18 ديسمبر، 2024 5:27 م

فهمان يرى الشيطان باستخدام الفيزياء النووية ج9 والأخير

فهمان يرى الشيطان باستخدام الفيزياء النووية ج9 والأخير

فور أن علم جاك من فهمان الخطوة المفقودة قام وفريقه بعملخمسة قنابل، أرسل منها ثلاثة طمرت في أماكن هامة منأرض اليابان، أمّا ذرات الرابيديوم المتصلة بذرات القنابل فقدأرسلها إلى ناسا وأعلمهم بطريقة تفعيل القنابل، كما أرسلإليهم القنبلتين الأخريين واحتفظ َهو بذرات رابيديومهمالشيء في نفسه، تلك التي ترتبط ارتباطًا موجيًا مع الذراتالموجودة في الثقوب السوداء.

                                                    ***

بمجرد دفن الثلاث قنابل أعلنت أمريكا حيازتها للقنابل وأنّالولايات المتحدة الأمريكيّة قامتْ بزرعها في جميع أنحاءاليابان، وأيّ عدوان يابانيّ عليها سيكون نتيجته فناءالجنس اليابانيّ كلّه من على وجه الأرض.

وقد قالوا فيما قالوا إنّ إعلاننا الأوّل قبل ستة عشر ساعةتقريبًا غير صحيح لأنّ القنابل لم تصل إلى المواقع اليابانيّةبالفعل، أمّا الإعلان الثاني فهو الصحيح، فقد وصلتالقنابل إليها.

وقد ردت اليابان على إعلان أمريكا بغطرسة حيث أعلنت أنهلا يزال لديها الكثير، وأن قنابلها مدفونة في جميع ولاياتأمريكا؛ وبذلك هدأ تمامًا الصراع اليابانيّ الأمريكيّ.

وما عادت تهتم أمريكا ولا اليابان ولا العالم بالنزاعاتوتصفية الحسابات إلّا اليهود وبعض التيارات الإسلاميّةالمتطرّفة، كلّ ما يعنيه أن ينجو من الموت منذ إعلان وكالةناسا خبر الثقب الأسود، وبدأ العالم يتوحّد ضده علىاختلاف دياناتهم وألوانهم ومذاهبهم.

                                           ***

ومذ أعلنت ناسا خبر الثقب توجّهتْ كلّ مراصد العالم نحوهوما عادوا يهتمون بأمر الحرب، لا المشتركون فيها ولاالمتابعون لها، لا المنتصرون ولا المنهزمون، واتّجهتْ كلّاهتمامات العالم نحو عزرائيل الذي يقف الآن على مقربة منالثقب تأهّبًا لخطف الأرواح.

ولقد عرف الأسيويون أخيرًا لِم كانت ناسا تصنع شراعًاضوئيًا، ولِمَ ترسل روبوتات وخبراء بكثرة إلى القمر، ولِمَترسل ملايين المرايا الخاصة بعمل الليزر، والروس بصفةعامة عباقرة في الرحلات الفضائيّة ولذلك قالتْ وكالتهمالفضائيّة إنّ الأمريكان يريدون دفع الشراع الضوئيّبمحطات ليزر من على القمر، وقالوا بأنه لابدّ أن يكون لهمدور في هذه الرحلة حتى لا تستأثر أمريكا بهذا المجدوحدها.

                                                  ***

بعد أن انتهى جاك من المهمة الرئيسة اجتمع بفهمانلاستكمال تجارب العبور إلى الشيطان.

لم يشعر جاك بالخزي في قرارة نفسه إذ راوغ فهمان وأعطاهعهدا لم يوفّ به، لأنه يرى أن فهمان لم يقدر الأمور حققدرها، فهو لا يعلم شيئا سوى العلم والخلق الرفيع الذييتربع في زمرة قلبه، بعيدا عن دهاليز السياسة وحياة الأمموتاريخها المليء بالحروب والغدر والخيانة.

بداية اقترحَ جاك على فهمان بتوليد هذه الثقوب الدائريّةالتي تلتف على هيئة دائرة حول فقاعة الرابيديوم وإلقاءطعام لها غير الذي يحوطها من الطاقة السلبيّة التي لاتؤكل.

