18 ديسمبر، 2024 6:42 م

فلسفةُ آلفلسفة آلكونيّة – ألحلقةُ آلسّادسة

فلسفةُ آلفلسفة آلكونيّة – ألحلقةُ آلسّادسة

فلسفة ألنّفس آلكونيّة: كيفَ و لماذا (تَفَكَّرِ ساعة خيرٌ من عبادة 70 عاماً)(1)؟
عرضنا مكانة ألكونيّ و دوره كأمين على (آلأمانة) في هذا الوجود لتحقيق الخلافة الألهيّة وختمنا بآلقول: [لو أردنا آلسّعادة في الوجود كهدفٍ غائيّ طالما سَعَى الأنسان لتحقيقها؛ فعلينا بألمعارف و أوّلها معرفة النفس] التي بها يعرف الأنسان ربّه و قدر نفسه وعظمته بآلله الذي حَمَّلَهُم تلك (ألأمانة) ليكون ثمناً لكرامتهم و عاقبتهم بمقدار وحجم ما تستوعبه ضمائرهم و يُفَعّلهُ وجودههم ألّذي يجب أن يكون صافياً, لا أن يُباع ويُشترى بسهولة في أسواق المال والسياسة والدّعارة والتحزّب والتجارة والشّهوة وبثمنٍ بخس ليكونوا تابعين أذلاّء لخدمة ومداراة أجسامهم ألتي ستأكلها آلدّيدان لتفنى وتصبح سماداً عفناً بدون العناية بأخلاقهم التي وحدها تبقى لتُحدّد مصيرهُ, ولذلك باتَ فكر ألمُفكر وفلسفة الفيلسوف ألعدوّ آلأكبر لحكومات وشعوب العالم التابعة لأجل منافعهم, بعد إنتشار وتقديس الجّهل وشراء الضمائر لِلُقمة خبز.

وبما أنّ طبيعة ألبشر ألجاهل بآلفلسفة الكونيّة يميل و يستميت للأنتصار لذاته التي هي أقرب إليه من الآخرين ويُمثل وجوده و لا وجود لله فيه كما قلنا؛ لذلك لا ترى عادلاً وصادقاً مع ذاتهِ لقول الحقّ سواءاً كان لهُ أو عليه, وسيبقى البشر على هذا الحال ما لم يؤمنوا بآلفكر الذي أنتج أخيراُ الفلسفة الكونية!

أنا شخصيّاًّ لم أَرَ و لم أشهد في حياتي سوى واحد او إثنان أو ربما ثلاثة على مدى سبعة عقود عشتها في أوساط مختلف شعوب وملل ألأرض, لذلك يبدو أنّ الجنة و الخير سيكون نصيب الصّادقين ألذين يستحون من الله لأنه تعالى معهم يرونه و يراهم بعكس الكاذبين المنافقين الذين لا يستحون من الله و يغيّرون الحقائق و يسكتون عن الحق لفقدانه في وجودهم, لذلك حدّد الله تعالى مكانهم في الدرك الأسفل.

إنّ (العدالة الأرضية النسبيّة) ناهيك عن (االكونية المطلقة) ليست مسألة هَيّنة و سهلة ألفهم و التطبيق, خصوصا و البشرية تعيش اليوم ألجّهل وألتّخلف الفكريّ والتناقض وإضطراب القيم وتشوّهها بسبب الأحزاب والحكومات الخاضعة للمنظمة الأقتصاديّة العالميّة, بل صارت ألصّفة الرئيسيّة التي تُميّز حقيقة و وجود الله تعالى التي إعتبرها بنفسه أصلاً من الأصول الخمسة لأيمان البشر بآلغيب, حيث يأتي بعد (التوحيد) لمحوريّتها في الوجود, لذلك إن آمَنَ باحثاً و لو بآللسان بآلعدالة النسبيّة و ليست المطلقة التي هي من هواجس حركة و بعثة العظام كآلأنبياء و الأئمة و على رأسهم الأمام عليّ(ع) و الفلاسفة من بعده؛ فألزمهُ و لا تتركهُ لأنهُ بآلتأكيد من العباد المُخلصين ومن الأولياء ألمُقربيين والناس تجهل ولا تعلم بسبب الجّهل المقدس وإنقلاب المفاهيم و كثرة ألشهوات وآلرواتب الحرام وآللقمة الدسمة وحب التسلط!

