يحتاج أي نظام سياسي إلى وجود ثقافة سياسية تغذية وتحافظ عليه. لأن الثقافة السياسية للنخب السياسية ذات أثر لا يجوز تجاهله في مرحلة الانتقال إلى الحكومات المتحرر من الدكتاتورية من دون أن يقلل ذلك من أهمية توافق النخب على الالتزام الخيار الأنسب كشرطًا أساسيًا في أوقات الانتقال للخيار وان اي نقاش حول الثقافة السياسية يكون ناقصاً دون ان يكون للدين دور تقييمي له. وكمصدر للقيم الاساسية فيه، فإن الدين يعتبر مكوّناً هاماً في الثقافة السياسية في كل الازمان وهنا لا اعني ان يكون كل النظام ديني انما تطبيق المفاهيم الاخلاقية في الممارسات ولكون ان المغريات في الوقت الحالي تكون الحاجز في الوصول للحكومة الدينية لذا نحتاج الى وقت لتغيير المجتمعات فكريا وثقافيا لمراحل تطبيقاته ولكن يمكن الاعتماد على الركائز الدينية في الاخلاق لادارة الدولة. و الدين يمنح الشرعية ولا يستمدها، فبإمكان القادة الدينيين ان يكونوا حرّاس للثقافة السياسية ، ومن الواضح يصعب الحديث عن ثقافة سياسية مستقلة نشأت من المجتمع وتجاربه، لتجد تعبيرها من خلال النظام السياسي الذي يمثل قيم هذه الثقافة. في العادة، تُلحق الأنظمة الاستبدادية، خصوصاً الشمولية منها كما في نظام حسني مبارك في مصر وصدام حسين في العراق أو نظام معمر القذافي في ليبيا او النظام الشيوعي في الاتحاد السوفياتي في ظل حكم جوزيف ستالين أوغستو بينوشيه في تشيلي وأفغانستان الحالية وكوريا الشمالية والصين الشعبية وعشرات الدكتاتوريات الاخرى من الحكومات العديدة التي ادارة وتدير المجتمعات بالسلطة الحاكمة بقوة الدعاية الموجهة والسلاح والمركزية التي روجت لأفكار سلطوية تخدم تلك الانظمة الحاكمة وبإمكانات القسر الأمني التي تعاقب على الأفكار الممنوعة والمحرمة المناقضة للنظم السياسية تلك.
بلا شك لا يمكن الانكار من كون ان مثل هذه الحكومات الفردية في توائمه ثقافة سياسية تتمحور عناصرها في الخوف من السلطة’ الديمقراطية ‘ والإذعان لها، وضعف الميل إلى المشاركة فيها فتور الايمان بكرامة وذاتية الإنسان، وعدم اتاحة الفرص لظهور المعارضة ، لكون ان الحكومات الديمقراطية الممنهجة فكريا تتطلب منها ثقافة تؤمن بحقوق الإنسان، وتقتنع بضرورة حماية الإنسان وكرامته في مواجهة أي اعتداء على هذه الحريات، حتى لو كان من قبل السلطة نفسها، كما يشترط لاستمرار النظام والحفاظ على بقائه توافر شعور متبادل بالثقة بالآخرين في ظل مناخ اجتماعى وثقافى يعد الإنسان لتقبل فكرة وجود الرأى والرأى الآخر، ويسمح بوجود قدر من المعارضة في إطار قواعد وأطر سياسية موضوعة بدقة لكى تنظم العلاقة بين أفراد المجتمع السياسى.
الاتجاه نحو النظام السياسي الحقيقي والذي ينبعث من المصداقية هو الإيمان بضرورة الولاء له والتعلق به والضرورات بالإحساس بالمواطنة وما ترتبه من حقوق والتزامات. فكل ثقافة سياسية عليها أن تحدد النطاق العام المعقول للعمل السياسى والحدود المشروعة بين الحياة العامة والحياة الخاصة. ويتضمن هذا النطاق تحديد الأفراد المسموح لهم بالمشاركة في العملية السياسية ووظائف المؤسسات السياسية كل على حدة. كما تفرض الثقافة السياسية معرفة حدود المشاركة في هذا النظام مثل السن والجنس والمكانة الاجتماعية والوضع العائلي. بالإضافة إلى أن بعض الثقافات السياسية تحرص على تحديد الأبنية والوظائف السياسية في الدولة، وكذلك الأجهزة المنوطة بتحقيق الأهداف التي تحددها الدولة. فالثقافة السياسية هي التي تدعم النظام، وتحدد أطره، وتغذية المعلومات المستمدة من واقع البيئة وخصوصيتها، وتحافظ عليه وتضمن بقاءه.