قال فهمان عندئذٍ: «هكذا الحياة يا جاك، لا تجد خيرا في كلما هو سلبي

قال جاك: «صدقت يا فهمان

ثم قال مستدركا: «الشيطان من الطاقة، وهو يحب الطاقة لاالمادة، لأنه لا يستطيع أن يحوّل المادة إلى طاقة، لنرصده منخلال إمداد يدنا له بالطاقة، لتكن هي القرابين، قرابينالثقوب السوداء

قال فهمان: «لا بأس، كل شيء نريده من الحياة يحتاج إلىقربان نتزلف به من مالكه، سترصده المراصد عندما يمد يدهإلى الطاقة، علينا بتقديم قربان آخر، أريد إهداء النورأيضا

قال جاك: «تأمل في أن ترى الملائكة يا فهمان من خلفالثقوب، سبحان الله! كل عالم له خصائصه، فقد يكونالشيء البالغ الثمن لدينا ليس له قيمة في عوالم أخرى

قال فهمان: «لنبدأ

وضعت البروتونات، ووقف فهمان داخل الفقاعة بالتلسكوبليرى أيّ قربان يُقبل وأيّهما يُرفض، وسُلطتْ الكواشف علىمواضع تموضع الثقوب السوداء، وتمّ حساب طاقةالبروتونات المستخدمة في التجربة.

وُضِع الطعام من المادة كما وُضِع طعام من الطاقة أمامالثقوب واستعد الحاسوب للعمل.

بعد ثلث ساعة من دوران البروتونات في الأنبوبين وصلتْإلى سرعة الضوء تقريبًا وحدث الارتطام وتشكّلتْ الثقوبالسوداء في هالة دائريّة حول فقاعة فهمان الرابيديوميّة،وظلّتْ تدور حول نفسها وفهمان يرصد بالتلسكوب في وجلوشغف وجاك يدفع بحزم الليزر الخارقة حول الفقاعة وفيمركز الثقوببكل قوة وحذركي يتحكم في سبيانتهاليتحاشى بلعه أو سحقه من أحد الثقوب.

بدأت الثقوب تقوم بعملها الأساسيّ وهو أكل المواد التيحولها، كل الثقوب التهمت الطعام الذي حولها فيما عداواحدا أنِفَ من الطين (المادة) واحتقره وأقبل على الطاقةوالتهمها في لذة مبتسم الثغر، وبذلك تُقبل قربان فهمان ولميُتقبل لأي أحد آخر غيره، فعلمه وخلقه مكناه من المكربأخبث الخلائق ليجهز عليه وتحيى البشرية في سلامبحسب معتقده.

أما النور فظل كما هو، فتعجب جاك وسأله عن ذلك.

قال فهمان: «أرادت الملائكة الحضور لكن الشيطان كان أسبقمنها، وهي لا تجتمع مع الشيطان في مكان واحد أبدا

رصد فهمانُ الشيطان وهو يتقبل القربان، فعلم أنّ خلف هذاالثقب يسكن الجنّ ويعيش على أرضه حيث إنّ هذا ثقبهمالممتدّ من بُعدهم إلى بُعدنا، ثقب مصنوع فقط من الطاقة ولاتدخله المادة كما أنّ الجنّ ليست مواد بل مخلوقة من ناروالنار طاقة، النار لا تتحوّل إلى مادة لأنّ هذا مستحيل.

يتحوّل الفوتون، يتحوّل الجرافيتون، لكن النار لا تتحوّلإلى مادة.

وتقبّل الله قُربانَهما لأنهما صالحان، تقبّله من المسلموالمسيحيّ عندما صدقت القلوب.

خرج فهمان من الفقاعة، قال: «عرفنا الآن بعده، علينا بإجراءآخر خطوة للعبور

قال جاك: «ليس النجاح في العبور فحسب، بل أثبتنا صحةنظرية الأوتار الفائقة التي لطالما حيرت العلماء على مدارقرون طوال

قال فهمانما وصلنا إليه هو الوتر الناري المهتز، أحدالأوتار الفائقة، وقد طرقنا بوابة الجن، وأكيد رصدونا

قال جاك: «المهم أن تتمكن من العبور بأمان، فأنا متأكد أنملوك الجان رصدونا وهم بانتظار اختراقك، أسأل الله نجاتكيا فهمان

                                                     ***                                            

لقد لحظ مخابرات الجانّ للملوك السبعة محاولة تسلُل أحدالبشريين إلي عالمهم من البوابة الرئيسة التي يدخل ويخرجمنها بنو جنسهم إلى البشر، فهرعوا جميعا لإخبار ملوكهم.

وكانت مخابرات إبليس الأسرع على الإطلاق في نقل الخبرالمدوي الذي لم يحدث منذ موت سليمان ابن داوودعليهماالسلام-.

