19 ديسمبر، 2024 12:28 ص

فى قضايا التربية الجنسية والزواج .. الرجل لايخلق ذكوريا والمرأة لاتخلق كأنثى

فى قضايا التربية الجنسية والزواج .. الرجل لايخلق ذكوريا والمرأة لاتخلق كأنثى

تكاد كلمة “الجنس” لا تجد لها مكانا واستخداما فى المجال التربوى, انها نوع من “التابو, المحرمات وطرق الموضوع , بحد ذاته مستهجن ويشكل احراجات كبيرة للوالدين والمسؤلين عن السياسة التربوية فى البلد. فى اوطاننا العربية الاسلامية توجد حواجز قوية بين الجنسيين: البنت, المرأة, والولد ,الرجل, يشكلون عوالم مختلفة متباينة اصلا, ولهم حقوق وواجبات لا تجتمع على مستوى واحد, وما يتمتع به الذكر, الولد, الابن من حقوق ليس, للانثى, البنت المرأة ان تحلم بها وهم يعيشون فى نفس الوقت فى بيت واحد.
فى التربية المعهودة فى المجتمعات التقليدية, وبشكل خاص اذا كانت تأثير وفعل البداوة اجتماعيا ما زال قويا ومؤثرا, تحدد عملية تقسيم العمل فى حياة العائلة الادوار والوظائف التى يقوم بها الرجال والنساء, الاولاد والبنات. ان عملية المفاضلة بين الولد والبنت تاخذ شرعيتها وديمومتها من الثقافة والمفاهيم الدينية السائدة وتتاكد من بداية ولادة الولد وتنمو وتتصاعد مع الزمن والمناسبات والاجراءات اليومية وتصل ذروتها حينما يصل الولد, الذكر سنين المراهقة, هذة المرحلة المعقدة الابعاد لها تأثيراتها الجسمية والجنسية والنفسية!!. ان الولد لا يخلق اجتماعيا ذكرا وانما يصبح ذكوريا فى التفكير والسلوك وبكل الحقوق المتاحة من خلال الثقافة السائدة وعملية التنشئة الاجتماعية وبحكم مبدأ المفاضلة, كونه يساهم اقتصاديا فى الشان المادى ويستطيع مستقبلا اعالة زوجة واطفال وبذلك يضمن استمرار اسم العائلة او العشيرة, كما ان البنت لا تخلق اجتماعيا كأنثى وانما من خلال التنشئة الاجتماعية والنظرة الدونية للمراة بشكل عام, سوى ان كان ذلك حصيلة عدم قدرتها على العمل او ان مكانها المحدد فى البيت والمطبخ وخدمة الرجل, او انها تحتاج الى من يعيلها, وبذلك فان موقعها الاجتماعى عند الزواج لا يمكن ان يكون افضل من ما كان علية فى بيت الوالدين. اما عن الدين وتعاليمه ونظرته الى المراة, انه فى حقيقة الامر مكملا للنظرة التقليدية للثقافة السائدة فى المجتمعات العربية قبل الاسلام, الا ان الدين اضاف اليها سمات بيولوجية مؤكدا على ما يسمى بـ “العورة” التى تعنى ان البنت, المرأة كائن مثير جنسيا ويمكن ان يفجر الرغبة والشهوات دائما, وعليه لابد ان تكون محافظة وملتزمة ويكون مظهرها محتشما, خاصة عندما تكون خارج البيت, وتغطى العباءة والوشاح وتخفى جسمها وراسها وعوراتها المتعددة. اما الرجل فهو طليق فى مظهره, حتى لو كان عاريا, يا لتفاهة الرجل الذى, كما وصف, بانه لا يملك عورات والمظهر الجميل وفاقدا للجاذبية, هل هذا معقول, وهل يمكن للمرأة ان تتقبل الرجل كحجارة, او حيواننا, او قبيح المنظر؟
اعتادت العرب قبل الاسلام, واستمرت هذه القاعدة حينما دخل الاسلام الاقطار العربية, ان يتم زواج الولد مبكرا, ومع سنين المراهقة يبدأ الوالدين فى التخطيط لتزويج ابنهم. ان منهجية الزواج المبكر تقوم على تهيئة الظروف الملائمة المناسبة لضمان مسيرة وسلوكية المراهق وايجاد نوافذ وعوالم لتصريف هذة الطاقة الجنسية وربطة بمسؤلية مستقبلية, هذا بالاضافة الى ان المتعة الجنسية والللذة والشعور بالراحة والزهو تعتبر عالم جديد ساحر يمكن ان يصبح لفترة طويلة عالمه المفضل. اما عن البنت, الزوجة فلم يحسب لها اى حساب, انها مكملة لسعادة الرجل ولا تملك قرارا فى الرفض اوالامتناع, والافضل ان لا تعرف شيئا. فى نهاية الامر تقوم العائلة, الاب, باتخاذ القرار حول مستقبلها. ان التفكير بها لحد الان لا يتعدى ان تكون وسيلة لتقويم وضمان سلوك الزوج المراهق, وليس لها فى مجمل العملية اثر يذكر., وفى كثير من الحالات تتم موافقة الوالدين على زواج البنت تخلصا من المسؤلية وربما لضعف الحال ماديا.
