23 ديسمبر، 2024 8:17 ص

فوق الثراء ..وتحت خط الفقر

فوق الثراء ..وتحت خط الفقر

نبدأ بهذه الحكاية : ذات يوم طلب احد الخلفاء من رجاله أن يحضروا له حكيما في بلده ‘ كان مشهورا بصدقه وعدالته في التصرف والموقف ، وعندما حضر الحكيم امام الخليفة قال له : إنني اطلب منك ان تتولى منصب القضاء، فرفض هذا الحكيم المنصب على الفور دون تردد قائلاً : انني لا اصلح للقضاء، وقد كانت هذه الاجابة مفاجأة للخليفة فشعر بالغضب وهو يقول : انت غير صادق، فاجابه الفقيه على الفور : إذن فقد حكمت علي بأني لا اصلح ، تعجب الخليفة من الرد قائلاً : كيف ذلك ؟ ابتسم الحكيم وهو يجيبه : لأنني لو كنت كاذباً كما تقول فإنني لا اصلح للقضاء بالتأكيد، وإن كنت صادقاً فقد اخبرتك بالفعل انني لا اصلح ايضاً لتولي هذا المنصب .
يقال أن التفاوت بين بني البشر في إلامكانات، والتي يعبر عنها بالقدرات المادية والمعنوية هي صفة ملازمة للطبيعة البشرية، فالقاعدة الأساسية أن البشر ليسوا سواء، وإنما لكل فرد صفاته في حد ذاته..
لنفترض بديهية هذا الوصف، ولكن بني البشر عندما يشعر بالتفاوت الحاد في الامان والمكان والمكسب وهذا التفاوت الحاد يحصل بطريقة فيها الظلم سيد النتيجة ‘ نرى المظلومين ومن اجل إدامة حياتهم وحريتهم الانسانية يتحركون وبشكل جماعي، فيكون التعبير لمواجهة هذا التفاوت متماثلة بين الجميع أينما يكونوا وفي اي زمان وبين أي نوع من الانواع البشرية لوناً وتأريخاً وإنتماء..
من الصعب ان نكون مثاليين لحد ( المبالغة ) في التمني للتساوي بين البشر ‘ ومن ثوابت خلق الله ( أن النفس امارة بالسوء ) ولكن المجتمع السوي ممكن ان يسير بشكل متوازن عندما يكون العدل سيد الموقف في الاستجابه لامور الناس ‘ والعدل لايحققه الا القضاء العادل ‘ ولابد ان الكثير منا سمعنا بحكاية احد اولياء امور الناس ( اي الحاكم ..!!) عندما كان بلده يخوض الحرب ‘ وصله خبر من المسوؤلين عن امن الناس يبلغونه بوجود الفساد في مؤسسات المسؤوله عن امور الناس ‘ فطلب منهم ان يحققوا لمعرفة : هل أن الفساد لتمرير أمور الرعية وصل الى القضاء ؟ فجاء الجواب بالنفي ‘ فهمش الحاكم على خبر مسؤولي الامن : لاخوف على ظهور الفساد هنا وهناك ان عدالة القضاء كفيله بازالته عند عودة الاستقرار .
ظاهرة رغبة الانسان في هذا العصر للثراء السريع ‘ هي ظاهرة خطيرة تهدد في المقام الاول السلم الاجتماعي و يزيد من الفروقات بين الناس في الحصول على المستلزمات الحياتية ‘ حيث يدفع بالبعض الى اللجوء لطرق غير مشروعة من اجل الكسب المالي ‘ وعندما يكون باي شكل من الاشكال القضاء في حالة لنقول ( التراخي ..!!) سيكون السلم الاجتماعي في خطر اكيد .
من هنا الان نرى ظهور امثلة معاكسة للحكاية التي رويناها في بداية حديثنا‘ حيث لجوء الانسان غير السوي مخيرا ..!! وليس كحكاية ( بطلب من ولي الامر ..! ) لفتح باب الفساد على انبل مهنة في حياة الانسانية وهي مهنة القضاء ‘ روى لي صديق في موقع مسؤولية وهو من الذين حافظ على نزاهة الاخلاق في الموقف والتصرف في موقعة قائلا : ان احد اصدقائه زاره في البيت طالبا منه دون تردد اغرب طلب لابنه المتخرج توا من كلية الحقوق من اجل تعينه ( حاكما – قاضيا ) في احد المحاكم ….!!! شرحت له أن هذا من المستحيلات لانه غير قانوني و وضحت له النص القانوني لشرعية تعين القاضي حيث ينص على انه ومن اجل هذا التعين المطلوب منه العمل الفعلي بعد التخرج من كلية الحقوق مدة لا تقل عن ست سنوات في مهنة المحاماة . او بوظيفة عدلية او حقوقية في الدولة ‘ ورغم انه يفهم القانون وهذه الحقيقة ‘.. لهذا ترون ‘ و منذ الاحتلال تحدث هذه الظواهر‘ كانها عملية مخططة ومنظمة باتقان ( ولا يمكن لاحد من العارفين بمراحل التخطيط لاحتلال العراق ان ينكر ان هذا الوضع الفوضوي والذي يعيشه العراق وسيد الموقف فيه الفساد كان ولا يزال احد الاهداف ضمن خطة الاحتلال لمنع نهوض الارادة الوطنية ).
بذلك ان مجتمعنا يعيش اخطر اختلال في حياته اليومية يشمل كل النواحي الحياتية واخطرها سيطرة مجموعة جشعة غارقة في الفساد لاسقاط كل القيم الاجتماعية الهادفة الى التوازن الاجتماعي والناس ترى وتسمع عن الجرائم التي ينفذها المجرمون لم يسمع عنه المجتمع العراقي الا في الافلام المستوردة من الخارج …!!
الان ‘ أن مجتمعنا يعيش في ظرف فرض عليه انتشار الفساد بشكل غير طبيعي يكمن في وجود ناس مقتدره لاقصى حد فوق ….‘ مع وجود ناس في التحت وبائسه إلى أقصى حد…! هنا يفقد التوازن وبالنتيجه يفقد روح العلاقة السليمة بين افراد المجتمع
ومختصر مفيد :
وصى احد حكماء اولياء الامور : كن عادلا قبل أن تكون كريما فالضروريات تسبق الكماليات .