دخل رئيس المخابرات على إبليس، قال في دهشة: «سيديالإله، ثمة خبر عجيب

رفع إبليس رأسه وقال بصوت خفيض: «ما هو؟»

أجابه: «يحاول أحد بني البشر الحقراء الدخول إلينا

هبّ إبليسمن فوق عرشه الذي يطفو على الماءفزعا: «ماذاتقول؟ هل أرسل الله سليمان آخر إلينا؟»

قال رئيس المخابرات: «لا أدري، لكن في كل الأحوال علينابتوخي الحذر

– «كيف عرفت ذلك؟»

– «يحاول فتح الانطواء المعكوف ليلج بوابتنا من خلال ثقبٍناريّ، وقد ألقى طعاما لبعض من بني جنسنا فأكلوه، لكنهلم يفلح في العبور حتى الآن

سكت إبليس لحظات يتدبر فيها الأمر، ولما تفحصه جيداوأمعن التفكير فيه تبين له أن هذا البشري لن يكون نبيا علىكل حال، وإنما هو عالم من علماء بني آدم له حظوة منالعلم لم يصل إليها أحد من قبل، أو قد يكون له حظوة علمالخضر في زمان موسى.

وقال وهو يهمس بصوت يكاد لا يخرج من فيه: «النبي يعبربكلمة من الله ولا نبي بعد محمد، أما هذا الآدمي يعبر منخلال علمه، يريد أن يعبر خط التماس المنطوي المعكوفالذي يفصل بيننا وبينه من خلال علمه

رفع سبابته في حالة غضب وقال: «من هو هذا الطيني يارئيس مخابراتنا؟»

أجابه متمتما: «لم أسأل رئيس الحرس، وإنما جئت أخبرككي تدبر أمرك، فلعل الله أحيا سليمان ليقبض عليكويسلسلك، أو أنه أرسل نبيا جديدا ليجعل الجن تحتسخرته

قال إبليس في حالة غضب وزمجرة: «أيها الأبله، لا نبي بعدمحمد بن عبد الله، على الأرجح إنه عالم من علمائهم لا نظيرله، أريد أن أعرف من هو، ومن قرينه من الجن؟»

أرسل رئيس المخابرات إلى رئيس الحرس فأتاه في الحال،كلمه بضع ثوان ثم صرفه.

قال رئيس المخابرات: «أخبرني رئيس الحرس أنهم تمكنوامن التواصل مع قرينه، اسمه هادر

قال إبليس: «ماذا قال لهم هادر؟»

قال رئيس المخابرات: «أخبرهم هادر بأن قرينه البشرييدعى فهمان فطين المصري، وقد تمكن من ابتكار مختبررهيب تحت الأرض يبلغ طوله قرابة 100 كيلومتر وقد أسماهمصادم الهادرونات المستقبلي الثاني  FFC-2، ومن خلالهتمكن من طرق البوابة، وأنه لا نظير له في العلم

فكر إبليس قليلا وقال: «وليكن، لا يمكن أن يخترقنا وحده،ربما أحد الجان يساعده على الاختراق، أريد أن أعرف من هوهذا المرتد المارق العاق الذي ساعد البشريين علينا

قال رئيس المخابرات: «هو كذلك بالفعل أيها الإله، يساعدهآدمي آخر يدعى جاك، بلغ من علم الفلك ما لم يبلغه غيره

قال إبليس: «كيف عرفت؟»

أجابه: «أخبر أحد الجان الذي يحاول إغواء هذا الجاكرئيسَ حرس البوابة بأنه شاب مسيحي، قويّ لا يخاف أحدًاولا يهاب أحدًا، يكافئ فهمان في العلم، يحمل همّ إنقاذالعالم من الثقب الأسود الذي نصبه كون الآلات لاتخاذهمعبرا لحكم كوكب الأرض

قال إبليس: «سيتمكن من العبور ما دام اتحد المسيحي معالمسلم للنيل منا

وأخذ يفكر إبليس تفكيرا عميقا ورئيس المخابرات يرقبهويحدث نفسه: تُرى في ماذا يفكر هذا المجنون؟

قال إبليس: هل وصل الخبر إلى محرز ملك الجان الأحمر؟»

قال رئيس المخابرات: «أكيد أيها الإله

قال إبليس: «اسمع يا رئيس مخابراتنا، خذ فرقة من جنودناالخلّص، ومن بينهم ابني سارخ، يتسللون عند مكان البوابةحتى لا تراهم مخابرات الجان الآخرين، فإذا عبر فاقبضواعليه وأتوني به على الفور، ولا يمسه أحد منكم بسوء

سكت برهة ثم قال: «وليكن سارخ على رأس هذه الفرقة

 

                                 ***

وقد دار حوار بين ملك الجان الأحمر الملك محرزالذي يدعىالملك الصالح وهو عدو إبليس اللدودورئيس مخابراتهأشبه بحوار إبليس مع رئيس مخابراته.

