بدأت الأم تلاحظ على اٍبنتها علامات الشحوب والذبول والضعف والاِرهاق وهي تدقق النظر في وجه ابنتها بينما كانت الفتاة مشغولة بقرقعة أصابعها الصغيرة وهي تنظر الى الافق البعيد عبر نافذة البيت العتيق الرطب بينما راحت الدموع تنهمر من عيني الام وهي تنظر مشفقة على اٍبنتها التي تذوي وتذوب بين يديها كشمعة في ليلة عاصفة مظلمة , كيف وهي طفلتها الوحيدة المتبقية لها في هذه الدنيا الغريبة القاسية اذ فقدت زوجها اثناء الاحداث الطائفية الدامية وهو ذاهب الى عمله ولم يعد للبيت أبدا رغم انها بحثت عنه كثيرا في كل مكان في العاصمة ولم تدرك انها فقدت كل شي بعده الامان ولقمة العيش وذهبت الى أهل زوجها الذين لم يكن حالهم بافضل من حالها فهم لم يكلفوا انفسهم بالسؤال عن ابنتهم الصغيرة حاولت كثيرا ان تجد عملا وفي كل مرة كانت تفشل في ايجاد العمل المناسب او انها تتركه بعد ان تلاحظ الوحوش والكواسر البشرية يطمعون بها وقد حباها الله بمسحة من حسن التي كانت تحاول اخفائه في كثير من الاحيان خوفا من مطامع الرجال ودنائتهم وتذكرت في يوم كيف جائتها احدى جاراتها وقد عرضت عليها الذهاب الى كربلاء او النجف فهناك ربما تستطيع لحصول على المال من رجال الحوزة فهم يدفعون للفقراء وهناك رواتب مجزية ومساعدات للايتام والارامل اقنعتها جارتها وفعلا ذهبت معها الى هناك وبعد اتمام الزيارة للمرقد الشريف ذهبتا الى مكتب معتمد المرجعية الذي مد يده لجيبه واعطاها ورقة فئة عشرة الاف دينار وأشار اليها ان تعود في وقت اخر لانه لا يحمل المبلغ المطلوب رجعت وهي تفكر بأبنتها الصغيرة التي تركتها عند اهل زوجها وبعد يومين قضتاها في بيت امرأة اخرى كانت تعرفها جارتها التي جاءت معها ذهبتا مرة اخرى الى مكتب المرجعية العليا وقابلتا الشيخ هناك ورحب بهما كانت نظراته اليها ليست كالمعتاد كان لا ينفك ابدا في النظر اليها فقال لها لماذا لا تتزوجي احد شيوخنا بزواج المتعة وهي يصرف عليك راتبا مجزيا فقالت له : شيخنا انا أرملة فقيرة نكبت بزوجها وجئت من هناك أريد مساعدتكم كونكم رجال دين وعندكم الاموال وليس رغبتي في الزواج او اي أمر آخر نظر اليها بنظرة غاضبة وبعنف رد عليها ومن قال لك بأننا دار ايتام او منظمة رعاية الارامل اذهبي من هنا اذا لم ترغبي بذلك .. رجعت المرأة الى العاصمة وتركت كربلاء وراء ظهرها وهي تفكر في ما حصل وما جرى بينها وبين ذلك الشيخ المعمم الذي يدعي الدين وكيف وصلت الامور الى الفسق والفجور والانحراف وتذكرت كيف انها مؤخرا قبلت من مرأة جاءتها وعرضت عليها ان تأخذ ابنتها الصغيرة لتتسول بها في الشوارع وتقاطعات الطرق مقابل أجر يومي من الاموال التي سوف تحصل عليها وبرفقتها الصغيرة تمد يدها فقط وتترجى الناس والناس بدورهم يشفقون عليها ويمنحنوها النقود لتضعها في جيب المراة الخبيثة ووافقت على مضض وترتجتها ان تحافظ على ابنتها وترعاها ووافقت المرأة وهي على هذا المنوال منذ شهر تقريبا ترسلها بصحبة تلك المرأة المتسولة لاحظت ان فتاتها بدأت تذوي وتشحب وتضعف فقدت كثيرا من وزنها هذه الايام كانت دموعها لازالت لم تنقطع عندما سمعت الباب يطرق عرفت الفتاة التي كانت جالسة انه موعد المرأة تلك التي تأخذها من بين احضان امها الدافئة ولاحظت المرأة ان ابنتها اصفر وجهها وبدأت ترتجف ترتجها ان تذهب معها للحصول على المال ولكنه العيد يا اماه اليوم هو العيد فاجابتها الام نعم يا ابنتي العيد وفي العيد يدفعون اكثر وتحصلين على النقود الكثيرة وذهبت الفتاة متثاقلة وفتحت الباب وذهبت وبعد ساعة طرق الباب ففتحت واذا برجل شرطة يقول لها ان ابنتك التي كانت تتسول الان في المستشفى وفي حالة خطرة دهستها احدى المركبات اسرعت الى المستشفى بحثت عن تلك المرأة فلم تجدها ووجدت فقط السائق الذي كان محاطا بالشرطة ونظرت الى ابنتها التي كانت قد فقدت الوعي تماما ان حالتها خطرة جدا امسكت بيديها الصغيرتين كانتا باردتان جدا كالثلج لم تتمالك المرأة نفسها وبدأت تضرب خديها وتبكي بحرقة وتنادي على ابنتها وتصرخ طفلتي , طفلتي الصغيرة .. يا الهي .. ولكن ما الفائدة وهل الصراخ والعويل يعيد ميتا الى الحياة ..