ان عملية الزواج كانت وما زالت فى شرئح واسعة من المجتمع العراقى هى شان عائلى, يبدأ التخطيط له بحصر المرشحات, كما هو ساريا فى المجتمعات التقليدية, بالاقارب, وحينما لايحصل التوافق فيتم الانطلاق الى مجالات اخرى ليس للقرابة اثر فيها. لقد حصلت تغييرات كبيرة فى اختيار الزوجة ولم يعد ابن العم وبنت العم النموذج المثالى للزواج.
ان الام والاخوات يقومون بأختيار الزوجة الصالحة المناسبة لابنهم بما يتلائم مع حاجيات وتصورات الام, وتقوم الام والاخوات بعملية ترغيب واقناع حاذقة للولد, وفى نهاية الامر فأن الابن موافق على هذا الاختيار وذلك لان امه واخواته لا يريدون له الا الخير. فى الطبقة الوسطى المتعلمة المثقفة يكون مجال الاختيار الذاتى والمعرفة الاولية المشتركة تتمتع بنصيب وافر, ولكنة منذ صعود الاسلام السياسى اخذ هذه الحريات وهذا الحق الشخصى فى تقلص مستمر.
لحد الان لم يحصل بين العروس والعريس تعارف او مقابلة مطولة , وحتى لو حصل ذلك فهو لا يكفى مطلقا لرسم صوره تحمل بعضا من التصورات الموضوعية الصحيحة لكليهما, وفى كثير من الاحيان تحصل المقابلة الحقيقة التى تمثل المقابلة واللقاء بين العروسين فى ما يسمى بـ ” ليلة الدخلة”التى تصبح البنت فى اثرها “امراة” وتخلص من بكارتها.
ان السؤال يطرح نفسه عن حجم المعرفة والمعلومات حول خصوصية العملية الجنسية من الناحية العملية وتأثيرها الفعال على مستقبل العلاقة بينهما, وخاصة فيما يتعلق بالبنت, المرأة. ان عملية تنوير للعروس والعريس لم تحصل مجتمعيا وكذلك لم تحصل فى اطار العائلة. ان الولد يسمع بعضا من المعلومات من الاصدقاء والمعارف حول ما يمكن ان ينتظره فى “ليلة الدخلة” او بشكل عام حول الجنس والمتعة وربما سمع وقرأ الخبرات والتجارب التى طرحت فى كتاب “رجوع الشيخ الى صباه” وبعض المبالغات والعنتريات الذكورية التى تحدد اسلوب وطريقة سلوكة تجاه عروسته فى الثقافة الذكورية السائدة, اما البنت فلم يصل اليها شيئا ذواهمية او يمكن ان يخفف عنها وطئة الانفراد برجل, لا تعرفه ولا تدرى كيف عليها ان تتصرف, ويجب عليها ان تسلمه نفسها وخصوصيتها وبدون اى اعتراض او تحفظ, ان هذه المقابلة وكيفية اجرائها تحتاج الى خبرة اولية وحساسية عالية لكى يكون انعكاسها مستقبلا ايجابيا لكليهما, ولكن, وخاصة الولد المثقل بتصورات وثقافة الذكورية والرجولة لايمكنه ان يقدم نموذجا ايجابيا, انه نتاج تجربته وخبرته المعرفية والعملية المحدودة جدا. اما عن البنت فان الام والاخوات ذكروا لها بانها قضية بسيطة وقد خضعوا جميعا لهذه التجربة وها هم ما زالوا على قيد الحياة وقد انجبن الاولاد والبنات وهم جميعا فى صحة وعافية.