وقد أصدر الملك محرز أمرا إلى قادة جيوشه بأن ينتظروافهمان عند البوابة المعكوفة، ويظفروا بإحضاره قبل أن يظفربه إبليس.

وعلل الملك محرز ذلك بأن فهمان قد بلغ من العلم قدرا قديحتاجه في حروبه الدائرة بينه وبين إبليس.

وبعد أن أصدر أمره رجع إلى نفسه وقال: الأمر شورى فلمإذن أصدر أمرا دون أن أشاور بطانتي الصالحة.

لذلك التفت إلى شمهروش قاضي القضاة وقال: «أتظننيجانبت الثواب؟»

أجابه: «أصبت ولا ريب أيها الملك العادل، وليوفقك الله فيسعيك

قال محرز وهو يهز رأسه بصوت غير مسموع: هذا رأيالدين، فما رأي العلم إذن؟

لذلك التفت إلى وزير العلوم والتكنولوجيا وقال: «وما رأيكأنت؟»

فردّ عليه الوزير: «سيدي الملك المعظم، بعد الاطّلاع على ملفالآدميّ فهمان أرى أنّه إذا انضمتْ علومنا إلى علومه فقدنبتكر أسلحة جديدة تكون لها الكلمة العليا في حروبناالدائرة ضد إبليس الملعون

قال محرز: «إذن قُضي الأمر، اذهبوا بالجيش هناك، ولتكنمعركة من أجل إحضار ابن الرجل الصالح فطين المصري

                                 ***

ذهب رئيس ناسا إلى المرصد ليتابع تطورات الثقب.

فور أن وصل أرسل في طلب بعض الطعام، ثم جلس يفكرلحظات في شأن القنابل.

قال: لقد هدأ الصراع بين أمريكا واليابان، لكني لن أتركاليابان دون عقاب.

وأحمد الرب أيضا أن الصراع بيننا وبين الكتلة الشرقيةانتهى، وأتمنى أن يتحقق حلمي وحلم جاك في إنهاءالصراع على حكم العالم بعد أن لطمهم هذا الرابض فيالسماء لطمة إفاقة أعلمتهم حجم قدراتهم رغم ترساناتالنووي الضخم التي يمتلكونها.

ووصل الطعام، ومد يده ليلتهم أول ساندويتش وهو يقول: والآن لننظر في الثقب.

ومضغ أول لقمة دخلت فمه، وبينما هي في طريقها إلىالبلعوم وقفت، ثم لفظها في فزع بالغ وقال: رباه ماذا أرى؟!

وأخذ يسعل سعلا شديدا، فمد يده إلى كوب الماء بيدمرتعشة وهو لا يزال ينظر إلى الثقب، فضربت الكوبفانسكب على الماء فلم يكترث لذلك، حيث إن الفزع أنساه منهو.

قال: أهذا ثقب سحابة أورط أم لا؟  يا للمسيح.

أرسل يستدعي صور الأقمار الصناعيّة الموجّهة عليه لرصدهوكذلك المراصد الموجودة على المركبات الفضائيّة.

ثم هاتف بك ليحضر بسرعة.

وجاء بك بصور الأقمار الصناعية.

قال بك: «إنه هو ثقب سحابة أورط

قال رئيس ناسا: «لكن حجم الثقب كان أصغر بكثير منقبل

نظر بك إلى الصور وقال له: «انظر ماذا رصد القمرالصناعي، إلتهم الثقب جرما كبيرا، جذبه الثقب عندما وقعفي أفق حدثه

سكت بك لحظة يزفر زفرات ضيق، ثم قال: «وهذا التضخم قديحدث تغيرا في نسق المجموعة الشمسية

قال رئيس ناسا: «حلل بقية صور الأقمار الصناعية

نظر بك في أكثر من صورة، قال: «هو بالفعل أحدث خللا فينسق المجموعة الشمسية، كوكب، كوكب بلوتو بدأ يتأثربجاذبية الثقب نتيجة لتوسع أفق حدثه فقلت سرعته بمقدارواحد من ألف، وبالتالي قل عدد دورانه، ولم يسلم أيضا منجاذبيته كوكب نبتون، ولو تضخم فقد يمزق كلا الكوكبين

نكس بك رأسه في الأرض، أما رئيس ناسا فزفر غاضبا وهويقول: «وأين ابن الكلب الآن؟ تركنا وراح يتنطع مع هذاالفهمان

ورفع سماعته وهاتف جاك وطلب منه العودة بالأمر بعد أنأخبره بأمر الثقب.