في نظريتنا المعرفيّة كأساس في (الفلسفة الكونيّة) ألتي هي ختام قصة آلفلسفة في الأرض لطيّ صفحة الظلم وتطبيق العدالة الأنتقاليّة؛ نرى أنّ سَفَرِ ألأنفس (ألأرواح) أهمّ و أجدر و تتقدم على سفر الآفاق (ألأجسام) لبناء القلب الذي هو محور الوجود, لكن الأثنان(السفر ألروحي و الجسمي) ضروريان في الفلسفة الكونية, التي عبّرتُ عنها بتعبير رائع في (أسفار في أسرار الوجود) هو؛ (العرض و الجّوهر) لأنّهما يُكملان بعضهما البعض, فلا جوهر بدون العرض و لا عرض بدون الجوهر, و معرفتهما تمثل الشرط الأهمّ لتحقيق ألعدالة و بآلتالي ألسعادة .. و لعلّ هذا آلمَسير – ألمَصير ألصّعب و آلمُقرف الذي يُواجهه البشر في عالم اليوم و يزداد تعقيدأً مع إمتداد الزمن؛ هو بسبب جهل الناس المطلق بما فيهم المثقفين و الأكاديميين و السياسيين في مقدمتهم؛ بآلأسفار ألرّوحية و آلنّفسية بسبب فصل (الدِّين عن السياسة), فآلناس – بإستثناء المفكر والفيلسوف إنْ وجد – وبسبب تسطّح الأفكار و طغيان الشهوات و حجم ألبطون (الكونية) التي لا تشبع؛ يتصوّرون بأنّ ألسّعادة تتحقق من السّفر الجسمي(العرضيّ) المادي, فنراهم يُسافرون لكلّ بلد و مصر لتغيير الأجواء لكن هؤلاء ألجّهلاء بألأسفار ألجوهريّة ولمجرّد رجوعهم .. يعودون للحالة الأولى وربما بكآبة أشدّ وعقدٍ أعمق ليضاف حمل آخر لأحمالهم التي كبّلتهم بعد ما قيّدوا أنفسهم بها والتي عقّدت حياتهم وأرواحهم أكثر.

فما الفائدة من معرفة تفاصيل و أبعاد المدن والبيوت و الحدائق و البساتين والامصار والطرق و الأفلاك والكون ومجراتها ودروبها وحتى ما بعد الكون(2) إن كان هناك كون لما بعد هذا الكون – ما الفائدة من ذلك لو عرفنا كل تلك المسافات والأجواء والألوان والمعلومات ونحن نجهل أنفسنا التي هي أقرب شيئ إلينا و تُمثل حقيقة وجودنا وأحبّ إلينا من كلّ بعيد أو قريب..صغير أو كبير؛ بسيط أو معقد؟
هذا سؤآل محوري آخر يُحدّد مصيرك بحسب فلسفتنا الكونيّة ويُمثل أساساً تربط جميع ألأسس والأركان الكونيّة مع بعضها! وإن لم نتفكّر و نتأمل لحل هذه المعظلة بآلوقوف عندها لنرى نقاط ضعفها و قوّتها و ما يتطلب لبنائها؛ فأنّ وجودنا سيكون قلقاً وغير مستقراً وحالنا عند ذاك سيكون مثل الأجيال الكثيرة التي جاءت ورحلت بلا أثر لأن حالنا كحال ذلك الشقيّ الذي مَلَكَ قصراً فخماً بآلحرام والحلال داخل جزيرة رائعة تحيط بها البساتين والبحار وآلخدم و الحشم و كل الأمكانات, لكنه لا يعرف (نفسهُ) و لماذا فعل ذلك؛ و من أين أتى؛ و ماذا يُريد؛ وإلى أين يسير؛ والهمُّ والحزن والقلق يحيط به و يُسيطر عليه رغم إمتلاكه للأبراج وآلأموال والخدم و الحمايات بعد ما كان يعتقد بأنها ستحقق له السعادة؟
هذا هو الأصل والسؤآل الكبير ومحور القضية في سبب تقديم معرفة (آلنفس) و الأسفار الرّوحية على المعرفة (ألآفاقية) والأسفار الجسمانيّة!

من المسائل الهامّة ألأخرى التي لم تُبحث بشكلٍ وافي خلال المراحل الفلسفية ألسّتة .. و ربّما تمّـت الأشارة لها من بعيد .. و للآن جميع الفلاسفة و الباحثين وفي مقدمتهم علماء النفس لم يُعيّنوا الطرق و الأسلوب الأمثل للحل, فقد فشلوا في جانب هام من آلجّوانب المعرفيّة بإستثناء وصايا الحكماء الكلية التي أشاروا بوجود كون رحب و كبير جداً يُمكنكم السفر إليه لكن بوسائط نقل أخرى غير مادية؛ لكن هذا السفر لا يكون مثمراً و لا جواباً كافياً لحلّ لغز الوجود ما لم تسافر خلال الأسفار الروحانية المطلوبة!

