نرى اليوم أن جميع الكتل السياسية “باستثناء المجلس الأعلى” تنصلت عن اتفاقياتها وتنكرت لعهودها ومواثيقها مع حلفائها ومع جمهورها ومع نفسها ومنحت صك الغفران مرة أخرى للمالكي وهي تعلم انه لن يفي بوعوده التي قطعها لان تجربة الأربع سنوات الماضية كشفت الأوراق وأظهرت ان الحكومة السابقة غير قادرة على النهوض بأعباء البلد وبناء دولة عصرية قائمة على أُسس المساواة والعدل والقانون وان كلامه سراب في صيف قائض إلاّ أنّ اللعبة استهوت هذه الكتل وأصرت على الاستمرار بها”.
بالرغم من ان الساحة السياسية طوال السنوات التي أعقبت سقوط نظام البعث منذ عام 2003، وحتّى يومنا هذا لم تكن مثالية أو خالية من المنغصات والاختلافات بل كانت عبارة عن حلبة للصراع تثور مرة وتهدأ مرة تبعاً للتوافقات السياسيّة وحجم المصالح المكتسبة والصفقات السرية التي تعتبر العلامة الفارقة في ماركة السياسة العراقية الحالية “.
ومما يمكن ان يميز سياسة المرحلة السابقة هو صفقات اللحظات الأخيرة التي تشكلت على ضوئها حكومة المالكي التي أعقبت حكومة الجعفري وحكومة المالكي التي أعقبت حكومة المالكي الفاشلة طوال السنوات الأربعة الماضية، وان جاءت بسيناريو مختلف هذه المرة وبتنازلات وصفقات أكثر مأساوية من اجل الاحتفاظ بكرسي الحكم وعلى حساب تضحيات أبناء الشعب العراقي ودماء الأبرياء”.
نجد ان المالكي أفضل من يجيد الإقناع ومنح الوعود للآخرين دون تنفيذها والتي مكنته من البقاء طوال السنوات السابقة على كرسي الحكم مع نظرية خلق الأزمات وتفرقة الخصوم إلاّ ان هذه الأوراق انكشفت من قبل الجميع وبات عليه ان يجد وسيلة وطريقة أخرى للبقاء مدة أخرى قد تطول أو تقصر بحسب قوة الاقناع وحجم التنازلات ونكث الوعود”.
غير انه لا يمكن تحميل المالكي المسؤولية الكاملة في خلق الفوضى واستشراء الفساد المالي والإداري وانعدام الخدمات وانتشار البطالة بعيداً عن شركائه الذين يعلمون من هو المالكي، كونهم منحوه صك الرضا مقابل حزمة من التنازلات والصفقات فكانت بمثابة عملية بيع وشراء تمثلت بأن باع لهم المناصب والمكاسب التي لا يستحقونها ولا يملكها هو.
ولأن المالكي بطبعه يكره الوفاء بالوعود ويتعامل مع حلفاءه بفوقية واستعلائية خاصة أولئك الذين يمكن شراء ذممهم بحفنة من المناصب والدولارات، فانه سئم هذه اللعبة وبدأ بممارسة لعبة أكثر خشونة خاصة بعد ان علم ان الناس ملت الانتظار وان حكومته غير المكتملة ليست لديها القدرة على تغيير الواقع البائس كونها لا تملك رؤيا بناء دّولة عصرية، اتجه هذه المرة إلى خلق أزمات أكثر قوة وأكثر اتساعاً حتّى إنّها شملت دول الجوار وتجاوزت الفرقاء السياسيين من العرب السنة والكرد”.