بعدها قال: «يا بك، لتسلط كل تلسكوباتنا ومراصدنا نحوالثقب والكواكب الشمسية، أريد تقريرا كل ساعة عنالتطورات التي أحدثها ذاك الملعون الرابض في السحابة

                                 ***

حزن جاك حزنا شديدا بعد سماع خبر تضخم الثقب الأسود،وكتم حزنه بداخله وآلى على نفسه أن يتحمل ذلك دونمشاركة فهمان في مشاعره الحزينة حتى لا يؤثر على حالتهالنفسية فلا يتمكن من العبور.

                               ***

اِستأنفا التجارب بعد مكالمة رئيس ناسا مباشرة، وكرّراالتجربة هي هي لتحديد موضع ثقب البعد الشيطانيّ، وتمّحساب الطاقة اللازمة لتوليده من خلال خوارزميّات معقّدةجدًا وتبيّن أنّه يحتاج إلى طاقة 411 تيرا إلكترون فولتبالضبط.

تمّ إنجاز التجربة على هذه الطاقة لتوليد ثقب الشيطان.

قام جاك بتوسعته بضرب ذرات الرابيديوم المبرّدة المتمركزةفي وسطه بوساطة حزم الليزر، وتقدّم فهمان واجتاز حتىعبر، وقبل العبور مباشرة قال له جاك: «هذه هي رسالة الربّيا فهمان، هذا هو  تفسير الحلم الذي كنتَ تراه في حياتك،هذا هو سمّ الخياط، هذه هي حضارة النار، وسوف تنجّيكلفافة النّور من جآنٍ صالح ، سوف تحيا بعد عشر سنين ،،سوف تموت عشر سنين ، سوف تحيا بعد عشر، تموتوتحيا، تموت وتحيا

رفع جاك يده اليمنى، ظهرها في مواجهة وجهه، يحرّكهايمنة ويسرة ببطء شديد كأنّه لا يقوى على تحريكها ويقولوالدمع ينهمر من عينيه: وداعًا إلى الأبد يا أغلى الناس،وداعًا إلى حين نلتقي في جنّة الربّ يا أطيب الناس، وداعًايا فهمان.

وشعر جاك بأنّ نصف جسده قد انسلخ عن النصف الآخروأنّه واقف على قدم واحدة، انكبّ على وجهه بعد أن وهنتقدماه، ثم انتفض عندما تذكر كارثة الثقب، فخرج في التومتوجها إلى ناسا.

خرج فهمان من الفتحة المقابلة للثقب الدوديّ، وفور أن فتحعينيه أغلقهما على الفور من قبح ما رأى، حتى أصابه دواروتقيأ، ثم ما لبث أن فتح عينه فوجد نفسه بين كفي رحىعفريت من عفاريت إبليس.

يرى أمامه آلاف من هذه المناظر القبيحة، بينما يرى أيضاتموجات كتموجات الجاذبية، فأدرك عندها أن هذه مجموعةمن الجان في تتحرك بسرعة تقارب سرعة الضوء، ولا يكاديرى لعفريت إلا لحظة سكونه أو يتحرك حركة بطيئة.

وسمع أصوات مختلطة، ما بين اصطكاك السيوف وصوتالذبذبات وتصفير الرياح.

ورغم أنه يعلم أنه قطع ملايين الكيلومترات وهو في كفالعفريت إلا أنه لم يشعر بأنه يتحرك، فعلم أن سرعة العفريتفائقة قد تصل إلى سرعة الضوء، وهذا بمنزلة مؤشر له أنمساحة أرض الجان قد تبلغ مساحة المجموعة الشمسيةبمئات المرات، وربما آلاف المرات.