فى ليلة القرار والحسم, ليلة الدخلة, على العريس ان يثبت على قدرته فى الاقتحام والاحتلال, فى اطار واجواء حضور المدعويين من الاقارب والاصدقاء واوضاع احتفالية بهيجة ترافقها الموسيقى والغناء, حيث ينتظر جميع الحضور البشارة السارة التى تعلن ان العريس قد استطاع بوقت قياسى من انه قد صوب الهدف بدقة وذلك من خلال رمى منديل ابيض تتخلله بعض بقع الدم نتيجة لازالة بكارة العروسة الى الحضور. وهنا تعلوا الاصوات والهلاهل وتعم الفرحة. وفى واقع الامر فان الفرحة والسعادة لها عدة ابعاد: ان العريس اثبت على رجولته وان البنت كانت مثالا للشرف والاخلاق لانها قد حافظت على عذريتها ولم يكن لها سوابق وبهذا فان الزواج كان موفقا فى كل التصورات. يلعب الوقت الذى يستغرقه العريس فى الدخول بعروسه دورا مهما فى تقييم العريس والنظرة الى عروسه, واذا طال الوقت ولم يوفق العريس فى عملية الاقتحام, لاسباب كثيرة ومتنوعة وهى بسيطة ومنطقية, فان الحضور, وخاصة الوالدين فى حيرة من امرهم ويصعب عليهم تفسير الامر, ويجدون انفسهم فى حالة من الحرج والخجل, لان ابنهم لم يحقق ولم يتمكن فى الوصول الى ما هو قائم ومتعارف عليه ويعتبر واجبا ملزما ايضا.
ان نجاح العريس فى اقتحام عروسة بسرعة وفى وقت قياسى يمثل فى حقيقة الامر عملية اغتصاب عنيفة مشرعنة من قبل ايديولوجية المجتمع وايديولوجية الخطاب الدينى وتمثل اجراء متوحش لرجل يجهل ابسط خصوصيات البناء الجنسى والنفسى للمرأة والخطوات الاولية لاتمام العملية الجنسية بشكل يقدم متعة وراحة للطرفين ولا يخلف اثارا سلبية يمكن ان تكون فاعلة على نوعية العلاقة بينهما مستقبلا. ان العريس ينطلق من حقوقة الاولية المشرعنة, فهو لايمارس الجنس معها ولبعضهم البعض وانما يستخدمها جنسيا لقضاء حاجته الملحة جسميا واجتماعيا ويؤكد على رجولته والتوقعات الخارجية التى وضعت عليه, ان العروسة فى انفرادها بالعريس وعدد الحضور الذى ينتظر الخبر السعيد تمثل فريسة ضعيفة ومغلوبة على امرها فى اجواء متوحشة.
ان عملية الزواج فى مجتمعاتنا التقليدية المثقلة بالتعاليم والتصورات الدينية لم تحمل تصورا دقيقا واضحا موثقا حول بناء عائلة وخلق ثقة وتعاون متبادل بين الزوج والزوجة فى مبدئية المساواة والحقوق المتبادلة, وانما, وكما يظهر ووفقا لعقد القران الاسلامى الذى يسمى بـ “عقد النكاح” فان العقد لايتعدى ان يكون قضية تمثل شرعنة الاتصال الجنسى خاصة للمراة حيث حددها بالزواج, هذا العقد الذى قد اكد على العملية الجنسية بشكل قاطع ووضعها فى المقام الاول وبذلك قد اقتصر الزواج على النكاح واجازته الشرعية, وحدد ايضا تفصيليا حقوق الرجل على الزوجة واستعدادها التام لللاستجابة الى رغباته واهواه الجنسية فى اى وقت ومقام, هذا بالاضافة الى انه قد سلب البنت رايها وموقفها من كل ما يدور لها وحولها ومستقبلها حيث ان الموافقة على النكاح تطلق من قبل الاب, خاصة وهو من المحرمات ومن العيب ان تقوم البنت, العروسة باستخدام هذه المفردة, وينوب عنها ابوها بالموافقة. ان مفردة ومصطلح النكاح يعا د ذكره اثناء عقد القران, وتاكيد الشيخ على اجرائه وفقا لتعاليم الدين, مرات عديدة حيث لم تذكر انشاء وتكوين عائلة وعملية توافق بين الزوجين, مفردة يحرم ذكرها واستخدامها فى الحياة اليومية والمفارقة ان يعاد ذكرها هنا عدة مرات. ان حضور مثل هذا العقد وتكرار سماع مفردة النكاح والتاكيد عليها تثير الاشمئزار فى نفس الاسوياء وحقيقة طغيان الايديولوجية فى بلورة وعى متخلف منحرف مجتمعيا وبعيدا كل البعد عن ضرورات التربية الجنسية التى تعتبر من البديهيات واساسيات الحياة.
