئات المهاجرين خاصة فى منطقة الركبان، وصلت أعدادهم إلى حدود 130 ألفا خلال الأسابيع الأخيرة مما زاد من أعداد المهاجرين السوريين إلى الأردن إلى حدود تقترب من المليون ونصف المليون مهاجر ينتظرون التسوية السلمية للأزمة السورية التى تؤكد القرائن والشواهد والأدلة أن أمدها الزمنى يمكن أن يطول إلى عامين أو أكثر وفقا لما أسره المبعوث الأممى إلى سوريا دى ميستورا إلى أمين عام الجامعة العربية أحمد أبو الغيط فى لقائهما الأخير قبل انعقاد القمة.

وربما لا تفى قرارات قمة عمان بشأن الأزمة السورية بالحد الأدنى من الرضا العربى العام الذى يتوق إلى سرعة إنهاء الحرب وإنجاز التسوية السياسية، لكن أحدا لا يستطيع أن يلوم القمة أو يتهمها بالتقاعس لأن تعدد اللاعبين الدوليين والإقليميين يزيد من تشابكها وتعقيدها كما يطيل أمدها الزمني، وهذا هو الدرس البليغ الذى يلزم العرب بضرورة حل مشكلاتهم داخل البيت العربى بدلا من اللجوء إلى قوى الخارج!، فضلا عن أن الشوط لا يزال بعيدا أمام وفدى الحكم والمعارضة للوصول إلى توافق كامل حول عناصر التسوية، وطبيعة المرحلة الانتقالية وبنود الدستور الجديد والإجراءات الواجبة لضمان نزاهة الانتخابات البرلمانية والرئاسية التى يتحتم أن يشارك فيها أكثر من عشرة ملايين مهاجر سورى يعيشون فى الخارج.. ومع ذلك ثمة ما يؤكد أن مساحة الخلاف العربى حول الأزمة السورية قد ضاقت كثيرا بتوافق كل حضور قمة عمان بما فى ذلك مصر والسعودية على ضرورة الإسراع فى إنجاز التسوية السياسية والحفاظ على الدولة السورية، واستنقاذ الشعب السورى من كارثته الإنسانية الكبري.

لكن لا جدال فى أن كل حضور قمة عمان حققوا إنجازا مهما بتوافق كل الأطراف المعنية على العناصر الأساسية للموقف العربى من القضية الفلسطينية، بحيث يتحدث الجميع بلغة واحدة أمام الإدارة الأمريكية الجديدة، عندما يذهب الرئيس السيسى للقاء ترامب فى البيت الأبيض فى الثالث من أبريل يليه الملك عبد الله عاهل الأردن باعتباره رئيسا للقمة العربية ثم الرئيس الفلسطينى محمود عباس فى الخامس من أبريل، خاصة أن الإدارة الأمريكية الجديدة لا تزال فى مرحلة بلورة سياساتها الجديدة فى الشرق الأوسط تنتظر سماع القادة العرب الثلاثة، وربما يكون ذلك أحد أهم إنجازين حققتهما قمة عمان، حيث توافق الجميع على أن السلام هو الخيار الاستراتيجى الذى ينحاز له كل العرب من الخليج إلى المحيط، فى إطار المبادرة العربية التى تنص على قيام دولة فلسطينية على حدود 67 عاصمتها القدس الشرقية تعيش فى سلام إلى جوار دولة إسرائيل، وتؤكد مبدأ كل الأرض مقابل كل السلام وعلى حتمية حل الدولتين لا تقبل بخيار آخر، وترفض أى تعديل على شروط المبادرة التى تستوجب انسحاب إسرائيل من كل الأراضى التى جرى احتلالها قبل قيام سلام تعاقدى بين إسرائيل وكل الدول العربية والإسلامية يزيل كل أوجه مشكلة الصراع العربى الإسرائيلى ويضمن قيام علاقات سلام طبيعية بين إسرائيل والعرب تحقق سلام وأمن جميع دول الشرق الأوسط.

ولا أظن أن أحداً يختلف على أن الإنجاز الكبير لقمة عمان يتمثل فى لقاء الملك سلمان والرئيس السيسى الذى بدد سحابة صيف خيمت على العلاقات المصرية ـ السعودية فى لقاء استمر أكثر من نصف ساعة حضره كل أعضاء الوفدين المصرى والسعودى فى قاعة جانبية إلى جوار قاعة المؤتمر، خرج إليها الملك سلمان والرئيس السيسى بعد أن تصافحا فيما كان أمير قطر يلقى كلمته ليعبرا معا الطريق إلى القاعة يحفهما أعضاء الوفدين وتلاحقهما عدسات المصورين فى زفة فرح غامر غطت على كل أحداث المؤتمر، كان خاتمتها المؤتمر الصحفى المشترك لوزيرى خارجية البلدين، يؤكدان فيه حرص الجانبين على توثيق علاقات مصر والسعودية والالتزام بتنفيذ جميع الاتفاقات التى تم توقيعها واستئناف علاقات التشاور والتنسيق المشترك وزيارة الرئيس السيسى فى موعد قريب الرياض تتبعها زيارة للملك سلمان إلى القاهرة.

وبهذا المشهد الختامى الرائع، تضاعفت آمال الجميع فى قدرة العرب على عبور أزمتهم الراهنة إلى مرحلة جديدة من العمل العربى المشترك تمكن العرب والمجتمع الدولى من القضاء على داعش قبل نهاية عام 2017، وتتيح آفاقا واسعة للنهوض بمشروعات التنمية الكبرى تحدد وتطور البنية الأساسية للعالم العربى وتحدث مؤسساته الفكرية والثقافية والتعليمية بما يمكن العرب من دحر أفكار الإرهاب وسد كل الثغرات والمنابع والأبواب التى تتسرب منها أفكاره الظلامية إلى عقول الشباب.

ولأن توافق القاهرة والرياض يعنى باختصار لم شتات العالم العربى وتوحيد صفوفه لم تعد قمة عمان هى قمة الحد الأدنى من التضامن العربي، كبرت القمة لتفتح طريقا واسعا للعمل العربى المشترك، تنهض بالتضامن العربى إلى آفاق التعاون والتكامل بما يمكن الأمة من مواجهة تحدياتها الصعبة.
نقلا عن الأهرام