الحرب

أخذه العفريت وطار به في الهواء قاصدًا إبليس، بينماالوالي برقان (أحد ولاة الملك محرز على بعض المناطق) يحاول أن يدركه قبل الفرار، وبالفعل أدركه وبتر يده الممسكةبفهمان ثم تلقفه وطار به هو الآخر قاصدا الملك محرز.

ولم يكن الصراع حول الظفر بفهمان فحسب بل تقاتلالجيشان وسقط منهم الكثير، ما بين قتيل وجريح، لكنغرض القتال هو أيضا الظفر بفهمان.

وظل الوالي برقان يطير بفهمان في جزء من الفيمتوثانية،عندها ظن أنه ظفر بفهما بسبب طول المدة التي لم يدركهفيها أحد فنادى على الوالي ميمون أبانوخ بأن ينادي فيالجيش بالرجوع. وفجأة

نادى برقان على الملك ميمون أبانوخ بعد أن حاز فهمانَ أنِارجعْ بالجيش كي نذهب إلى حصوننا عند الملك محرز .

رمق ساروخ ابن إبليس الملكَ برقانَ وهو يرحل من المعركةبفهمان ، فترك موقع قتاله وطار خلفه ليدركه ، فتقاتلا ، وكانبرقان يقاتله بيدٍ واحدة لأنّ الأخرى ممسكٌ بها فهمان ، طالتالمبارزة طويلاً .

سارع الجمعان نحو الملكيْن برقان وساروخ ، أي نحو الهدف، فدعّم أحدهما برقان والآخر ساروخ من أجل الظفر بفهمان .

استطاع أحد العفاريت العمالقة العتاة خطف الهدف من يدبرقان المنشغل بقتال ساروخ وطار به قاصدًا إبليس ،وإبليس يصفق مشجّعًا عفريته ، طار خلفه ميمون أبانوخوناوره مناورة كبيرة ، فلمّا وجد العفريت العملاق أنّه لنيستطيع مجاراة أبانوخ بيدٍ واحدة ألقاه إلى أخيه العملاقالآخر ، وظلا يتقاتلان ولم يتغلبْ أيّ منهما على الآخر .

سعى خلف العفريت العملاق الآخر كهيال وتبعه هلالوهياكل وأتباعهم فتغلب عليهم جميعًا وقتلهم ، فترحّم عليهممحرز متوجعًا ، بينما نجد إبليس يحتفل بأداء طقوسرقصته الرائعة .

ترك أبانوخ مبارزة العفريت العملاق سعيًا خلف الفتى بعدأن استطاع أخيه قتْل بعض جنوده الكِفَاء، ظلّ يطير خلفهوتبعه بالطبع العفريت العملاق .

أدركه أبانوخ وقتله ، وطار بفهمان ، نظر أخوه العفريت إلىأخيه المقتول فصرخ تفجّعًا عليه ، ثمّ هبّ وقلبه مملوء بغلّالثأر وسعى خلف أبانوخ لكنّه لم يدركه ، نظر إبليس إلىالمشهد وأيقن أنّه خسر المعركة فهبّ منتفضًا وطار قاصدًاميدانها .

وكاد الجيشان بفضّ الاشتباك لظفر أبانوخ به حتى ظهرفي الأفق إبليس ، جاء مسرعًا يحمل سيفًا بتّارًا وهجم علىأبانوخ وكاد أن يقتله لولا أن تداركه على الفور بعض ملوكجنّ الأرياح وزميله برقان واجتمعوا على إبليس فأسقطالكثير منهم على الأرض صرعى واستطاع أن يخطف فهمانمن يد أبانوخ .

لم يتمالك محرز نفسه ، وآثر المغامرة بحياته قبل أن يقتلإبليسُ خيرة رجاله ، وطار يقاتل مع الجمْع ومن خلفهالعجوز شمهروش ، قطع محرز يد إبليس اليسرى وأخذالفتى وتمْت التغطية عليه من أمامه حتى لا يدركه إبليسأو أتباعه ، وبفضل هذه التغطيّة الكبرى والذي ضاع فيهرقاب كثير من أتباع محرز الملك الأحمر استطاع الفكاكبفهمان والذهاب به إلى معاقلهم .

انفضّ الاشتباك فلا جدوى من القتال لإنّ الهدف ولّى ، ومضى كلاهما إلى معاقله غير العفريت العملاق الذي ماتأخوه ، ظلّ يندب ويحثي على وجهه النار متحسرًا علىأخيه الهالك ويتوعّد أبانوخ ويقول لن أترك ثأر أخي ياأبانوخ ، سأقتلك .