ليست حياتنا الاقتصادية والاجتماعية فقط بحاجة الى بحوث ودراسات علمية رصينة وتؤدى الى عملية اصلاح اجتماعى/اقتصادى, وانما حياتنا الجنسية ودورها الفاعل فى تنظيم واعادة تنظيم الحياة والعلاقة بين الرجل والمرأة بشكل عام والعمل على خلق عملية فهم وادراك فى النظرة الى الجنس والتعامل معه كمشاعر واحاسيس وغريزة اساسية لدى الرجل والمرأة, وكلاهما لايختلفان فى الحاجة اليها وما يتمتع به الرجل من طاقة جنسية تجد نفس القدر من القوة والطاقة لدى المرأة ايضا. ان التعسف والضغط والحرمان الذى يمارس فى هذا المجال بشكل عام وتخضع له المرأة بشكل خاص يمثل احد اهم قضايانا المجتمعية وتشكل عائقا كبيرا امام النهوض والتطور الاجتماعى. حان الاوان لتوديع النظر الى المرأة تلك النظرة الدونية اللئيمة المتخلفة واعتبارها بشكل عام اقل قيمة ومكانة من الرجل بالاضافة الى التعامل معها كموضوع, كشىء لتحقيق الحاجة والرغبات الجنسية للرجل وتنجب له الاطفال وبنفس الوقت خادمة طيعة للباشا. ان الاستمرار على هذا المنهج هو بنفس الوقت الاستمرار والتأكيد على التخلف الذى ترضخ تحته المجتمعات العربية الاسلامية, وكما يبدو فان الاوضاع فى الاقطار العربية فى القرن الواحد والعشرون تسير القهقرى وان ايديولوجية الزواج والجنس مع صعود الاسلام السياسى الى الحكم قد نسف الامل فى نظرة علمية حديثة فى التربية والجنس والزواج, كما يحصل ذالك على جوازالعمل بترويج البنات فى سنين مبكرة البنات,
ان تطور وسائل الاتصال وتطبقياتها كما هو فى الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعى المتعددة اخذ تربط العالم بسرعة مذهلة بعضها مع البعض واصبحت التجارب والافكار تد خل البيوت والمدارس والكليات بدون استئذان, وبذلك فقد تم كسر سلسلة احتكار المعلومات والمعرفة التى كانت تتحكم بها الحكومة واالعائلة والتى هى اصلا مؤدلجة ولا تتجاوب مع حركة الحياة. ان المجتمع العراقى الذى كان مغلقا منذ حكم البعث, الذى قاد الى حرب مدمرة استمرت ثمان سنوات واحتلال غبى للكويت وفرض حصار اقتصادى وثقافى بشع على الشعب العراقى ادى الى تقلص فى حجم الطبقة الوسطى وتدمير الهيكلية السكانية نتيجة ضحايا الاعداد الهائلة من الرجال القتلى والمعوقيين كمحصلة منطقية للحروب والحصار وما افرز تصدع كبير فى الاعراف والتقاليد والقوانين, هذا بالاضافة الى هزالة الدولة منذ 2003 وضعفها وعجزها ان تنهض بابسط مقومات البنية التحتية ولم تفكر ولم يكن ضمن افكارها وايديولوجيتها ان تضع حدا للانهيار الاقتصادى الاجتماعى وكيف يمكن ان يحصل تغيير نوعى فى المواقف والافكار اذا كان اصحاب القرار من يؤكد على هذه الحالة.. اذا كانت بيانات الطلاق تشير الى ان العراق يقدم اعلى نسبة فى العالم, فان هذا لا يمكن ان يكون تاثير وسائل التكنولوجيا الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعى, وانما الفكر المتخلف وتبعات الحروب المدمرة. ان التكنولوجيا الحديثة كانت وسيله للتعريف بعوالم اخرى وبؤس الفكر والاوضاع التى عاشها ويعيشها الشعب العراقى معزولا عن العالم ومنجزات الحداثة. ان الاجدر بنا ان نعالج قضية الزواج وزواج الاحداث والقاصرات وافكار تربوية معاصرة شاملة وتوفير شروط حياتية افضل من ان ندعو بقوة الى منع او تحديد الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعى وارجاعنا الى عصور لا عودة لها .