18 ديسمبر، 2024 6:57 م

فن الابتزاز وصناعة الأزمات

فن الابتزاز وصناعة الأزمات

على مدى سنوات طويلة تدخلت أمريكا عسكرياً في مناطق كثيرة وبحجج واهية، وإرتكبت خلال ذلك جرائم عديدة لم تتم محاسبتها عليها، بل على العكس إستمرت في تزكية نيران الصراعات المسلحة في منطقتنا، والهدف هو حماية مصالحها والسيطرة المطلقة على المنطقة مستخدمة سلاح التهديد بفرض العقوبات على الدول التي تعارضها ولا تخضع لإملاءاتها وسياساتها.

 

فهي تحرض دول الخليج للحرب مع ايران، وتدعم أوكرانيا في الحرب ضد روسيا كما تدعم تايوان تمهيدا للحرب ضد الصين، كما تبنت قيام تنظيم داعش الإرهابي في إطار الرهان على أكذوبة الشرق الأوسط الجديد تحت رايات الإسلام السياسي الموالي لأمريكا، كما حرضت الشيعة على السنة في المنطقة وقسمت العالم العربي إلى مسلمين وغير مسلمين وقدمت الدعم والسلاح والمال للمجموعات الإرهابية في أكثر من مكان، فضلاً عن استخدام الاكراد في نهب ثروات الشمال السوري.

 

مما لا شك فيه، أن أمريكا دائماً تتفنن في خلق الصراعات، فقد أزكت الصراع والإقتتال في العراق مما أدى إلى إشتعال حرب طاحنة هناك، وحولت سورية إلى ساحة عنف وأرض للعصابات الإرهابية، وإشغلت دول المغرب العربي بنزاعات مماثلة، ولا ننسى محاولة تفتيت اليمن ومصر وتونس والسودان ولبنان والصومال من خلال محاولة صنّاع القرار الأمريكيين بتكريس الخلافات فيما بينهم، والقضية الفلسطينية التي لا تزال إسرائيل تقتل الفلسطينيين، حتى بدا أن وظيفة إسرائيل النهائية هي إفناءهم بأية وسيلة وحتى آخر رمق من أنفاسها.

 

ومن هذا المنطلق فإن الأمريكان غير مستائين من أحداث العنف وأعمال الشغب في العالم العربي وذلك لأنهم سيستغلوا هذه الأعمال كوسيلة استراتيجية للهيمنة على العالم، حيث دأبت أمريكا وحلفاؤها على نشر الرعب والخوف بشكل مباشر أو بالوكالة في المنطقة التي ولدت في مجملها طلباً عالمياً متزايداً على السلاح والمعدات العسكرية.

 

وتؤكد صناعة الحرب أن أمريكا تربعت فوق عرش الفائزين بمليارات الدولارات من خزائننا، ناهيك عن الدماء التي تهدر في معظم الدول العربية كسورية والعراق واليمن، كما أن صناعة السلاح بأمريكا خلال هذه الفترة شهدت إزدهاراً غير مسبوق، وأن أسهم مصانع سلاحها الكبرى لم تزل في إرتفاع بفضل المعارك التي تشهدها منطقتنا العربية، وبذلك تعتبر واشنطن بأن السلاح الأمريكي هو سفيرها الخفي الذي يعمل من خلف الستار على توثيق العلاقات مع الدول الأخرى أو مع حركات انفصالية تدين مستقبلاً بالولاء والتبعية لها.

 

إن ما جرى في المنطقة وما يزال هو مصلحة أمريكية إسرائيلية بالدرجة الأولى وإعادة ترتيب جديد للمنطقة، فالظاهرة الاستعمارية هي المسؤول الأول والأخير عن معاناة الشعوب العربية التي اتبعت سياسات تعسفية لاستغلال خيراتها وثرواتها وما زالت هذه المخططات سارية المفعول، حيث يحاول الشريكان الأمريكي والصهيوني تنفيذها عبر خلق الأزمات والفوضى والفتن والاقتتال بين أبناء الشعب الواحد في العديد من أقطار القطر الواحد، وبالتالي فإن الحاصل هو المزيد من المعارك الصاخبة بين أبناء الحضارة والثقافة واللغة الواحدة، إضافة إلى المزيد من العنف وما يسفر عنه من قتل وسفك للدماء على حساب البناء والتنمية والتطور الحضاري.