غرفة التخليق الجنيّة..

أجلسه الملك محرز ودار بينهما حوار طويل يخصّ مسالةالإيمان والكفر والإنس والجان ودوري الجنّ والنفس فيإغواء البشر .

وكان النقاش محتدمًا حول قدرات الجنّ الخارقة إزاء قدرةالبشر المتواضعة إلَا أنّ فهمان حاول أن يقنعه أنّ العلم أقوىمن القوى الجسدية .

لكن الملك محرز كان أكثر منه حكمة وإدراكًا ، وعليه قرّردخوله في سُبات عشر سنوات بالغرفة الثلجيّة الخاصة بهملحين إعادة تشكيل خلقه ليكون نصفه الأيسر الرأسيّ جانوالنصف الآخر إنسان .

وعلى ذلك يكون باستطاعة فهمان الانضمام إلى جيوشالملك محرز لنصرته ضد إبليس وأعوانه .

فقال له فهمان ..ماذا قلت ؟ سبات عشر سنوات !

ردّ محرز ..ما العجب في ذلك ؟

ردّ فهمان ..تكنولوجياتنا لم تصل إلى ذلك مطلقًا.

ردّ محرز ..يا فتى هذا أحدث ما وصلتْ إليه علومُ الجان منذبدْء الخليقة.

واعلمْ أنّ البُعد الذي نعيش فيه سيمكنك من اختراع وابتكارأشياء أكثر بكثير مما اخترعتموه على أرضكم ، ثمّ تابعكلامه مؤكدًا ومفسرًا ..

طبيعة أرضنا يا فهمان تختلف عنكم كثيرًا ، فمثلاً يستطيعأحد الجان حمْل أشياء ثقيلة كمنزل مثلاً من منازلكم .

بعد ذهول مشوب باليأس انتاب فهمان سأله..وهل تظنّأنّني استطيع مساعدتكم ؟

ردّ محرز ..كثيرًا ، كثيرًا جدًا يا فهمان ، لأنّ طبيعة أرضناستمكّنك من عمل أشياء أنتم في عالمكم وأرضكم تعتبرونهاخوارق ومعجزات .

فسأله فهمان من جديد ..وهل تظنّ أنّني أستطيع أن أكسرتلك الوساوس التي تصل إلى عالمي ؟

ردّ محرز ..بالطبع لو استطعت أنا كسب جولات الحرب ضدإبليس .

لم يجد فهمان بُدّا من الخنوع لرأي الملك محرز لأنّه الأصوبوالأفضل .

وهمّ فهمان بالدخول في الغرفة الثلجيّة لأداء السبات امتثالاًللأمر دون أدنى فكر ، فاستنبهه محرز قائلاً ..إلى أين يافهمان ؟

فردّ إلى الغرفة الثلجيّة .

فردّ ..وحدك !

أجاب ..وهل سيدخل أحد معي ؟

ردّ ..سيدخل معكَ متطوّع ، سنشقّ جسده رأسيّاً فيما بعدكما سنشقّ نصفك أنت أيضًا ، نهبك نصفه وتهبه أنتَنصفك ، أي تقومون بعملية تبادل .

ردّ فهمان ..وهل يسعفكم علمكم في إتمام عمليتين مثل هاتين؟  نحن بنو البشر ما وصلنا لهذا التقدم الرائع .

ردّ محرز ..أصارحك يا فهمان أنّ العملية خطيرة جدًا وليسلديك بديل ، حيث أنّ قدراتك ضعيفة وقتلك محتّم .

ردّ فهمان ..ألَا تتمّ هذه العملية في ساعة أو عشرة ، سنة أوسنتين ؟

ردّ محرز ..لا ، إنّها عملية تخليق ، إنّنا نقوم بردّ الروحوحبسه عند خروجه من جسدك ، كما أنّ التحام شقي الجسدعملية صعبة وبالغة الخطورة أيضًا بسبب اختلاف نوعالشقين ، إذ أن أحدهما من نار والآخر من طين ، إنّها يافهمان عمليّة تكوين في رحم الغرفة الثلجيّة وستستغرقعشر سنوات قد تزيد أو تقل قليلاً .

ودخل فهمان ومعه عفريت من الجِنّ وهو أقوى عفاريت الجنّعلى الإطلاق للقيام بأداء العملية .

الجزء الثاني والخمسون

بعد عمل الاستخبارات المطلوبة والتي استغرقت قرابةخمسة عشر ساعة قرّروا  الاقتحام .