من هنا نرى الغربيّون و إعتماداً على آراء الفلاسفة عبر المراحل ألفلسفية(الستة) قد حققوا إنجازات رائعة في مجال (ألمَدَنيّة) و قليل من (الحضارية) عن طريق العلم و التكنولوجيا و الفضاء؛ لكنهم فشلوا في الجانب الحضاري بدءاً بمعرفة النفس ثمّ تحصينها من خلال العلاقات العائلية والأجتماعية وصولاً لتحقيق المجتمع ألسّعيد المُتعادل من كل وجه خصوصاً من الناحية الأقتصادية و العاطفية, لذلك فأن النفس هي المجال الأوّل الذي فيه تُنشأ بذور و مقدمات المحبة ثمّ السعادة الكونية! لقد وصل الحال في الغرب وكأن الزواج محنة حتى إنعدم تقريباً وحتى لو تمّ الزواج فلا تتشكل العائلة لأنّ معظم تلك – و لنسميها مجازاً بـ(العوائل) لا تلد سوى فرداً واحدا في أكثر الأحيان سرعان ما يترك البيت بعد ما يتّخذ كلباً أو قطةً أو حتى فأراً رفيقاً لقلبه بدل الأنسان ناهيك عن الله تعالى, و حتى لو لم يترك والديه فأنه يتعرض لأمراض روحيّة و نفسيّة خطيرة بسبب الوحدة و عدم وجود الأخت و الأخ اللذان معهما يتعلم المولود كيفية التعامل في الحياة الجماعية و التعاون و العمل المشترك و الحب المشترك و ما إلى ذلك.
وبما أننا قلنا في الحلقات السابقة بأنّ الفكر يُمثل حقيقة الأنسان, أيّ إنسان وليس الجسد لأنهُ – أيّ الفكر – يُقَوّم ألرّوح التي تتداخل مع الجسد لتُشكل مع الحواس ألسبعة(النفس) التي من خلالها نتصل بآلمعشوق الحقيقي؛ لذلك لا بُدّ من معرفة قدر ومكانة (ألفكر) من خلال قواعد [ألفلسفة الكونية ألعزيزيّة] بعد فشل المناهج الفلسفية ألسّتَة السابقة التي دمّرت بتطبيقها العالم و جعلته و البشرية تعاني الظلم و الجوع و المرض والجهل بحيث بات همّها الخضوع والتبعية للأحزاب والحكومات بكل وسيلة ممكنة لتأمين راتب بأمرة أصحاب المال المتسلطين في (المنظمة الأقتصادية العالمية) ألمحميّة بآلأحزاب و الحكومات الذليلة و بالأساطيل و الصواريخ والقواعد العسكرية المنتشرة في كل مناطق العالم الستراتيجية!
لهذا ليس أمامك أيها الأنسان العظيم سوى الأسراع لوعي النهج الكونيّ الذي وحده يضمن خلاصك من العبوديّة وآلتبعية لحكومات ألمستكبرين لفقدان ذلك الأصل(معرفة النفس), حيث خططت الحكومات من خلال التربية و التعليم .. منهج آخر يصبّ في الذوبان في القانون وحُبّ النظام المحدد و المرسوم مسبقاً و الذي لا يُؤَمّن سوى مصالح (ألمنظمة الأقتصاديّة) التي تحكم العالم اليوم, بعد نهب منابع الطاقة و الزراعة و الأقتصاد و حقوق الفقراء الذين هم أيضا مُسخت قلوبهم بسبب تركهم الأسفار الكونية نتيجة الجّهل وفي المقدمة جهل أنفسهم بأنفسهم حتى أغلقوا أبواب الخير بداخلهم, و فَعَّلوا أبوابَ الشّر و الخبث والنميمة حدّ النفاق في ضمائرهم فسلط الله عليهم أشرّ خلق الله!
