يجري سجال بين اعضاء مجلس النواب وجهات اخرى ومتصلا الى الرأي العام بشأن تخفيض اعداد اعضاء مجالس المحافظات ومجلس النواب، النقاش كله بوجهة واحدة من حيث المبدأ تتفق على التقليص ولكن، كم هو العدد اللازم للمجلسين او القاعدة التي ستتم بموجبها وكذلك كيف وهل يتم بقانون او بتعديل على الدستور وما الى ذلك من المقترحات؟ الواقع انه ليس هناك من خلاف على اعضاء مجلس المحافظات فالمسألة ايسر من الناحية القانونية والتشريعية، ولكن المشكلة تكمن في مجلس النواب الذي يحدد اعضاؤه عبر تعديل الدستور.
الخشية ان تستمر النقاشات الى ما لا نهاية كالعادة، لان هناك من هو متضرر من أي تقليص بوصفه يؤمن مصالح فئات اجتماعية معينة، فالمقاعد النيابية الكثيرة يمكن اسكات بعضها وكسب ودهم وربطهم بهذا الحزب او ذاك.
ان تطبيق الفكرة على الانتخابات المقبلة غاية في الضرورة ليس للجانب الاقتصادي التوفيري فيها ارتباط بالازمة، وانما على الصعيد المستقبلي كي تكون هذه الطبقة من النواب واعضاء مجالس المحافظات وهم من الدرجات الخاصة محدودة الاعضاء من دون تمييز لوظيفة طوعية يفترض اصلا ألّا تكون بمقابل مادي.
المهم يبدو ان النواب هم غير مستعدين لتقبل ذلك والعمل مقابل المكافأة او أي امتياز آخر غير التقاعد. ان مجلس النواب بعدد قليل وفقاً للمهمات الموصوفة خير من مجلس مترهل وغير منتج ويفتقد اعضاؤه الى الكفاءة والمقدرة التي تتطلبها مهماته في التشريع والرقابة.
مضت سنتان على المجلس وشعبنا لم يسمع صوتاً لعدد كبير من النواب لا سلباً ولا ايجاباً، وتقدموا بمقترح او رأي، انهم مجرد اكمال عدد، والانكى من ذلك انهم يعيقون عمل المجلس حين يفتقدون القول تحت قبة البرلمان وخارجها ويأتمرون بأمر زعماء الكتل برفع الايدي مثلما كان يحدث في المجلس النيابي في العهد (الملكي) حين يقول النائب (موافج) من دون يعرف ماذا يدور حوله.
ان مجلساً نيابياً بعدد اقل واختصاصات اكثر وتنوع في الكفاءات وحضور قوى للشخصية المتأثرة بما تمليه عليه البرامج والوعود الانتخابية هو افضل بكثير واجدى للبلد وللمواطنين الذين ينتظرون من يمثل مصالحهم ويهتم بها.
طبعاً، العدد الصغير يستطيع في ظل هذه الظروف ان يسرع الانجاز والنظر في القضايا المطروحة على طاولته بل حتى التوافق فيما بينهم يكون اسهل ويكونون من ذوي الفعل ويشار اليهم بالبنان ومتابعتهم ايسر من ناخبيهم، فضلا عن ان نسبة الفساد تقل بين اعضائه وتتقلص الخروقات والانحيازات والحصول على المكاسب واستغلال النفوذ والموقع مثلما نرى هذه الايام اذ تم فضح جزء منه.
هناك تجارب عديدة في العالم اثبتت نجاحها وكانت مجالسها تؤدي مهماتها بشكل يرضي شعوبها فالاقتداء بها ليس عيباً، بل انه يحسب للذين يتمثلون هذه التجارب ويقتدون ويستنبطون الدروس، واغلب النواب سافروا الى برلمانات العالم للاطلاع على كيفية عملها وكيف تكونت.
الان تطرح افكاراً ناضجة لمعالجة المشكلة الدستورية وابرزها تشكيل لجنة مصغرة متخصصة بهذه المسألة التي تحضى بتأييد كبير لتقديم مشروع التقليص للاستفتاء، وربما هذا الاسلوب سيكون بالامكان تكراره في قضايا اخرى تخلص الدستور من جموده ونؤكد مرة اخرى كلما كان العدد صغيراً يساعد على نجاح المجلس النيابي في عمله اللاحق، واخيراً نحذر من الاستمرار في الجدل الذي لا طائل منه وبالتالي يجهض الافكار الجميلة وهي نادرة في زمننا هذا.