 

وما تفعله إسرائيل من إجراءات تعسفية في حق الفلسطينيين والمسجد الأقصى، ما هو إلا نموذج لتفجير التوتر وخلق الأزمات وصناعة الحروب، ثم توجه اللوم والتقصير على السلطة الفلسطينية تجاه مواجهات الفلسطينيين، وهو رد فعل طبيعي أمام الانتهاكات والاعتداءات الممنهجة التي تقع في باحة المسجد الأقصى، وفي مناطق متفرقة من فلسطين وغزة، ليكون المشهد النهائي تمسك نتنياهو بالقدس عاصمة أبدية لدولة إسرائيل، وفي مقابل ذلك يطمس الهوية العربية الإسلامية.

 

في الآونة الأخيرة، عملت اسرائيل على استفزاز سورية من خلال عملياتها العسكرية في سورية وتجاوزت جميع الخطوط الحمر هناك، فقد استهدفت المطارات المدنية وأخرجت مطار دمشق عن الخدمة واستهدفت مطار حلب كذلك، كما قامت إسرائيل باستهداف مباني سكنية في دمشق وريفها وأزهقت عشرات الأرواح من المدنيين.

 

بالمقابل إن الكيان الصهيوني أمام منعطف إستراتيجي لن تسعفها كل بشاعة القتل والدمار التي تمارسها أن تخفي إخفاقها في الخروج من مأزق عدوانها البغيض، وإرباكاتها التكتيكية أمام حركات المقاومة التي أصبحت مؤشرات معالمها واضحة للجميع، فشروط المقاومة اليوم قد تغيرت وإرتفع سقفها، وباتت في الصدارة، ومبادرات الخنوع والإستسلام لم يعد لها بين محور المقاومة، والكلمة الفصل والقرار اليوم لم يعد لأحد سوى للأبطال في الميدان، فهم باتو الأمل الوحيد للأمة المكلومة في رسم خارطة طريق جديدة لسورية وللأمة بأسرها.

 

هنا نؤكد للرئيس بايدن، وكل من إستخدم الوسائل الداعشية لتنفيذ الأعمال الإجرامية في سورية والعراق و..و..، إن حساب الحقل لا ينطبق على حساب البيدر، وأن كيدهم سيرتد إلى نحورهم، وكما يبدو أن هؤلاء المراهنين لم يعرفوا طبيعة الشعب السوري والعراقي وسايكولوجيته الإجتماعية، فالشعب السوري والعراقي يرفض الإملاءات الخارجية عليه، ويرفضون الذل والمهانة والخنوع، وهنا أقول إن الغرب وإسرائيل هو المسؤول الأول والأخير عن معاناة الشعوب العربية التي إتبع سياسات تعسفية لاستغلال خيراتها وثرواتها وما زالت هذه المخططات و المشاريع سارية المفعول، حيث يحاول الشريكان الأمريكي والصهيوني تنفيذها عبر خلق الأزمات والفوضى والفتن والاقتتال بين أبناء الشعب الواحد في العديد من أقطار القطر الواحد.

 

مجملاً… إن المنطقة دخلت الآن في أوج أزمتها والإنفجار قريب والتفتت بات واقعاً، يبقى وحده تحالف دولي يمكن أن يغير ميزان القوى وأن يعيد المنطقة إلى سابق عهدها، تحالف تقوده دول معنية بمكافحة الإرهاب وإجتثاثه وقد تقوده سورية والعراق بمساعدة دول أخرى على رأسها روسيا، فالوقت الآن لتقييم كل ما حصل وأن نتكاتف جميعنا ونضع خلافاتنا جانبا لحماية أبنائنا في ظل وطننا الكبير، وأن نعد العدة ولا نستهين بالخطر القادم إلينا من جميع الاتجاهات.

 

وأختم مقالتي بالقول إن كشف المخطط الصهيوني لتقسيم البلاد العربية وتعريته هو من أولى الواجبات التي يجب أن تكون من مسؤوليتنا، وما تمر به الأمة العربية إنما هو لإضعافها من أجل تسهيل عملية تفتيتها إلى دويلات صغيرة، فلنحذر ولننتبه، ولنفتح عيوننا لحماية بلادنا وأمنها، وضمان مستقبلنا المشرق، ومن أجل ذلك لا بد من التوحد خلف استراتيجية واضحة وثابتة ودائمة لفضح الاحتلال وعزله ومواجهته بكل أشكال المقاومة إلى أن يزول عن كامل الأرض العربية.

[email protected]