لذا تهذيب النفس و معرفة حقوقها و حقوق من حولها من الزوجة/الزوج و الأب و الأم والأبناء و آلجيران الذين من خلالهم يتمّ جعل كلّ المجتمع و كأنهم عائلة واحدة هو الأساس الذي يُمهّد لمكارم الأخلاق الفاضلة التي تُحَصِّن الملتزم الذي حافظ على قلبه لدرجة تنفّره وتنكره لمجرّد رؤية أو سماع الباطل والغيبة وتشغيله لجهاز الأنذار ألمُبكّر واليقظة الذاتيّة الوجودية ألذّكية التي لا تتناغم إلا مع الحقّ, ومن هنا يتبيّن أنّ النفس هي الميدان الأوّل لتحقيق ألأسفار الكونيّة بنجاح, والباقي سهل يسير حتى التطور والتكنولوجيا والمدنيّة والتمدن ممكن التحقيق بزمن قياسي وكما فعلت معظم شعوب العالم حتى مع فقرها كدول (ألنّمور الآسيويّة) ودول الخليج العربية التي إنتقلت في غضون سنوات من حالة البداوة للمدنية وحتى في السابق حيث إكتشفوا آثاراً فرعونية تُدلل على وجود الصّناعات الفضائية و الأقمار الصناعية قبل آلاف السنين بحسب ما نُشر, لكن هل هذا التطور المدني سابقا ولاحقا حقق السعادة للبشر؟
هذا هو السؤآل الذي تطرحه الفلسفة الكونية المشكلة الكبرى للبشرية كانت و مازالت مستعصية هي النفس لكونها تمثّل العقبة الكأداء أمام قوانين العقل العادلة والأخلاق الرفيعة وبآلتالي تحقيق صلاح وسعادة أو خراب وشقاء إنسان أو شعب أو أمّة أو حتى البشرية بأكملها كما هو الحال اليوم, والآن وبعد ما أثبتنا فشل (الفلسفات السابقة) في درء المحنة العظمى و تحقيق العدالة؛ فلا نجاة ولا خلاص إلّا أن تكونوا كونيين؛ عبر ألبدء بتفعيل القيم الأخلاقيّة الكونيّة, ثُمَّ بيان طرق ألتفكير و آلأستفادة من العقل بتفعيله على المُستويين (الظاهري) و (الباطني) لدعم القيم الأخلاقيّة الرّحمانيّة ألرّحيمية الكونيّة, و سنبدأ بطرق تفعيل ألقيم الأخلاقيّة الكونيّة المطلوبة, وهي ليست فقط هامة و ضرورية لإدامة الحياة بشكل هادئ وأجواء صافية مليئة بآلحب وآلأحترام و الوفاء؛ بل ويُسبّب تربية أبناءاً صالحين هادئين مُحبين ومُنتجين(لا مستهلكين) كما الجيل السابق والجيل الحاضر, و لا يتحقق هذا الأمر الخطير؛ بل الأخطر ما لم نقوّم الفكر ثم ندرس مبادئ الأخلاق و الأخلاص والأسفار ولذلك حقّاً ما قاله أئمة الأخلاق؛ [تفكّر(3) ساعة خيرٌ من عبادة 70 عاماً] بشرطها وشروطها؟ ومنها كما ذكرنا سابقاً:
[الطلب؛ ألعشق؛ ألمعرفة؛ التوحيد؛ الإستغناء؛ الحيرة؛ الفقر وآلفناء].
ألفكر مفتاح فلسفة الأخلاق الكونيّة والتي بدونها يستحيل أن نكون مُسلمين ناهيك عن كونيين, فآلأديان التي وصلتنا ليست حقيقيّة وإلّا كيف مُريديها ومراجعها يسرقون و يُكذبون و يُنافقون ويقتلون باسم الله.

(1) مثلما ليلة القدر خير من ألف شهر؛ فأن تفكّر ساعة أفضل من 70 عاماً, حيث فيها ساعة تعتبر من أفضل ساعات ليلة القدر قيل بأنها قبيل صلاة الفجر وإن أفضل عمل فيها هو طلب العلم مع التفكر.
(2) قال آينشتاين: [شيئان لانهاية لهما: الكون والغباء البشري و لست متأكداً من الكون]!
“Two things are infinite: the universe and human stupidity; and I’m not sure about the universe.” Albert Einstein.
(3) ألفِكر لهُ قواعد علميّة تسبقها آلقواعد المنطقية العقليّة المتعلقة بآلعقل (الباطن) وليس (الظاهر) كما معروف وقد فصّلنا البحث فيه تفصيلاً ومن لا يَتقنها ليس فقط لا يكون مُفكراً, بل لا يستفيد شيئا و يصبح طفيليّاً عبثيّاً مُنافقاً ضالاً كما هو حال الناس.