لم تكن العلاقات بين ايران و جيرانها في الضفة الأخرى من الخليج العربي على توافق و وئام حتى في زمن حكم الشاه اذ كانت العلاقة مع العراق متوترة لكنها ازدادت سؤآ و تدهورآ بعد قيام نظام الجمهورية الأسلامية في ايران و الذي هدد و توعد بتصدير الثورة و بدأت القلاقل و المشاكل في الظهور في اغلب الدول الخليجية بدعم مباشر و معلن من الحكومة الأيرانية حينها زجت الدول الخليجية و اقنعت الحكومة العراقية وقتها ( صدام حسين ) و الذي تخوف هو الآخر من وصول ارهاصات الثورة الأيرانية الى العراق مع بوادر تحرك من الأحزاب ( العراقية ) الموالية للنظام الأيراني و الملتزمة بولاية الفقيه ( الخميني ) ما حدا بصدام حسين بالهجوم العسكري على ايران و هذا ما حصل حين اجتاحت القوات العراقية الأراضي الأيرانية في حرب طويلة و مريرة .
على الرغم ان النظامين الذين يحكمان ضفتي الخليج هما نظامان اسلاميان احدهما شيعي اصولي ( ايران ) و الآخر سني اصولي ( السعودية ) الا ان العداء المتأصل بينهما لا علاقة له مطلقآ بالأختلاف المذهبي لكن التضاد و العداء فيما بينهم يعود الى العداء الأيراني المستمر للسياسة الأمريكية و منذ سقوط نظام الشاه و مازال مستمرآ في حين بقيت السعودية تحت الهيمنة و الحماية الأمريكية و هي في اتفاق شبه تام مع السياسات الأمريكية و قد يرى الحكام في السعودية ان مصالحهم تكمن في الأتفاق و التوافق مع السياسات الأمريكية و لهم في تلك العلاقات الوشيجة تأريخ طويل و حافل اثبت فيه الطرفان التزامهما في المعاهدات و الأتفاقيات حين حافظت السعودية و في احلك الأوقات و اصعب الأزمات على استمرارية تدفق النفط المصدر الرئيسي للطاقة الى العالم الغربي في حين التزمت امريكا و نفذت تعهداتها بالدفاع عن المملكة السعودية و حمايتها .
حدث ذلك اخيرآ عندما اجتاح الجيش العراقي دولة الكويت و احتلها و اسقط النظام الحاكم فيها و توغل اكثر بأتجاه السعودية و كان التهديد العراقي العسكري للسعودية خطيرآ جدآ لولا التدخل العسكري الأمريكي الذي حشد الحلفاء من حوله في تحالف عسكري دولي هدفه اخراج القوات العراقية الغازية من الكويت و حماية دول الخليج العربي ( المصدر الرئيسي للطاقة ) من التهديد العراقي حينذاك اصطفت ايران الى جانب دول الخليج العربي و من ضمنها السعودية في مواجهة القوات العراقية المحتلة و طالبت بخروج الجيش العراقي من الكويت و هو نفس المطلب و المراد الذي كانت السعودية تطالب به و كذلك التزمت الدولتان و توحدت رؤيتهما في ضرورة انصياع النظام العراقي السابق لقرارات الأمم المتحدة و الألتزام بفرض العقوبات الأقتصادية على الشعب العراقي .
كان لابد من تسوية شاملة للقضية الفلسطينية و لكن ضمن الرؤية الأسرائيلية و مصالح الدولة اليهودية ان تنخرط كل الأطراف الفاعلة و المؤثرة و من ضمن تلك الدول ( سوريا ) و التي انهكت بتلك الحرب الداخلية المفتعلة و التي أدت الى خروج الجيش السوري القوي و المعبأ معنويآ بالضد من اسرائيل و ان كان مؤقتآ من المواجهة المحتملة مع اسرائيل و لم يتبق في الطرف المناهض و المعارض لسياسات اسرائيل التوسعية العدوانية في المنطقة سوى ايران و التي لا تخفي نيتها في ازالة دولة اسرائيل من الوجود و التي لم تتوقف عن تعزيز ترسانتها الحربية بالكثير من الأسلحة ( المتطورة ) بما فيها الصواريخ الطويلة المدى القادرة على الوصول الى الأراضي الفلسطينية المحتلة هذا بالأضافة الى دعم الأحزاب و الفصائل المعادية لأسرائيل و مدها بالسلاح و الأموال و المستشارين العسكريين و من ابرز تلك المنظمات حزب الله اللبناني و حركة حماس الفلسطينية .
هذه العقبة امام التسوية الأمريكية و التي تميل لصالح أسرائيل دائمآ و التي ابتدأت مع نقل السفارة الأمريكية الى القدس و الأعتراف بها عاصمة موحدة لأسرائيل بدلآ من ان تكون عاصمة لدولتين و من ثم التأييد المطلق في ضم اسرائيل لهضبة الجولان السورية المحتلة رغم تعارضها و تقاطعها مع المعاهدات و القوانين الدولية و رفض دول العالم كلها و بالأجماع لهذا الضم القسري المجحف والغير قانوني عدا الولايات المتحدة الأمريكية فكانت كل تلك المواقف المؤيدة و بشدة للدولة اليهودية هي المقدمة في الخطوات اللأحقة من التسوية السياسية الغير منصفة للقضية الفلسطينية و بما يرضي الجانب الأسرائيلي فقط اعتمادآ على الضعف و الوهن الذي بدأته الأنظمة العربية الأستبدادية القمعية في سلب كرامة الأنسان العربي و حرمانه من حقه في العيش الكريم و اكملته ثورات الربيع العربي و التي اجهزت على ما تبقى من قوة و عنفوان الأنسان العربي .
في هذه الأوضاع الراهنة و تفرد امريكا بالقرار و القوة الوحيدة في العالم و غياب الدور الروسي الضعيف اصلآ فأن بوادر ( الحل ) الأمريكي سوف يسير وفق ما هو مخطط له و طالما هناك من الأطراف العربية ذات التأثير و النفوذ ( السعودية و دول الخليج العربي ) و الى حد ما ( مصر ) في موقف المؤيد او في موقف الذي لا حول له و لا قوة فأن ما يسمى بصفقة القرن ماضية في طريقها وفق ما قد رسمته الأدارة الأمريكية المتطرفة ( ترامب ) المتوافقة مع حكومة المتطرف الأسرائيلي ( نيتنياهو ) و اما الأعتراضات الأيرانية و الممانعة من بعض الأنظمة العربية و عدم القبول من قبل بعض الأحزاب و الحركات السياسية العربية كلها سوف تذهب ادراج الرياح و سوف تخمد العاصفة الكلامية و الضوضاء الأعلامي تدريجيآ و مرة اخرى سوف يكون البقاء للأقوى و الأشرس و ليس البقاء للأصلح كما قيل .