اقتحمتْ الفرقة المقاتلة الإسرائيليّة المكان ، فوجدوا جاك فيهاولم يجدوا فهمان ، فسألوه عن فهمان .

قال لهم مَن أنتم ؟

قالوا لا شأن لك بهويتنا ، إنّما نسألك عن فهمان .

تفحّصهم جاك ودقّق في لغتهم الإنجليزية المضطربة فعلمأنّهم إسرائيليون ، كما أنّ أشكالهم تنمّ عن هويّتهم ، فراوغهموقال ..أنتم من جنود إسرائيل الشقيقة ، إن كنتم تريدونفهمان فقد ترك هذا العالم وذهب .

ها هو المصادم ابحثوا عنه كيفما تشاؤون إن لم تصدقونِ .

وبعد البحث صدّقوه بالفعل لأنّهم يعلمون أنّه كان موجودًامنذ قليل ، فهمس أحدهم لكبيرهم أنّنا علينا إرغام جاكبصنْعها .

وقال كبيرهم بالفعل لجاك ..جاك اصنعْ لنا هذه القنابل .

قال أنا رائد فضاء ولست متخصصًا في الفيزياء النوويّة ، لايعرف سرّ صنعها إلّا الملعون كاجيتا والعابريقصدفهمان“.

فقال له يا جاك لا تضطرنا لإجبارك على صنْعها ، اصنعْهافأنت تعلم أن أمريكا وإسرائيل دولة واحدة .

ردّ جاك ..لو أنّي أستطيع لهاتفتُ رئيس الولايات وأخبرتهبرغبة إسرائيل في الحصول على القنابل لكنّي لا أستطيعصنعها .

سأله .. ومَن صنع القنابل التي تمتلكها دولتك الآن ..ألستأنت ؟

ردّ جاك ..لا ، إنّما صنعها فهمان العابر وأعطانيها فأرسلتها.

صمت كبيرهم لحظات وشعر أنّ الأمر تعقّد إذ إن جاك يأبىطاعتهم ، ولذلك خشي أن يورّط نفسه ودولته في عمل قديتسبّب في خلْق أزمة بينها وبين أمريكا ، فراسل يعقوبإسحاق على الهاتف يخبره بتفاصيل الأمر كلّه سواءٍالخاصة بعبور فهمان وتركه العالم البشريّ إلى الأبد أوبسلوك جاك المخادع .

قال له إسحاق ..إذن فالكارت المضمون غوائله هرب وتركالعالم ، أمّا جاك فأنا متأكد أنّه هو الذي صنعها وليسالعابر ، وحتى لو صنعها العابر فجاك يعلم سرّ صنْعها .

ثمّ استطرد ..لديك في فرقتك بروفيسور في علم النفس ،اِجعلْه يكلّم جاك باللين والتؤدة ونفّذْ ما يقول لك على الفوردون الرجوع إلىّ .

امتثلَ للأمر ، ابتعدَ الجميع وجلسا معًا منفردين ، جلسطبيبُ علم النفس مع جاك وظلّ يحادثه أكثر من ساعة ثمّنهض وكلّم قائد الفرقة .

قال له ..سيدي القائد ، جاك هذا لن يصنع لكم شيئًا ولوعذبتموه حتى الموت ، هو لا يعطي شيئًا بالإكراه أبدًا .

سيدي القائد جاك يستمدُّ عزيمته وقوّته من عقيدة يتبناها ،تلك العزيمة لا تهون ولا تتزعزع أبدًا ، ولو قال لي أحد أنّهقتل فرقة الساموراي وحده لصدقته .

سيدي القائد ..أيّ عملية إرغام لجاك سوف تُكلف دولةإسرائيل الكثير، فعليكم باتباع أسلوب آخر معه ، خادعوهولا أظنّ أنّ خداعكم سيجدي نفعًا لأنّه مدرك ومحيط بكلّ مايدور حوله .

سمع القائد هذه الكلمات ولقد قرّر الانسحاب بعدما يأستمامًا من جاك ، فنهض وسلّم عليه واحتضنه ثمّ قال له ..إنّيعقوب إسحاق يسلّم عليك ويدعو لك بالتوفيق .

وانسحبت الفرقة وتركته.

بعد رحيلهم مباشرة كتب جاك خطابًا ووضعه في غرفةمبيت فهمان ، ثمّ أعد حقائب سفره ورحل قاصدًا بلدهوبالتحديد جزيرة ماوي جهة المحيط الهادي