في عام 2000، اجتمع نخبة من المفكرين ورجال الأعمال والساسة العرب من أجل تشييد مؤسسة عربية الهوية تحقق المعادلة الصعبة بين الفكر والمال. نهضة الأمة العربية بمفكريها وسواعد أبنائها حقيقة آمنت بها مؤسسة الفكر العربي، عُرس عربي يوم بات للفكر العربي مؤسسة ترعاه عبر رؤية ثاقبة، وبرامج، ومشاريع، وأنشطة تُنَفذ على مدار العام.
وفي المقدمة، تأتي جائزة الابداع العربي التي أُطلِقَت عام 2007 لإلقاء الضوء على الأعمال المبدعة في الوطن العربي في سبع مجالات منها التقني والاقتصادي والمجتمعي والإعلامي، أيضاً مشروع “عربي 21” يعتبر من أبرز مشاريعها إذ أُطلق بدعم رئيسي من مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية هادفاً إلى الارتقاء بأساليب تعلم اللغة العربية، هذا علاوة على أنشطة ومبادرات وشراكات ومشاركات إقليمية أخرى للمؤسسة تشغل أجندتها على مدار العام.
بلداً عربياً كل عام يرعى مؤتمرها السنوي “فكر” الذي يعد حدثاً جلياً في المحافل الثقافية العربية ليجمع أكثر من 600 شخصية بارزة ذات ثقل في دوائر صنع السياسات والقرار والأكاديميا والابداع الفكر والشبابي بجوار عدداً من الاتحادات والمنظمات الدولية ذات الصلة، القاهرة أيضاً احتضنته في دورتين سابقتين وهما فكر 7 عام 2008 وفكر14 عام 2015 التي نُظِمت بتنسيق مع جامعة الدول العربية وتحت رعاية رئاسة الجمهورية المصرية لتناقش موضوعات التكامل العربي من فرص وتحديات ثم استُكمِل النقاش في مدينة الصخيرات المغربية بالعام التالي مباشرة.
وفي مدينة دبي الناهضة، وخلال مشاركتي في فكر 11 الذي حمل عنوان “المواطن والحكومات”، نال 22 شاب عربي لقب “سفير الفكر العربي” وكنت واحداً منهم عقب اجتماع مقهى الشباب “فكر وأفكار” بفندق جراند حياة دبي حاملين رسالة هامة مفادها تنمية المجتمعات العربية يأتي أولاً.
تمثيل المؤسسة في الدول العربية ونشر تطلعاتها بلورا أولويات برنامج السفراء الشباب منذ اطلاقه عام 2007 هذا علاوة على الدور الحيوي الذي لعبه السفراء في دفع عجلة التنمية المجتمعية والاقتصادية داخل أوطانهم العربية.
ففي إجتماعاً مثمراً عُقِد بفندق روز ريحان بدبي خلال فكر 12 عام 2014، بادر سفراء الفكر العربي بإطلاق مبادرات تحمل بصمة إبداعهم الشبابي لتخدم قضايا الاصلاح والتغيير في بلدانهم، وبعد جلسة طويلة من التخطيط لأهداف ورؤى ومخرجات وسبل التمويل، ولِدت مبادرات ناجحة على أيدي 22 سفير طامح وجامح نحو العمل الشبابي محققين فعلياً قيمة مضافة لمنظومة التنمية العربية. كما أنها مثلت دعماً للعديد من مشاركاتي الدولية مثل الملتقى الثالث للشباب العربي الأوروبي في النمسا عام 2014 ومهرجان الشباب التاسع عشر في روسيا عام 2017 وكذا التنسيق والتواصل مع مؤسسات المجتمع المدني ووسائل الاعلام بمصر.
ففي العام الحالي، تحتضن دبي المؤتمر السنوي برعاية إماراتية سخية للمرة الخامسة بعد فكر 4 عام 2005 وفكر 10 عام 2011 وفكر 11 وفكر 12 بالسنوات التالية مباشرة.
وبلا شك يعتبر فكر 16 محفلاً عربياً لنخبة المفكرين وصناع السياسات وكبار رجال الأعمال والمبدعين الشباب ورواد الأعمال ليلتقوا من جديد حيثما ينال الفكر مذياعاً والإبداع صوتاً، ويُشَّيد لهما صرحاً ثرياً يناقش أهم التحديات الراهنة بالمنطقة العربية والفرص المستقبلية لمواجهة تلك التحديات في ظل معطيات جيوسياسية وإثنية وعرة للغاية.
هذا وتعتبر التحديات الأمنية والاقتصادية الأكثر إلحاحاً وتأثيراً، ورغم تراجع تأثير داعش بالمنطقة العربية، لا يزال تهديد التطرف الديني والأزمات الاقتصادية الطاحنة يقبعان في سمائها.
كلاهما أشد ارتباطاً بالأخر، فالفقر يعتبر البوابة الكبرى للتطرف ولكنه ليس الوحيد، ففي مقالة نشرتها جريدة التايم الأمريكية في فبراير 2014 بعنوان “لا تستبعدوا دور الفقر في الإرهاب”، تمت الإشارة الى دراسة نُشِرت عام 2008 تؤكد أن 82% من الصوماليون المجندون في صفوف الحركات الجهادية خارج الصومال مثل أفغانستان والعراق ينتمون إلى الطبقة الفقيرة والمتوسطة تم استقطابهم في التنظيمات المتطرفة بسبب تدني مستوى معيشتهم في بلدانهم وهم نفس الأشخاص المشاركون بالحرب السورية الأن.
ومع ازدياد مساحة عدم اليقين على الساحة السياسية العالمية وكذا التباين في الهيكل العالمي لتوزيع القوة بين القوة الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية وتغير التحالفات وتدافع الدول الكبرى للحفاظ على النظام الدولي الراهن وسعى أخرون لتغييره، يمثل تحليل هذه الحالة حجر زاوية في جلسات النقاش لـ “فكر 16″، كما أرى التكامل العربي الأمني والاقتصادي يظل الأهم على الاطلاق لأن غيابه لن يخدم سوى تفشي التنظيمات المتطرفة السرطانية التي طالما مثلت تهديداً وجودياً للدولة العربية وكذا الأمن الدولي والإقليمي.
وما الفكر إلا سؤال!
جملة لفتت انتباهي خلال مشاركتي في فكر 11، فالفكر بلا مال هائم والمال بلا فكر مهدر، وفكر16 يجدد النقاش والحوار والابداع فائزاً!